الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التطرف.. حرب « الآمال»!

26 يناير 2015 22:58
يكمن جوهر استراتيجية الأمن القومي في عزل واستثمار «مركز الثقل» الحساس بالنسبة للعدو. وحدد «كارل فون كلاوزفيتز»، المؤرخ العسكري البروسي الذي عاش في القرن التاسع عشر ويعتبر أبو النظرية العسكرية الحديثة، «مركز الثقل» بأنه «مصدر القوة الذي يمنح قوة مادية وأخلاقية وحرية الحركة أو إرادة العمل». والدارج داخل البنتاجون وبين المفكرين الدفاعيين هو أن مركز الثقل الحساس لعدو اليوم هو أيديولوجية التطرف. وفي حديثه على قناة «فوكس نيوز» بعد هجوم «شارلي إيبدو» في باريس، أشار قائد هيئة الأركان المشتركة، مارتن ديمبسي، إلى أن زيادة قوة الإرهابيين يعزو بصورة أساسية إلى «الإلهام» الذي يأتي من الأيديولوجية المتطرفة. وبناء على ذلك، تعتبر استراتيجية إدارة أوباما، المكونة من تسع نقاط أساسية، لهزيمة «التطرف» في الحقيقة إجراءات غير عسكرية تهدف إلى التصدي لهذه الأيديولوجية، مثل قطع التمويلات عن الجماعات الإرهابية ونشر رسالة بديلة. ولكن كثرة الهجمات التي شهدناها حول العالم تشي بأن هذه الأيديولوجية لم تعد مركز الثقل الحساس، على افتراض أنها كانت كذلك. فلا يبدو أن هناك نقصاً في التفاني لقضية أيديولوجية. وبعد فضيحة «أبوغريب» و12 عاماً من الانتهاكات في سجن خليج جوانتنامو، فقدت الولايات المتحدة منذ وقت طويل قدرتها المؤثرة على خوض حرب أيديولوجية ضد التطرف. وعلى قادتنا السياسيين أن يميزوا بين الأيديولوجية ومركز الثقل الحساس الحقيقي لدى العدو ألا وهو: الأمل، ذلك أن الاختلافات دقيقة جداً. والأمل هو اعتقاد بأن الأيديولوجية ستنتشر وتسود. والأمل يحرك الدوافع. ولطالما ظل الأمل موجوداً، سيترجم الإرهابي اعتقاده إلى عمل. وإذا ذهب الأمل، حتى أشد الأعداء التزاماً أيديولوجياً سيصبح مستسلماً. وكما ينصح «كلوزفيتز»: «إذا ضرب مركز الثقل، سيخسر العدو إرادة التحرك». ويشير تاريخ الحرب إلى أن الأمل هو الوقود الذي يحفز الشباب والرجال من أجل تحويل الأيديولوجية إلى عمل. ويزيد الأمل مع إدراك النجاح العسكري. وزاد أمل القوات الكونفدرالية في إمكانية تحقيق نصر نهائي بعد هزيمة الاتحاد في معركة «بول ران» الأولى. وظهر أمل مماثل لا صحة له بين الشباب الألمان بعد سقوط باريس عام 1940، وكذلك داخل الجيش الأميركي بعد سقوط بغداد في 2003. والأمل يطيل أمد الحروب ويجعلها أكثر دموية من خلال النشوة التي تصاحب الاندفاع إلى تحقيق المجد. ويمنح الأمل الشباب اليقين والثقة. ويزودهم بحصانة أخلاقية وهو أيضاً الرابط الذي يجمع عقد الجنود في الحرب. فالجنود ـ وبالتبعية الإرهابيين ـ لن يقاتلوا ما لم يوجد أمل. ولعل حالة الفتور الإرهابي التي أعقبت مقتل أسامة بن لادن تشي بأن الإرهابيين يمكن أن يفقدوا الأمل بسبب وفاة أحد رموزهم. ولنفكر في الأمل على أنه مادة تتشكل في بوتقة بمرور الوقت من خلال سلسلة من الضربات الإرهابية الناجحة ضد الغرب والدول الصديقة للغرب في الشرق الأوسط. وطالما أن أعمال عنف ملأت تلك البوتقة، فلا يمكن إلا لرد عسكري عنيف مضاد أن يضيق الخناق ويفرغها من الأمل. والغرض من الحملة العسكرية ضد الأمل ليس بالضرورة قتل أعداد كبيرة ولكن هو اكتشاف أكبر نقاط الضعف وتحطيمها بقوة وحسم. وأكبر مصادر الأمل لدى الإرهابيين في الوقت الراهن، تنبع من نجاحات تنظيم «داعش» داخل ميدان المعركة في سوريا والعراق. ويقيناً ستؤدي هزيمته هناك إلى كسر البوتقة. والسؤال الآن هو كيفية فعل ذلك بسرعة ودراما تجعل الإرهابيين في أنحاء العالم يفقدون الأمل ويصبحون مستسلمين. ووفق جميع التصورات، يعتبر جيب تنظيم «داعش» في سوريا منيعاً عسكرياً، ولكن الوضع في العراق مختلف. وعليه، يجب أن تبدأ الحملة العسكرية ضد الأمل من بغداد، وتتجه شمالاً إلى نهري دجلة والفرات. وتكمن نقطة ضعف تنظيم «داعش» في قلاعها المنفصلة بين النهرين، وبفضل القصف الأميركي، لا يمكن لمقاتلي «داعش» التحرك بسهولة بين الجيبين. وبالتالي، فإن سلسلة من الهجمات البرية الصامدة ضد قلاع التنظيم في مدن، مثل تاجي وهيت وتلعفر وفي النهاية الموصل ستحدث زخماً كافياً لدفع قوى التنظيم نحو الحدود السورية. ولن تحقق هذه الهجمات النصر، بقدر ما ستمثل إذلالاً علنياً للتنظيم، وهو الترياق المطلوب للأمل. فهل يستطيع العراقيون فعل ذلك؟ وإذا كان كذلك، فهل يمكنهم شنّ هذه الهجمات قبل أن يعزز التنظيم قبضته على المدن القريبة من النهر؟ ثمة شيء وحيد مؤكد، هو أن الأمل الأخير والأفضل لتحقيق نتيجة حاسمة ضد أمل هؤلاء القتلة الإرهابيين يكمن في الجيش العراقي والأميركيين الذين يحاولون تحويله إلى قوة قتالية مؤثرة. روبرت سكيلز * * لواء أميركي متقاعد يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©