الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النشر.. بلمسة أنثوية

النشر.. بلمسة أنثوية
6 نوفمبر 2014 15:23
يشهد سوق النشر الإماراتي في الآونة الأخيرة، تزاحماً غير مسبوق على إصدار العناوين الجديدة في مختلف الحقول، من بينها الأدب بأجناسه الشعرية والقصصية والروائية. وتميزت هذه الحواضن الإبداعية في السنوات الخمس الماضية بحضور نسائي لافت، يثير الانتباه والإعجاب في الوقت عينه، حيث وصل عدد الناشرات إلى ست عشرة ناشرة، من أصل مائة دار نشر مسجلة رسمياً في «جمعية الناشرين الإماراتيين» بترخيص حكومي حسب رئيس الجمعية الناشر جمال الشحي. محمد وردي ما هو السر في الإقبال الأنثوي على مهنة صناعة الكتاب؟. هل لدى المرأة رؤية خاصة في إدارة الحواضن الإبداعية، أم أنها مجرد إثبات للذات الأنثوية في ميدان ظل حكراً على الرجل لسنوات طويلة؟ هل هو تعبير صادق عن الإبداع النسوي، الذي يتصدر المشهد الإماراتي في السنوات الأخيرة، أم أنه مجرد حلبة أخرى لمنافسة الرجل على الوجاهة الاجتماعية؟ هل هو اقتحام نسوي لمستَعّمَرَةِ الرقيب – الاجتماعي والرسمي- على طريق إزاحته كلياً، أم أنها نافلة عادية من نوافل الحراك الثقافي العام؟ هل هو تشجيع للكتاب والكاتبات على الإبداع الأدبي، أم أنها تشجيع لجيل الشباب على القراءة والكتابة معاً؟ هل هي استجابة لواقع السوق الناهض في إطار صناعة الكتاب؟ أم أنها انسجام وتناغم إيجابي مع ما يمكن أن نسميه «الطفرة الثقافية» التي يشهدها المجتمع الإماراتي خلال العقد الأخير على وجه الخصوص؟ هل هي عملية تجارية مربحة أم خاسرة؟ كلها أسئلة تحتاج إلى التدقيق والتمحيص، ولا يوجد من هو أجدر من أصحاب التجربة وصاحباتها للإجابة عليها. الحضور الأنثوي الأمر المؤكد أن الإجابة على هذه التساؤلات تحتاج إلى قدر عال من الدقة والموضوعية، وقدر أكبر من الشجاعة والصراحة، وربما الإقدام والجرأة. لأنها كلها مقاربات تحاول أن تتلمس دور المرأة في مجتمع ظل لسنوات طويلة متقادمة في التاريخ، يضع حضور المرأة في المحافل العامة في خانة «العيب» و»العورة» و «المنقصة الاجتماعية»، فضلاً عن حرمانها من أي دور ثقافي فاعل على كل المستويات الاجتماعية، خارج نطاق «التفقيس» والخدمة وتربية الأولاد والسهر على صحتهم وراحة الزوج التي تتقدم على جميع مهامها. فكيف حصل التحول لتنتقل المرأة بيُسر وسهولة وسلاسة غير عادية إلى ممارسة دور ثقافي بامتياز، بل ربما من أهم الأدوار الثقافية، كون دور النشر هي بالفعل أولى المداميك التي تؤسس عمارة الوعي الجديد، باعتبارها تعمم الأفكار المستنيرة، القادرة على نسف منظومة الأنساق الذهنية القديمة، الحاكمة في الوعي الثقافي المجتمعي، واستبدالها بأخرى جديدة تنتمي إلى الحداثة بكل شروطها العصرية. «الاتحاد» الثقافي طرح هذه الأسئلة على بعض الناشرات الإماراتيات فجاءة الإجابات كالتالي: صعوبة التقييم تقول الناشرة الدكتورة مريم الشناصي (الرئيس التنفيذي في دار «الياسمين» للنشر والتوزيع) إنها قد لا تستطيع تشخيص حال النشر الحالية في الدولة، وخاصة لجهة ظهور وجوه نسائية عدة في هذا الميدان خلال السنوات القليلة الماضية، ولكنها تعتقد من خلال تجربتها الشخصية في تأسيس دار «الياسمين» أن سوق نشر الكتاب الأدبي في دولة الإمارات واعدة، ذلك لأن كميات الكتب المستوردة من العالم العربي ما زالت كبيرة مقارنة بالكتب المنتجة في الدولة. وتوضح الدكتورة الشناصي أن قطاع النشر يتميز بأبعاد ثقافية كبيرة قد يجيدها المثقف ويطمح لها القارئ العربي، ولكن يبقى الجانب التجاري والربحي هو المحك الأساسي، أو هو المعيار بالاستمرارية، علماً أن لكل ناشر أسلوبه الخاص في إدارة أمواله واستعادة رأس المال وتحقيق الأرباح، التي تكون أحيانا سريعة وفي أحيان أخرى قد لا تؤتي أُكُلها. ملاحظة أن الكثيرين ممن أقبلوا على النشر كانوا يظنون أن المسألة سهلة، ولكنهم فوجئوا بأن الأمر ليس كذلك، ولكن صار التراجع أكثر صعوبة عليهم. وتؤكد الدكتورة الشناصي أن دار الياسمين للنشر والتوزيع بدأت خطوتها الأولى في نوفمبر 2013، وأصدرت منذ ذلك الحين ثلاثين عنواناً باللغة العربية، تتوزع على جميع مجالات الاقتصاد والأدب والسياسة والاجتماع والعلوم والصحة، ماعدا كتب الأطفال، لما لهذا المجال من خصوصية تحترمها الدار وتقدر حجم المسؤولية فيها حيال الناشئة. مشددة على أنها منحت نفسها فرصة من الزمن حتى تقرر مدى نجاح الدار وإمكانية الاستمرار فيها، وسوف يتم تقييم أداء الدار خلال هذه المهلة. أما بخصوص كون الناشر امرأة أو رجل، فتقول الشناصي أنها لا تلتفت إلى هذه التصنيفات، لأن المعيار الأول والأخير هو النجاح، وأن المجال مفتوح أمام الجنسين. ومع ذلك تظل الأرقام تشير إلى أن نسبة الذكور في إدارة قطاع النشر ما زالت هي الأعلى. مؤكدة أنه في السنة الماضية لوحظ انخراط عدد من السيدات في مجال النشر، من فئة المثقفات ولسن من سيدات الأعمال، وهو مجال بحاجة إلى فكر المثقف وفكر التاجر في آن واحد. واعتبرت الشناصي أن زيادة دور النشر الإماراتية سيساعد حركة الإبداع الإماراتي والعربي عموماً خلال الفترة المقبلة. التنافس الصعب من جهتها تقول الناشرة فاطمة التميمي صاحبة دار «أوراق» للنشر والتوزيع إن الساحة الإماراتية تشهد طفرة كبيرة في مجال سوق النشر، بسبب الانفتاح على العالم الخارجي بثقافاته المتنوعة. ما جعل المناخ مناسباً للإبداع والتنوع والابتكار. ولم تكن المرأة في الإمارات أقل حظا من الرجل لجهة الانغماس في هذا الجو المفعم بالتنوع الثقافي، لذا نراها قد بذلت أقصى ما لديها من طاقة لإخراج ما بداخلها من إبداع في مجال التأليف والكتابة والنشر. مؤكدة أن المرأة الإماراتية تمتلك طاقة إبداعية خولتها للخوض في مجالات عدة، حتى تلك التي كانت لسنوات طويلة حكراً على الرجال، ما أهلها للمشاركة بنجاح في سوق النشر، خاصة مع تطور المجتمع وانفتاحه، أو تقبله لدورها في هذا المجال. معتبرة أن المرأة أثبتت وجودها في هذا المجال التنافسي الصعب، الذي لا يخلو من المشاكل والمنغصات، ولكنها على الرغم من ذلك حققت مكاسب مادية ومعنوية ملحوظة. وتضيف التميمي أن المرأة دخلت سوق النشر بقوة، وكلها عزم وإصرار على مواصلة المشوار: «وهي بالفعل أبدعت وأكدت لنفسها أولاً وللآخرين وللعالم أجمع بأنها قادرة على النجاح وإثبات نفسها في أصعب المهن، ولا يعوقها عائق إذا أرادت ذلك، معتمدة على الله أولا وعلى الأرضية الثابتة التي تقدمها لها الدولة ثانياً. ما جعل دور النشر التي تشرف عليها المرأة، تملأ المعارض المحلية والخارجية»، وتلفت إلى أن «العدد في تزايد مستمر، وأن الواقع يؤشر على وجود تنافس صحي بغض النظر عن المقارنات مع الدور التي يشرف عليها الرجل». إثبات الذات من جانبها تقول الناشرة عائشة سلطان، صاحبة دار «ورق» للنشر والتوزيع إن المسألة «لا ترتبط بالأكثر كفاءة فيما بين الرجل والمرأة، بقدر ما هي محاولة جادة من قبل المرأة المعاصرة للمشاركة في بناء المستقبل الإماراتي بالدرجة الأولى، بوصفها عضو فاعل لا يقل أهلية وكفاءة عن دور الرجل. وهذا لا يتعارض مع كون إقبال المرأة على ميدان النشر هو أيضاً يأتي كمحاولة في هذا السياق لإثبات الذات الأنثوية في ساحة صال وجال فيها الرجل طويلاً. ولكن من دون شك تأتي مشاركتها في هذا الميدان مدفوعة بهاجس إبداعي خلاق. ويتجلى مشروعها من خلال الكتب والعناوين التي تتولى إصدارها، كقيمة إبداعية رفيعة ترفد الساحة الإماراتية بإضافات ثقافية نوعية وليست كمية. ما يعني أن المسألة تتجاوز موضوع المنافسة مع الرجل على ما تسميه الوجاهة الاجتماعية». وتتابع: «أما بخصوص ما تسميه «الاقتحامات» و»مستعمرات الرقيب»، و»نوافل الحراك الثقافي» وغيرها من التعابير. فالمسألة أكثر بساطة مما يطفو على السطح، ذلك لأن حقوق وقوانين النشر حاكمة بالنسبة للرجل كما هي للمرأة. ولكنها فرصة السوق الواعدة في الإمارات، التي تعتبر أهم الشروط المحفزة على الاستثمار في حقل نشر الكتاب الورقي». محمودة بكل المقاييس من جهته، يؤكد يؤكد جمال الشحي أن سوق النشر في الإمارات تقترب حالياً من مليار درهم سنوياً، ثلاثين بالمائة منها تذهب على المطبوعات العربية، بينما يذهب الباقي إلى المنشورات الانجليزية. ومع ذلك لا تزيد نسبة الإصدارات الأدبية في المطبوعات العربية عن الثلث، حسب دراسة موثقة أعدتها الجمعية. ما يعني أن سوق النشر في الإمارات واعدة، وتحتمل المزيد من المستثمرين في هذا القطاع الناهض بقوة. ويلاحظ الشحي أن مساهمة المرأة في قطاع النشر هي محمودة بكل المقاييس ومرغوب بها على كل المستويات، سواء أكانت مشاركتها انطلاقاً من هم ثقافي إبداعي، أم أنها تأتي في إطار استثماري بحت. وهذا لا يبتعد كثيراً عن ما تمثله المرأة من حضور فاعل في الواقع الراهن: «لأنني أعتقد أن المرأة الإماراتية -على الأقل في بعض النماذج- تجاوزت المظاهر الشكلية الفارغة، وراحت تنشغل بما يمكث في الأرض ويزهر براعم تتضوع عبقاً ذكياً يليق بحضورها ودورها الإنساني على كل المستويات».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©