إعداد - عدنان عضيمة:
صحيح أن محرك البحث العملاق (جوجل) تمكن من اكتساح الشاشات الحاسوبية ووجد طريقه إلى البيوت والقصور واستأثر باهتمامات الشرائح المختلفة من المجتمعات في شتى انحاء العالم ، إلا أنه لا يمثل الحل السحري للحصول على المعلومات لكل البشر· ومن ذلك مثلاً أن الكوريين الجنوبيين غير مستعدين للاقتناع بأي اختراع أو ابتكار أجنبي حتى ولو كان ينطوي على القدرات الساحرة· واستناداً إلى هذا المبدأ الثابت الذي يتمسكون به، ابتدعوا لنفسهم (جوجلهم الخاص) وأطلقوا عليهم اسم (نافير) Naver وهو محرك بحث محلي في شبكة الويب تشرف على تشغيله شركة (إن إتش إن) NHN. وبالرغم من أن (جوجل) يتضمن خدمة خاصة باللغة الكورية من بين اللغات المائة التي يشغلها، إلا أن (نافير) يتميز من هذه الناحية بأنه كوري أصيل، ويسهم عشرات الألوف من أهل تلك البلاد المتعصبة على إثرائه بالمعلومات الخاصة التي لا يمكن للأجانب أن يقدموها بسبب افتقادهم لمعرفة اللغة الكورية·
ويروي سونج جونج محلل تقنية المعلومات في الفاينانشيال تايمز قصة امرأة كورية تبلغ 31 عاماً من عمرها راحت ذات مرة تداعب مفاتيح صفحات (نافير) بحثاً عن قرض بنكي مناسب لشراء بيت جديد بأقل معدل للفائدة· وتقول هذه المرأة: (لقد تعودت أن أسأل محرك البحث نافير عن أبسط وأعقد الأمور؛ وكان يقدم لي المعلومات المطلوبة بالسرعة القصوى، ولم يكن يخذلني أبداً)·
وبالطبع ليست هذه المرأة التي تدعى كيم جي وون، هي الوحيدة التي يستجيب (نافير) لضغطات أصابعها على الفأرة ولوحة المفاتيح، بل هي مجرد واحدة من ملايين الكوريين والناطقين بلغتهم من بقية الشعوب المجاورة لهم الذين ضربوا صفحاً عن استخدام (جوجل) و(ياهو) بعد أن وجدوا في ابن جلدتهم (نافير) كل ما يبحثون عنه· ويطرح هذا النجاح الذي حققه محرك البحث الكوري جملة من التساؤلات حول مستقبل محركات البحث ذات الصبغة العالمية والناطقة باللغات المتعددة مثل: هل يمكن إنشاء قاعدة بيانات حقيقية في لغة ما إن لم يكن محرك البحث الذي يتكفل بتشغيلها ناطقاً بتلك اللغة أصلاً؟· ولماذا لا يحتذي الناطقون باللغات المختلفة حذو الكوريين الجنوبيين ويعمدوا إلى تأسيس (الجوجل) الخاص بهم؟·
ولقد أثبتت الإحصائيات التي أنجزها الكوريون الجنوبيون أنه وبالرغم من الصيت الهائل الذي يستأثر به (جوجل) فإنه لا يحظى باهتمام معظم الناس· ويستأثر (نافير) بـ70 بالمئة من سوق محركات البحث في كوريا؛ وهذه النسبة آخذة بالتزايد بسرعة كبيرة مما يدل على أن محركات البحث الأجنبية لن تجد في المستقبل ما تأكله على موائد الكوريين· وأغلب الظن أن الصينيين سيحذون حذو الكوريين في المستقبل فيما يتعلق بمبادىء الاستفادة من محركات البحث·
والسؤال المهم الذي يطرح نفسه: ما سرّ النجاح الذي حققه نافير؟·
يقول تقرير الفاينانشيال تايمز أن ذلك يعود إلى أن نسبة كبيرة من مجمل الكتل المعرفية الهائلة التي ينطوي عليها (نافير) هي من تأليف ووضع الكوريين أنفسهم·
وابتدع الكوريون طريقة مبتكرة لإثراء قاعدة البيانات حيث عمدت شركة (إن إتش إن) إلى ابتداع منصّة رقمية خاصة يمكن لمستخدميها توجيه الأسئلة عن طريق محرك البحث (نافير) ليتولى الاختصاصيون الإجابة عنها ودمج المعلومات الجديدة في المحرك· وبهذه الطريقة أصبحت قاعدة البيانات الكورية تضم أكثر من 490 مليون مدخل معرفي ورأس عنوان· ويبدو بوضوح أن الكوريين مقتنعون تماماً بجدوى هذه الطريقة حيث قال شوي جايهيون مدير قسم محرك البحث نافير في شركة إن إتش إن: (نحن عازمون على إدراج كافة المعلومات والبيانات والخبرات الشخصية المتعلقة بطرق تصنيع الأشياء في شبكة الويب عن طريق توجيه الأسئلة واستقبال الإجابات الدقيقة عنها· وبهذه الطريقة يكون مستخدمو محرك البحث قد استفادوا منه وحققوا الفائدة لغيرهم من مستخدميه أيضاً)
عدد اليوم
