الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هجمات ايرلندا··· أذهلت جيل ما بعد الحرب

هجمات ايرلندا··· أذهلت جيل ما بعد الحرب
14 مارس 2009 00:51
تجمع العاملون في العاصمة بلفاست، إضافة إلى كل من ديري ونيوراي وأنتريم، في مواكب صامتة هنا يوم الأربعاء الماضي، للتعبير عن احتجاجهم على ثلاث جرائم قتل جرت مؤخراً، بعد مضي أحد عشر عاماً من الهدوء وتوقف أعمال العنف في بلادهم· وكان الهدف من ذلك الموكب الاحتجاجي الصامت أيضاً، التعبير عن عدم استعداد الآيرلنديين للتخلي عن سلام لم يكن الحصول عليه سهلاً ولا مجانياً· وكانت بلدتا أنتريم وكريجافون قد شهدتا مصرع اثنين من الجنود البريطانيين غير المسلحين وضابط شرطة على أيدي منشقين جمهوريين معارضين لعملية السلام، في هجمات متفرقة مؤخراً· ورغم المخاوف من أن تجدد هذه الهجمات جراح العنف الطائفي وتعصف بعملية السلام، إلا أن المجتمع الآيرلندي الشمالي يبدو متحداً في استنكاره وإدانته للعنف· ''وكان لا بد من التعبير الشعبي العلني عن الصدمة والخوف الناشئين من جرائم الاغتيال الوحشية هذه''، على حد قول ''بيتر بونتنج'' الأمين العام للمؤتمر الآيرلندي للاتحادات النقابية، وهو الجهة المنظمة لموكب الحداد والاحتجاج· ومضى إلى القول: ''في وسع كل من يتطلعون إلى مجتمع مسالم ومتصالح مع نفسه والآخرين، التعبير عن تضامنهم مع ضحايا جرائم العنف في مجتمعنا بأقوى أشكال الاحتجاج وأشدها كرامة: بناء حائط بشري من الصمت''· يذكر أن مجموعتي ''الجيش الجمهوري الآيرلندي الحقيقي'' و''الجيش الجمهوري الآيرلندي المستمر''، وكلتاهما مجموعتان منشقتان، أعلنتا مسؤوليتهما المشتركة عن تلك الهجمات· ويعرف عن الجيش الجمهوري الآيرلندي توقيعه على اتفاقيات السلام في عام ،1998 بعد قيادته الطويلة للانتفاضة الآيرلندية المسلحة· ومنذ ذلك التاريخ اتجه الجيش الجمهوري الآيرلندي إلى تحقيق أهدافه بالوسائل السياسية السلمية· وفي يوم الثلاثاء الماضي، وصف مارتن ماكجنيس -أحد قادة ''شن فين'' الجناح السياسي للجيش الجمهوري الآيرلندي- مدبري تلك الهجمات بأنهم خونة لوطنهم وأمتهم· وتعتبر بلدة ''أنتريم'' التي كانت مسرحاً للجرائم التي ارتكبت بحق الجنود الضحايا أثناء تسلمهم لطلبات البيتزا خارج مبنى ثكنات ''ماسرين''، بلدة هادئة لا يزيد عدد سكانها على 20 ألف نسمة، وتقع في شواطئ ''لونيف''· وحتى في فترة الاضطرابات التي عصفت بآيرلندا من قبل، لم تشهد تلك البلدة إلا القليل جداً من آثار العنف؛ ولذلك فهي لم تكن موقعاً محتملاً البتة لشن أي هجمات عنف كهذه· يذكر أن الجنود القتلى كانوا على وشك إرسالهم إلى أفغانستان، وعلى حد وصف ''توماس بيرنز''، النائب المحلي عن حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي، ''فقد عرفت هذه البلدة دائماً بهدوئها وعدم تطرفها السياسي· ورغم توقع السلطات الأمنية شن هجمات عنف مثل التي وقعت يوم السبت الماضي، فإن أحداً لم يتوقع أن تكون أنتريم مسرحاً لها''· وعلى امتداد الأيام الثلاثة اللاحقة للهجمات، انتظم مجيء أفواج من الأهالي والمواطنين الذين يضعون أكاليل الزهور في موقع إطلاق النار على الضحايا· ومن بين الزوار باعة زهور محليون يقومون بتوصيل الطلبات من أنحاء أخرى في آيرلندا الشمالية وإنجلترا إلى مسرح الجريمة· وقالت إحدى الزائرات لموقع الحادث: فقد جئت إلى هنا لتذكير نفسي بأن هؤلاء الجنود الشباب كانوا على وشك الذهاب في مهمة عسكرية إلى أفغانستان، إلا أن حياتهم قضت هنا في بلدة ''أنتريم'' الهادئة البعيدة عن النزاعات والحروب· وفي الوقت نفسه اتحد القادة السياسيون والاجتماعيون في كل من آيرلندا الشمالية وبريطانيا في شجبهم لهذه الجرائم المروعة· وإلى حملة الشجب هذه، انضم بابا الفاتيكان بنيديكت السادس عشر، خلال لقائه الأسبوعي المفتوح مع الجمهور، يوم الأربعاء الماضي· وبينما تزداد المخاوف من عمليات انتقام محتملة مما حدث، ربما يقوم بها موالون عسكريون، فإن الشعور بالحاجة إلى استجابة سلمية هنا في بلدة ''أنتريم'' يزداد في هذا الوقت بالذات· وهذا ما أكده ''إيدن جليسباي''، أحد سكان البلدة، بقوله: ''ليس في وسع أحد تخريب عملية السلام سوى المواطنين أنفسهم، بالطريقة التي يستجيبون بها لما حدث· وفيما لو اتحدت إرادتنا جميعاً نحن المواطنين ضد هؤلاء القتلة، فلن يتحقق لهم النصر مطلقاً''· وجاءت ردة فعل السكان سريعة وواضحة· ففي صباح اليوم التالي للهجمات مباشرة، تجمع مئات المسيحيين من الكنائس المحلية الأربع لتلاوة الصلوات في مكان الحادث الذي طوقته قوات الشرطة· وللمواطنين المحليين ردود أفعال ثلاثة، حسب قول الأب توني ديفلين، من كنيسة ''كومجال'' الكاثوليكية القريبة من ثكنات الجنود، حيث وقعت الجريمة· فقد عم بينهم السخط والاستياء من قتل الجنود وإصابة بعض المدنيين أولاً· ثم هناك تجديد الخوف والذعر من ماضي العنف في البلاد، ومدى احتمال إشعال نيرانه الشريرة مرة أخرى· وأخيراً هناك الغضب والاستياء من استهداف هذه البلدة الهادئة واختيارها مسرحاً للجريمة· وفيما لو حدث شيء مثل هذا في الماضي، لانزوى الجميع وحاول كل واحد الاحتماء بعائلته أو بمجتمعه الضيق المحيط به· أما اليوم، فتبدو الصفوف متحدة وعازمة على استنكار ما حدث، لأن ضحاياه ليسوا القتلى وحدهم، إنما هو هجوم علينا جميعاً وعلى السلام الصعب الذي حققناه، على حد تعبير ديفلين· وإلى جانب القتلى أصيب اثنان من الجنود وعمال مطعم البيتزا الذين كانوا يوصلون الطلبات، من بينهم مواطن بولندي، بين مئات البولنديين الذين اجتذبهم إلى آيرلندا انتعاش اقتصادها في أعقاب فترة الاضطرابات والنزاعات· واستطرد الأب ديفلين قائلاً: ثم إن هناك جيلاً شاباً حديثاً من الآيرلنديين لم يشهد النزاعات الدموية التي مرت بها بلادنا من قبل· وعندما سمع بعض شباب البلدة أصوات الطلقات ظنوا أن الأمر لم يكن سوى فرقعات ألعاب نارية· لكن الحقيقة هي أن تلك الهجمات كانت مدهشة حتى للأجيال التي عاصرت فترة الاضطرابات والعنف الدموي، واعتادت آذانهم على أصوات الطلق الناري· مايكل سيفر: أنتريم - أيرلندا الشمالية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©