السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«على الحافة» شعرية الألم حيث تموت الأشواق العليا

«على الحافة» شعرية الألم حيث تموت الأشواق العليا
18 أكتوبر 2011 23:39
(أبوظبي) - للمخرجة السينمائية المغربية ليلى كيلاني فيلمها الوثائقي “طنجة، حلم الحرّاقة” عن المهاجرين المغاربة الشبان إلى أوروبا. لكنها في هذا الفيلم الروائي الأول “على الحافة”، الذي يحمل توقيعها وشارك في دعمه مشروع “سند” التابع لمهرجان أبوظبي السينمائي الدولي حيث عرض في إطار مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، تذهب إلى ما هو أعمق من مجرد الحلم بالهجرة إلى “أرض أخرى” و”عالم آخر” من الممكن له أن يحتضن أشواقاً عليا لمراهقات مرهقات من واقع مدينة طنجة، حيث يجري تهريب البشر والمصائر إلى المجهول والكارثي. غير أن هذا الكارثي والمراهق والمكبوت إذ يعبّر عن نفسه بأدواته فإنه يختنق فبل أن يغادر لا أن يصل. اختارت ليلى كيلاني أن تعالج للسينما، وهي كاتبة السيناريو أصلا والمتخصصة في حقلَيْ الاقتصاد السياسي والتاريخ، حكاية واقعية هزّت مدينتها الكوزموبوليتانية “طنجة” هي باختصار إلقاء القبض على عصابة من النساء الشابات اللواتي احترفن مهنة النشل والسرقة وممارسة الدعارة العام 2005.. اختارت ليلى كيلاني هذه الحكاية لتكون صرخة احتجاجها هي في وجه مدينتها القاسية التي تُقسّي القلوب إذ تجعل من الطموح الفردي عُرضة للزوال. بين زمنين وواقع الأمر أن “على الحافة” عمل سينمائي مركّب بالمعنى الفني والاجتماعي والسياسي معاً، ويتميز بإيقاع شديد السرعة وبلقطة تشبه تلك اللقطات المناسبة لتصوير الفيلم الوثائقي، إنما بكادر مختلف إلى حد أن الأمر يحتاج من المخيلة أن تكون حاضرة تماماً لملاحقة إيقاع الفيلم ومتابعته ما أمكن بتفاصيله المكانية وتردده زمنه بين الماقبل والمابعد. في الماقبل، ينفتح المشهد على أفراد من الأمن الوطني المغربي فيما يداهمون امرأة شابة ويقومون باعتقالها، ثم توضع في سيارة الشرطة مع أخريات. نظرات المرأة الشابة ذاهلة ومن ذلك النوع الذي يحسب المرء أن صاحبتها لا تدرك تماما ما الذي سيحدث لها حتى يأتي الصحو. في الماقبل أيضا مشهد آخر للفتاة ذاتها: مكان كما لو أنه مركز اعتقال، تركض الفتاة جيئة وذهابا في مواجهة الكاميرا وتتحدث إليها، الركض هنا أشبه بالتأرجح على الحافة بالفعل، فيما تقول كأنما تخاطب الجمهور: أنا لست امرأة سيئة. ثم ينفتح الكادر السينمائي على العشرات من النساء العاملات في مصنع للسمك مصطفات قبالة بعضهن بعضا ومرتديات أغطية على الرأس وكفوفا لليدين في مشهد كما لو أنهن بزيهن الموحد لسن سوى عدد من الفصائل العسكرية التي لا عمل لها سوى هذا الوقوف، في الوقت نفسه، يعلو هذا الكادر هذه العبارة: حدث قبل ذلك، أي قبل مشهد الاعتقال وما تلاه، بأسابيع، فيما تقترب الكاميرا من الشخصية الرئيسية “بادية” أثناء عملها. إذا كان ذلك كله قد حدث في الماقبل فما الذي تركته ليلى كيلاني للمابعد؟ اختارت المخرجة بطلاتها الأربع من الممثلات الشابات غير المحترفات، وبجمال أنثوي عادي تماماً أو أقل بقليل إلى حدّ أن المرء يحسب أن أي واحدة منهن قد صادفها سابقا هنا أو هناك، في متجر أو سوبر ماركت أو سواهما مما يرتاد الناس في يومهم العادي، هنّ اللواتي لا ذكر لأسمائهن في أي مطبوعة تعرض للفيلم ضمن المهرجان أو خارجه، ولا حتى عبر الانترنت وكأنهن قلن كلمة ما ومضين. أعماق المدينة ولا تأخذ ليلى كيلاني المتابع لفيلمها في رحلة عبر “طنجة” بل تقوده إلى أسافلها، وحضيضها، وواقعها القاسي وشخصياتها التي طبعها المكان بطابعه حتى صارت حجرا. وفي هذا الواقع يتربى الطموح لدى “بادية” ورفيقتها في سعيهن إلى اختصار طريقهن إلى أوروبا مرورا بابتزازات القائمين على التهريب والاتجار بالبشر. لكن المخرجة كيلاني لا تصل بصاحباتها إلى هناك، بل كأنما تقول لكل منّا بمفرده، نحن جمهوره: “تعال ولتر بعينيك”. والعنف المدمر للشخص والموجود في الواقع لا يقتصر أذاه على الواقع الاجتماعي فحسب، بل يدخل عميقا إلى الفرد ولا يرتد إلى عنف تجري ممارسته ضد الغير، بل ترتد إلى “جوانيته” حدّ انه يصبح صورة من تصوّره عن نفسه. ربما يوضح ذلك المشهد القصير لـ”بادية” أمام مرآة التواليت فيما تحاول التخلص من رائحة العرق بإضافة القليل من الكريم على وجهها. فعل وضع الكريم على الوجه هو مواجهة للذات بعاديتها وفقاً للاعتبارات الجمالية السائدة عن الجمال الأنثوي عند المرأة، يصير الفعل ذاك أمام المرآة أكثر شبها باللطم على الخدود، ربما من قبيل الاستعجال في بادئ الأمر، لكن الممثلة/ الشخصية إذ تُلِّح عليه يبدو فعلاً لطمياً ينطوي على قَدْر من الجنائزية. أيضا الموقف الشبيه بذلك هو فعل الاستحمام وفرك الجلد بمادة خضراء خشنة.. فرك الجلد ليس رغبة في الخلاص من رائحة السمك التي “تعشّقت” الجسد بكل مسامه إنما هي الرغبة في التخلص منه ومن شرطه الاجتماعي والتاريخي الضاغط على روحها. والمجاز لا يتحدد في “على الحافة” بأفعال شبيهة فحسب، بل بحركة الكاميرا أيضا، التي تمنح المشاهِد فكرة عن إيقاع حقيقي لحياة قد خيضت من قِبَل هاته الفتيات وبدأت سريعا وانتهت بالسرعة ذاتها، وهو أمر شديد الصلة بالسرد السينمائي أيضا فتنقلات الكاميرا التي كانت تتم بسرعة كانت في بعض الأحيان تستغرق بسرد التفاصيل، فمثلا مشي الفتيات في الحي وانتقالاتهن من زقاق إلى آخر دون حدث مكمل في السياق الحكائي كان بلا طائل ومن الممكن الاستغناء عن لقطات عديدة متتالية بين النزول من السيارة إلى الوصول إلى البيت، وهو أمر تكرر لمرات عديدة كما هي الحال لدى خروج “بادية” من المصنع للالتقاء بصديقاتها في الوقت الذي كانت الشرطة حاضرة فيه في المكان وتقوم بالتدقيق في الهويات، وذلك مثل لا حصرا. في أي حال، فإن “على الحافة” عمل سينمائي لافت ببنائه الفني والجهد والبحثي المبذول فيه وكذلك النأي به عن الطرح الأيديولوجي المباشر والاقتراب من الطرح “الشعري” لفكرة الألم على الرغم من إغواء قضيته وإنسانيتها بالطبع غير أن المخرجة قد اختارت طريقا أصعب. أيضا، يُشار إلى أن لليلى كيلاني فيلم وثائقي بعنوان”أماكن ممنوعة” حاز الجائزة الأولى في مسابقة الأفلام الوثائقية لمهرجان واغادوغو.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©