الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

فقه الواقع يحل إشكاليات العصر بلا تفريط في الدين

فقه الواقع يحل إشكاليات العصر بلا تفريط في الدين
6 نوفمبر 2014 23:25
حسام محمد (القاهرة) «فقه الواقع».. «فقه الأولويات».. «الفقه المعاصر».. مصطلحات تدعو إلى فهم القرآن والسنة وفق منظور العصر الحالي، بل ما هو أبعد من ذلك، لما فيه نفع للعباد وتيسير شؤونهم، وهي مصطلحات زاد استخدامها في الفترة الأخيرة بشكل كبير، خاصة بعد ظهور الكثير من التيارات المتشددة في تطبيق بعض الآراء الفقهية القديمة رغم عدم مناسبتها للواقع الذي تعيشه الأمة، وفي الوقت الذي ينادي فيه الكثيرون بتطوير الخطاب الديني أو تجديد الفقه وإنزال فقه الواقع على القضايا المستحدثة، فإن المسلم البسيط لا يعي كيف يتعامل مع تلك المصطلحات والآراء الدينية المطروحة على الساحة. وقائع الحياة يقول الدكتور محمد المختار المهدي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: إن هناك محاولات حثيثة يبذلها البعض لتغييب العرب والمسلمين عن دينهم، فمن المعروف أن النصوص التي يرجع إليها الفقهاء محدودة، ولكن وقائع الحياة ومستجدات كل عصر لا تنتهي‏، ومن أجل ذلك، فإن إنزال النصوص على وقائع الحياة يتطلب عقلاً راجحاً وأفقاً واسعاً وفقهاً واعياً‏، وقد أدرك علماء الأمة ذلك جيداً منذ الصدر الأول للإسلام‏، ‏وأعملوا عقولهم في فهم النصوص‏، ‏وفي إنزالها على وقائع الحياة‏، والتمكن من هذين الجانبين يعد أمراً ضرورياً للتوصل إلى رأي فقهي سديد»‏.‏ ويضيف أن الدعوة لتطبيق فقه الواقع تأتي من حقيقة أن الاجتهاد في الإسلام مبدأ مستمر ومتجدد على مر العصور، وليس خاصاً بفترة زمنية معينة،‏‏ والفقهاء في كل العصور مطالبون بالاجتهاد دون توقف‏، وإذا كانت الشريعة قد فتحت لنا باب الاجتهاد على مصراعيه، فليس من حق أحد أن يغلق هذا الباب‏،‏‏ لأن ذلك يعني ترك الأمور لتقليد‏ الأسلاف فيما توصلوا إليه من فهم كان ملائماً لعصورهم وملبياً لحاجاتهم‏‏، ‏فالتجديد سنة الحياة وقانون الوجود‏، وقد أراد الإسلام لنا أن نمارس الاجتهاد لنواكب متغيرات كل عصر‏. الاجتهاد والتقليد ويضيف أن الإمام الشافعي عندما جاء إلى مصر واستقر فيها، بدأ يعيد النظر في الآراء والفتاوى التي قال بها حينما كان في بغداد‏، لأن الفتوى يجب أن تراعي أعراف كل بلد، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن القيم في كتابة أعلام الموقعين:‏ «من أفتى الناس بمجرد النقل من الكتب على اختلاف أعرافهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم، فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين‏»، ونحن تركنا الاجتهاد ولجأنا للتقليد في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الاجتهاد .‏ الظروف المحيطة ويؤكد الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة، أن فقه الواقع يعني النزوع إلى واقع الناس للتعرف إلى مشكلاتهم والبحث عن الأحكام التي تعالجها، ومعرفة ما يمكن تطبيقه من هذه الأحكام، وهذا هو الفهم العميق لمشكلات الناس وتنزيل الحكم الشرعي عليها، ولو أن المجتمع الإسلامي سار في المنهج النبوي الذي ربط حيوية الدين بالتجديد لما احتجنا إلى فتوى وفقه واقع، غير أن ما صارت إليه المجتمعات الإسلامية من ضعف بسبب توقف الاجتهاد منذ القرن الخامس الهجري، وبسبب الغزوات الاستعمارية، واكتساح الحضارة الغربية بأنماطها وسلوكياتها للمجتمع الإسلامي، أدى إلى تسلط ثقافات غير إسلامية على المجتمع، ثم أثرت في سلوكه وعلاقته الاجتماعية بحيث استقرت هذه الأنماط وأصبحت جزءاً من حياته، وتسببت في شعوره بصراع دائم بين ثقافة تجري في دمه وثقافة أخرى تحكمه في تصرفاته، هنا فعلاً نحتاج إلى فقه يأخذ في اعتباره هذه التناقضات، ويتحرى مجالات التغيير والتطبيق وأولوياتها حسب التطور الاجتماعي الذي يعيشه الناس. الثوابت والمتغيراتويضيف أنه قد ترتب على آفة الخلط بين ما هو ثابت ومتغير في الدين آفة أخرى هي الخلط بين ما يعد تشريعاً عاماً وما لا يعد كذلك، وقد فصّل الفقهاء هذه المسألة بما لا يقبل المزيد، وبينوا أنها كانت من أسباب الاختلاف المشروع بين الأمة. ضوابط التجديدوتقول الدكتورة آمنة نصير أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: «إن فقه الواقع وجد لمراعاة مقتضى الحال وفق الضوابط الشرعية، وقد راعى الصحابة رضوان الله عليهم مقتضى الحال في اجتهادهم، فقد أخذ معاذ بن جبل رضي الله عنه، الثياب من أهل المدينة بدلاً من زكاة الحبوب والثمار، ومن أروع الأمثلة في استقراء الواقع لمراعاة مقتضى الحال، ما قام به سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما جعل الجندية لا تزيد على 6 أشهر، وذلك عندما سمع امرأة تشكو غياب زوجها الذي طال في الجهاد، واجتهادات الصحابة هذه لم تكن اعتباطاً وإنما خضعت لقواعد وأصول الفقه والاجتهاد، ومنها: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولا ضرر ولا ضرار، وسد الذرائع. وترى أن الواقع يؤكد الحاجة الماسة لاستلهام فقه الأولويات كعنصر أساس من عناصر التجديد في الخطاب الديني، وفي هذا الإطار يجب أن يعلم الجميع أن الالتزام بفقه الواقع ليس من اختراع المعاصرين، ولا يشكل نوعاً من التفريط في أمور الدين الأساسية، ويجب أن تختفي من خطابنا الأمور الغريبة التي دخلت عليه، مثل الاهتمام بالشكل أكثر من الاهتمام بالمضمون‏، ‏ومن هذه الأمور ترى الخطيب على المنبر يعلو صوته متحدثاً عن الملابس، زاعماً على سبيل المثال أن ارتداء الملابس العصرية حرام، والحديث في هذه الموضوعات التافهة، جزء من الأمور التي أدت إلى اتهام المسلمين بالإرهاب والتطرف، ‏بل إن الانشغال بتوافه الأمور هو أحد الأسباب التي أدت إلى تخلف الأمة وتبعيتها لغيرها سياسياً واقتصادياً، و‏من هنا تبرز الحاجة إلى وجود استراتيجية إسلامية شاملة لتحديد أسس فقه الواقع تحاول التطرق نحو تطوير الخطاب الديني حتى يصل بالمجتمع إلى الاعتدال المطلوب‏، والنهوض والتقدم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©