الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين الوسيلة والمشروع

بين الوسيلة والمشروع
23 أكتوبر 2013 19:58
يدور حوار ساخن في المملكة العربية السعودية حول دور القناة الثقافية بالتلفزيون السعودي. وقورن هذا الدور بثنائية الإنجاز والتمثيل، أي أن البعض روّجَ أنها إنجاز ثقافي في مقابل تمثيل الوجود، أي حضور عيني لمعرفة خاصة. أما الإنجاز فهو القيم التي يقدمها التمثيل أو يضيفها. وكل موجود هو حامل بالضرورة لعلامة تمثيل وليس بالضرورة هو حامل لقيمة الإنجاز، كما تقول سهام القحطاني. (المجلة الثقافية ـ الجزيرة 10/6/2010). نحن نعتقد أن الإعلام العربي هو ممثل ناجح لواقع حال المُنجز وليس إنجازاً بحد ذاته. وهنا لا نختلف مع رؤية الأستاذة سهام القحطاني. فحتى على المستوى السياسي؛ نجد أن الإعلام ليس قيمة بحد ذاته، بل تمثيل لواقع الحال. ويتجلى المشهد الثقافي في وسائل الإعلام على أنه إخبارٌ عن شيء، وليس خَلقاً جديداً لمفهوم معين. وما يؤيد هذه الفكرة هو استخدام ذات أسلوب السياسة والرياضة والاجتماع في تقديم المُنتج الثقافي أو تشكيل هذا المنُتج. ولعل أول اشتراطات تخليق المُنتج الثقافي هو وجود مناخ ديموقراطي حر، لا يُقيده الرقيب، أو الاستحقاقات المجتمعية، من حيث تقديم جميع وجهات النظر حول ذات القضية. ولا نعني هنا بطبيعة الحال الانزلاق أو الفوضى التي لا تفيد المجتمع ولا تجسّد المعاني السامية للثقافة. كما أن الشرط الديموقراطي لا يختلف عن الشرط الإثرائي الذي يقدم الجديد والمثير والمخفي. ذلك أن جوانب عديدة من حياتنا الثقافية تكاد تكون بين الجدران العالية، ولا تجرؤ المحطات والمنابر الثقافية على إظهارها!؟ فالثقافة شأنها شأن السياسة أو الاقتصاد تمسّ حياة الناس عامة! ولا بد لها من الشمولية ونبذ الانتقائية أو الإقصائية أو الدعائية الثقافية. إن للتلفزيون خصوصية معينة تختلف عن الرواقين أو المسرح أو الإذاعة! ولعل أهم هذه الخصوصية هي الحالة البصرية المعتمدة على الانتقال بالصورة وقفزاتها ضمن منظومة علمية يعرفها أهل الاتصال؛ كي يتحقق التسلسل (Sequence) المؤدي إلى إيصال الرسالة عبر الصورة دون تشويش أو قطع لذاك التسلسل. كما أن التلفزيون وسيلة، وهو بحد ذاته ليس مشروعاً ثقافياً!. وهنا نختلف مع بعض الرؤى التي تنعت أية فضائية بأنها مشروع ثقافي!. فالتلفزيون ما هو إلا ناقل للمشروع، ومتى افتقد المشروع أهليته واشتراطاته، فقدت الوسيلة ذات الشيء!. من هنا لابد وأن تكون للفضائية مصطلحاتها ومفاهيمها وأهدافها ووسائلها. ومتى كانت تلك المفاهيم مقصورة على توفير حزمة فضائية وشعار ووقت للبث، فإن هذا لا يحقق فضائية ثقافية، وإن تم ضخ المليارات فيها. ومن اشتراطات تخليق المُنتج الثقافي المفاهيم والمنطلقات التي تبثها القناة، هل لديها مشروع لدرء خطر معين أو الترويج لمشروع معين؟ هل تقدم رؤى جديدة لثني المشاهدين عن اتباع رؤية مغايرة؟ هل تنطلق من دوائر فكرية محددة ـ ولنقل قبيلية أو طائفية ـ أم أنها تقدم مساحة ثقافية حرة دونما اعتبارات زمانية أو مكانية أو تاريخية؟ هل تحفل كثيراً بالمخرجات الثيوقراطية أما أنه تقدم ينابيع منسابة رقراقة لجميع الأطياف الفكرية دونما حجر أو رقابة؟ ثانياً، هل يتوفر للفضائية الكادر البشري القادر على توصيل أفكار القائمين على هذه الفضائية؟ كون هذه الفضائية لا تخاطب الجمهور العادي، الذي يشاهد فضائيات الرقص والغناء، وعملية إقناع هذا الجمهور صعبة جداً. ومن تجربتنا في الإعلام العربي، لم نلاحظ أنه قدّم لنا مذيعين أو مخرجين للبرامج الثقافية يُشار إليهم بالبنان. اللهم بعض مقدمي برامج المسابقات وهم يعدون على الأصابع ولقد رحل عنا اثنان من أحسنهم، ولم يخرج لهم بدلاء حتى الآن. بل إن التقليدية والرتابة والنمطية كانت السمات الواضحة على معظم برامج الثقافة التي قدمت على مدى أربعين عاماً. ولقد سقطت تجارب التلفزيون التربوي في العالم العربي لذات الأسباب وأهمها عدم وجود الكار البشري المؤهل للعمل التلفزيوني. ثالثاً، حجم الميزانيات التي تخصص لمثل هذه الفضائيات؛ التي يجب أن تعتمد على ذاتها في إنتاج منتوجها الثقافي وعدم تكرار منتجات الغير. وهذا يتطلب أيضاً الوقت، لأن عملية الكتابة والتصوير والمونتاج والتعليق تحتاج لوقت طويل. ولا نريد مقارنة ما يخصص من ميزانيات للرياضة أو برامج الغناء في مقابل ميزانية القناة الفضائية الثقافية. رابعاً، عدم احتساب القيمة الفنية لخصوصية التلفزيون من حيث الديكورات، المؤثرات البصرية، زوايا التصوير، إدخال التكنولوجيا الحديثة، تنوع المواضيع. ولقد سقطت العديد من الفضائيات الثقافية في مخ المقابلة المُملة ـ كما ذكرنا في مقال سابق ـ وإضاعة الوقت مع متحدث قد يصلح لأن يكون محاضراً، لكنه لا يصلح لوسيلة التلفزيون، لأن ليس كل مفوهاً يصلح للشاشة. كما أنه يغلب على برامج الثقافة الرتابة وعدم وجود كادر فني متخصص. بل إن تسجيلات أو بث معظم برامج الثقافة في التلفزيون يخصص لها كادر فني متواضع، بعكس البرامج الغنائية أو الرياضية التي يُجلب لها كوادر من الخارج، بغية أن تظهر بأفضل صورة وأحسن تشويق. خامساً، عدم الاهتمام بوقت البث، وبرمجة البرامج حسب توفر جمهور المشاهدين. وهذه قضية هامة للتحقق من نجاح الفضائية في الوصول إلى المشاهدين. بل إن القنوات العامة ـ الحكومية ـ تخصص أردأ أوقات المشاهدة كي تبث فيها البرامج الثقافية. وبذلك تضيع الجهود سدى، في الوقت الذي تتسيد البرامج الغنائية والرياضية في أوقات الذروة وتنجح في جذب جمهور أكبر. نحن مازلنا بانتظار قناة ثقافية عربية تخرجنا من النمطية والتكرار والصور التقليدية للبث الثقافي، خصوصاً أن التكنولوجيا تحفل ـ كل يوم ـ بالجديد والمثير المؤثر الذي يمكن أن نستغله في الفضائيات الثقافية. * أكاديمي وروائي قطري Hamsalkhafi57@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©