السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

د· عبدالعزيز كامل: الشورى عند حسن البنا غير ملزمة للحاكم

17 فبراير 2007 00:54
عرض - حلمي النمنم: مذكرات د· عبدالعزيز كامل وزير الأوقاف المصري الأسبق تضيف الكثير إلى ما يعرفه الناس، خاصة بشأن جماعة الإخوان المسلمين في فترة حرجة من تاريخها، حيث كان عضواً بها، وهي الفترة التي امتدت من اغتيال المستشار الخازندار وحتى حادث المنشية في عام ،1954 فالرجل كان قريباً من المرشد المؤسس حسن البنا، وكان زميلاً لعبد الرحمن السندي قائد التنظيم الخاص في ''الإخوان'' والذي نفذ عمليات العنف والاغتيالات· بدأ عبدالعزيز كامل حياته في الإسكندرية وكان يتبع أحد المتصوفة هناك، ثم التحق بجماعة الإخوان المسلمين، وشهد ليلة البيعة عام 1942 ، حيث أدخل إلى غرفة مظلمة، وكان عليه أن يقسم يمين السمع والطاعة والكتمان وأمامه المصحف والمسدس، وعرف هو صوت من يأخذ البيعة، وكان صالح عشماوي، وأبدى اعتراضه على هذا الأسلوب، ويقول: ''نستطيع القول: إن هذا الأسلوب كان أقرب إلى النظام الماسوني، أو الجماعات السرية التي أفرزتها عهود التآمر، وإذا كانت الأوامر تتعلق بعمليات عنف وقتل فمن الخطر أن تقوم على السمع والطاعة والكتمان، لأن هذا يعني أنه لن تتم مناقشة للأوامر ولا دوافع العمليات وأسباب القتل، وفي ذلك الظرف جاءت عملية اغتيال المستشار أحمد الخازندار ''بك'' يوم 22 مارس ،1948 وتم القبض على الشابين اللذين أطلقا عليه الرصاص وهما محمود زينهم وحسن عبدالحافظ، أما سبب القتل فإنه كان قد حاكم شابين من ''الإخوان'' اتهما بأعمال عنف، ودانهما، وكان الشابان قد قتلا جنوداً انجليز في الإسكندرية، ورأى ''الإخوان'' أن ما قاموا به عمل وطني وان القاضي يستحق الموت، وأحدثت العملية دوياً هائلاً ودعا حسن البنا إلى اجتماع عاجل· ويقول د· عبدالعزيز كامل: ''مازلت أذكر الأستاذ البنا وجلسته وتوتره البادي في حركة عينيه، وإلى جواره قادة التنظيم الخاص، ومنهم عبدالرحمن السندي رئيس التنظيم، وكان لا يقل توتراً عن الأستاذ وكان الاجتماع مخصصاً لمناقشة عملية الاغتيال، وأراد البنا أن يبرىء نفسه من هذه العملية، وقال: إن كل ما صدر منه تعليقاً على أحكام الخازندار في قضايا الإخوان (لو ربنا يخلصنا منه) أو لو نخلص منه، أو لو واحد يخلصنا منه، معنى لا يخرج عن الأمنية، ولا يصل إلى الأمر، فالأمر موجه إلى شخص محدد، وهو لم يصدر أمراً ولم يكلف أحداً بتنفيذ ذلك، ففهم عبدالرحمن هذه الأمنية أمراً واتخذ إجراءاته التنفيذية وفوجيء الأستاذ بالتنفيذ''· رغبة البنا أمر أدار عبدالعزيز كامل حواراً مع البنا ومع السندي، ومن خلاله نفي البنا أنه أمر بقتل الخازندار، وأنه أمام الله لا يتحمل دم الخازندار، ولكن السندي أصر على أنه تلقى الأمر من الأستاذ البنا، وأنه لذلك لا يتحمل دم القتيل أمام الله· وقال السندي: ''عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص فرغبته في الخلاص أمر''· ويعقب على هذه الجلسة بأنها كانت المرة الأولى التي يجلس فيها عبدالرحمن مجلساً للمحاسبة والمؤاخذة أمام الأستاذ وقيادات التنظيم الخاص، بل لعلها المرة الأولى التي جلس فيها الأستاذ أيضاً مجلس المواجهة الصريحة أمام نفسه وأمام قادة التنظيم إلى الدرجة التي يقول فيها لعبدالرحمن: ''أنا لم أقل لك ولا أتحمل المسؤولية''· وعبدالرحمن يرد: ''لا أنت قلت لي وتتحمل المسؤولية''· وتم الاتفاق في هذه الجلسة على ألا يترك النظام الخاص للسندي وحده، وبعد ما سمع من البنا وصفه لعمل الإخوان بأنه ''نظام دكاكين''، وأنه يتمنى لو توافر له مائة شاب يربيهم تربية صالحة ويعملون للإصلاح وللدعوة· ويكشف د· عبدالعزيز كيف تحول ''الإخوان'' إلى الاغتيال وقتل الخصم، على النحو التالي: فالأستاذ البنا كان من رأيه أن الشورى غير ملزمة للإمام ''كتب هذا صراحة، ودافع عنه، ولم يتحول عن هذا الرأي وانتقل هذا منه إلى من حوله''· ويضيف: ''كنت أسمع كثيراً كلمة بالأمر وهي كلمة عسكرية، تعني أن تفعل هذا كما هو مأموراً به من مستوى أعلى، ولم أكن أستطيع أخفاء الضيق من ذلك''· وقال: إن طريقة التجنيد في التنظيم الخاص تقوم على السمع والطاعة والكتمان، وإذا كانت التوجيهات والأوامر في الكتمان، فمع من يتحاور الأخ؟ وإذا ما قال له رئيسه المباشر إن هذه الأوامر جاءت من قيادة ''الإخوان''، فينبغي أن يكون هذا محل تسليم·· وهنا نقطة الخطورة التي أصابت جسم ''الإخوان'' بأخطر الإصابات· ويرى أن هذه الطريقة هي التي أخرجت التنظيم أو النظام الخاص عملياً عن سيطرة المرشد، وعن طريقة التجنيد في النظام الخاص يقول: ''نستطيع القول إن هذا الأسلوب كان أقرب إلى النظام الماسوني أو الجماعات السرية التي أفرزتها عهود التآمر''· ولم يحدث أي تغيير يذكر في طبيعة النظام الخاص، فبعد اغتيال الخازندار جاء اغتيال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر ووزير داخليتها في ذلك الوقت، وهي أخطر عملية اغتيال وقعت في مصر قبل ،1952 وبعدها أصدر حسن البنا بيانه الشهير ''ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين''· وهو بيان أثار بلبلة في الجماعة، يصفه صاحب المذكرات بأنه ''دفاع أهون منه الإدانة''· ويلتقط صاحب المذكرات بذكاء شديد عنصراً آخر أثار مشكلات للجماعة وهو أنهم اتصلوا -آنذاك- بفكر ''أبي الأعلى المودودي ''ويحتاج هذا الفكر إلى ''وقفة متأنية لبيان خطوط اللقاء وخطوط الافتراق بينه وبين فكر الإخوان''، وقد حدث حوار بهذا المعنى في سجن مصر وفي معتقل الهايكستب عامي 1949و·1950 نقطة أخرى يتوقف عندها، وهي شخصية حسن البنا المؤثرة على ''الإخوان'' ويقول: ''لا أنسى أصواتاً ارتفعت يوماً قبل الاعتقال في الهيئة التأسيسية صارخة المرشد لا يخطئ، وكأننا أصبحنا نؤمن بعصمة الأمام في الإخوان'' وقد ازدادت هذه الحالة بعد أن جرى اعتقال ''الإخوان'' وتم اغتيال المرشد رداً على اغتيال النقراشي ''كان هناك اتجاه محافظ يرمي إلى المحافظة على ما في (الإخوان)، كأنه تراث مقدس لا يمس· وكان دم الأستاذ البنا وكفاحه الطويل وما له من مكانة في قلوب (الإخوان) حائلاً دون القدرة على النقد والتقييم''· بعد الخروج من المعتقل تمت الاستعانة باثنين من الكتاب لتثقيف أعضاء الجماعة وهما الشيخ محمود شاكر المحقق المعروف والكاتب سيد قطب، ولم تنجح تجربة الشيخ شاكر معهم· ويقول صاحب المذكرات: الشيخ شاكر ''وجد في أكثرهم ضحالة فوجئ بها وتعصباً لا يستند إلى دليل، وسرعة إلى النتائج دون تثبت، ودافعوا أمامه عن (الإخوان) فيما نسب إليهم من حوادث، النسف أو القتل، واعتبروا الضحايا معتدين على الإسلام يستحقون القتل''· تطورت الأحداث وقامت ثورة يوليو 1952 في مصر، وكان صاحب المذكرات في السودان يجمع مادته العلمية لرسالة الدكتوراة في الجغرافيا، وسافر أيضاً إلى باكستان، وفي خريف 1953 وقع أمر لم يشر إليه أحد من قبله، فقد كانت العلاقات تتجه إلى السوء بين الحكم الجديد في مصر وجماعة الإخوان، وزار مصر أحد معاوني أبي الأعلى المودودي وهو ''مولانا ظفر أحمد الأنصاري'' وكان عبدالعزيز كامل قد تعرف إليه في باكستان، وطلب الضيف الباكستاني لقاءه، فالتقاه ''وكان مولانا ظفر شديد القلق من توتر الأوضاع بين (الإخوان) والثورة وجاء يحمل رسالة من الأستاذ المودودي إلى الأستاذ الهضيبي''· رتب صاحب المذكرات الزيارة واصطحب ''مولانا ظفر'' إلى بيت المرشد العام المستشار حسن الهضيبي ويقول: ''كانت الجماعة الإسلامية التي أسسها المودودي في محنة مع حكومة باكستان، وعلم الإخوة هناك بما نحن مقبلون عليه، وكانت رسالة مولانا ظفر نقلاً عن المودودي دعوة للإخوان بألا يصطدموا مع الحكومة، فنحن الآن أي الجماعة الإسلامية - في هذا الموقف، وليس من المنطق ولا من مصلحة الإسلام أن تخوضوا التجربة نفسها، ابتعدوا الآن عن هذه المشكلات، ولتكن صلتكم بالحكومة طيبة، وحاولوا جهدكم أن تدافعوا عنا في موقفنا الذي نحن فيه، وإن كنا في عافية وأنتم مقبلون على تجربة لأمكن النظر في ذلك، ولكن إذا كنا نحن الآن كما ترون، وغداً تصيرون مثلنا، فمن الذي يرفع الصوت مدافعاً عمّا يصيبنا؟''· ويضيف: ''مازلت أذكر هذا الموقف في بيت الأستاذ المرشد ومولانا ظفر أحمد الأنصاري يتحدث إليه بصوته العميق وبإخلاص، ويقدم خلاصة تجاربهم، ولكن سرعان ما ضاع الصوت المخلص وسط ضجيج الأحداث''· لم يتم استيعاب الرسالة، وتطورت الأحداث وجرت واقعة المنشية في أكتوبر عام ،1954 حين جرت محاولة اغتيال الرئيس عبدالناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية وفشلت المحاولة وجرى اعتقال ''الإخوان'' من جديد، وكان عبدالعزيز كامل بين المعتقلين ويذكر تفاصيل ما جرى من تعذيب مارسه حمزة البسيوني ومعاونوه، وعمليات التعذيب تلك تحدث عنها من قبل عدد من الذين مروا بها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©