الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مكتبة جورج جرداق.. قيمة ثقافية وتاريخية وكنز معرفي أثري

مكتبة جورج جرداق.. قيمة ثقافية وتاريخية وكنز معرفي أثري
21 أكتوبر 2013 20:42
عماد ملاح (بيروت) - ممنوع لمسها باليد... هذه الكتب يُنظر إليها من مسافة عشرة أمتار فقط.. هذا الأمر الصارم صادر عن الأديب والناقد جورج جرداق حول مكتبته التي يقترب عددها من ثلاثين ألف كتاب، ويبلغ عمر بعض الكتب أكثر من خمسمئة عام. وكمثال فإنها تضم كتاب سليمان القانوني الخاص والذي كُتب بخط يد مذهب وهو أقرب إلى التحفة الفنية، وغيره يكاد لا يقل أهمية عن ذلك. كتبي.. هي أولادي كتب جرداق كأولاده حسب الوصف الذي يطلقه عليها، لكن أن تمسك كتاباً فهذا ممنوع منعاً باتاً ومن المحرمات، نظراً للقيمة الثقافية والفنية والتاريخية لمجموعات هذه المكتبة. حيث يتحدث الأديب جرداق عن أقسام مكتبته وأنواع الكتب فيها، فيقول إنها من نوعين: الكتب التي أحتاج إليها في عملي ومهنتي ولابد لي من مطالعتها وهذا ما مكنني من قراءة أكثر من كتابين في الأسبوع، وأهم الموضوعات التي يحتويها هذا القسم هي كتب التاريخ وكتب الآداب العربية والعالمية، وعددها في هذا القسم يتجاوز عشرين ألفاً. وهناك أيضاً الكتب الأثرية وتتراوح بين مخطوطة ومطبوعة، فبالنسبة إلى المخطوطات فهي لا تتجاوز المئة ومعظمها بالعربية والسريانية والفرنسية والتركية، والكرشونية وهذه عبارة عن لغة عربية مكتوبة بالحرف السرياني. وأهم المطبوعات بالعربية هي مخطوطة «شرح أنوار التنزيل وأسرار التأويل». وهي ضخمة مكتوبة بماء الذهب وبالزعفران وبالحبر القديم. وبأجمل خط عرفته مخطوطة عربية، وباللونين الأحمر والأسود المخالطين بماء الذهب. والصفحة الأولى منها آية فريدة من آيات الرسم باليد والزخرفة الشرقية الدقيقة والأنيقة المصورة بالألوان الكثيرة، ولم تقع العين على مثل هذه الرسمة اليدوية الرائعة في كل اللوحات الفنية التي صنعتها يد الإنسان في ماضي الشرق. أجمل وأرق خطوط وعن المكنونات الإضافية في المخطوطات يشير جرداق إلى أن هناك تعليقات وتفاصيل تشرح المعاني، وُضبت بأجمل وأرق خط تقع عليه العين، وأجود نظام ابتدعه فنانو الخط على مدى التاريخ، حيث تستقيم السطور في الهوامش والزوايا، ثم تتعاكس بجميع الاتجاهات أفقياً وعمودياً، مع استدارة ونصف استدارة وتتجه من اليمين إلى الشمال وبالعكس، ومن فوق إلى أسفل وبالعكس. وتؤلف دوائر وأنصافا وتكبّر وتصغّر مع تنوع في الأشكال وأسماء الصور كلها أرقام، والآيات مخطوطة بالأبيض على «أفاريز» من الذهب والصفحات كلها مطلية أيضاً بالذهب، والتجليد آية من آيات الفن الزخرفي والحفر والأناقة في الداخل والخارج. مخطوطات الملوك يصف جرداق في حديثه، قائلاً إن هناك مخطوطة إسلامية تعد تحفة فنية وأثرية، أخرجت إخراجاً يليق بملك من ملوك الأرض في زمانه، وهذا هو الواقع إذ إن صاحبها أعدّها على هذه الصورة وأهداها إلى السلطان العثماني سليمان القانوني. وهذه المخطوطة، التحفة كانت في حوزة أعظم سلاطين بني عثمان والسطور القليلة التي خطّها فؤاد افرام البستاني صاحب «دائرة المعارف العربية»، بعد أن فحص وجال في المخطوطة، فقال فيها إنها تتألف من سبعمئة صفحة مكتوبة بأجمل خط عرفته مخطوطة عربية أثرية. ويضيف أن المخطوطة الثمينة بغزارة مادتها وجلال موضوعها وجمال خطوطها وألوانها ورسومها وزخارفها ومذهباتها وهوامشها وروعة إخراجها بما تحمله من ذكريات غالية. إذ كانت ملكاً لأعظم سلاطين الزمان، جديرة بأن تحتل المركز المرموق في المتاحف العامة التي تتباهى بها الدول أو في المتاحف الخاصة التي يتنافس بها الملوك والسلاطين. خمسة آلاف مخطوطة يعدد جرداق المخطوطات الموجودة في مكتبته والتي تبلغ خمسة آلاف، مبوبة على الشكل التالي: مطبوعات عربية وسريانية وتركية وفارسية بالحرف العربي ولاتينية وإغريقية، إضافة إلى موضوعات أخرى بالفرنسية والإيطالية والإنجليزية والألمانية. ويتحدث جرداق عن أوائل الكتب العربية التي طُبعت في البلدان العربية بعد دخول المطبعة إليها، ومنها الكتب التي طُبعت في مطبعة «دير قزحيا» وهي الأولى في بلد عربي وكانت سنة ألف وستمئة وعشر. وثاني مطبعة للشماس عبدالله الزاخر وكانت في بيروت وبغداد والاسكندرية والقدس وحلب والجزائر. الكتب النادرة هذه والقيّمة بتراثها وتاريخها وكيفية الحصول عليها والاحتفاظ بها، يقول عنها بأن نصفها من مخزونات البيت القديم، وهي من أيام آبائي وأجدادي، ونصفها الثاني جمعته بعد أن طفت من أجلها كل العواصم. لا لاستعارة الكتب وحول استعارة بعض الكتب للأصدقاء وغيرهم، يجيب جرداق: كما قلت في بداية الحديث، هذه الكتب ممنوع لمسها باليد، بل يُنظر إليها من مسافة عشرة أمتار فقط. والذي يريد أن يقرأ كتاباً ويستفيد منه يستطيع أن يعثر منه على طبعة حديثة. أما هذه الطبعات القديمة فليست الآن للقراءة لأنها «أثريات» تنحصر قيمتها الأساسية بتاريخ طبعها، ولا يجوز أن تتداولها الأيدي خوفاً عليها من الضياع أو التمزق. ولا ننسى أن الكتاب مصنوع من الورق لا من الحديد فإذا شاء أحدهم أن يقرأ كتاب «القانون» لابن سينا، يمكنه أن يمضي إلى إحدى المكتبات ويأخذه منها ويقرأه. أما أن يأخذ هذا الكتاب بطبعته الأولى الأصلية التي لم يبق لها أثر على وجه الأرض لكي يقرأه، فهذا نوع من الدلع و»البطر» وعدم الإحساس بقيمة الزمان وبالقيمة المعنوية التي امتاز بها أولئك الذين حافظوا على كتاب طُبع منذ خمسمئة سنة، ونقلوه من قرن إلى قرن ومن جيل إلى جيل حتى وصل إلينا بكامل سلامته. وكما يمكن للمرء أن يتعامل مع كتاب «القانون» هذا، يمكن أن يتعامل مع «الكوميديا الإلهية» لدانتي، أو ديوان المتنبي، أو جمهورية أفلاطون أو عنترة لمارتين أو أي كتاب آخر. وفي الختام، يبتسم جرداق عندما يتحدث عن «حرامية الكتب»، ويتمنى لو أن الدولة تقوم بهذا المجال لتغيرت أشياء كثيرة، على اعتبار أن «حرامي الكتب» هو الأقرب إلى الإحساس بالقيم الحقيقية والمعاني الكريمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©