الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«أسماء» درس أكاديمي مصري في فن السينما

«أسماء» درس أكاديمي مصري في فن السينما
18 أكتوبر 2011 23:39
(أبوظبي) - شاهد جمهور أبوظبي أمس الأول في مسرح أبوظبي على كاسر الأمواج فيلماً درامياً مصرياً بعنوان “أسماء”، وكما يبدو أن الجميع كان يترقب عرض هذا الفيلم لسببين أو لثلاثة، أولها أن من تقود حركة التمثيل والأداء فيه الممثلة التونسية هند صبري، وثانياً كون مخرجه مبدعا عرف من أفلام ناجحة سابقة له هو المخرج المصري عمرو سلامة، أما السبب الثالث فلأن هذا الفيلم نتاج لما بعد مصر المتغيرة بكل شيء. قبل يومين كتبت عن فيلم “الطيب.. الشرس.. السياسي.. التحرير 2011” وشخصت بوضوح تام أن الجزء الثالث منه “السياسي” كان أكثر تكنيكاً، وربما يؤيدني عدد من المبدعين المصريين حين قلت إن توصيل الفكرة يتم عبر عدد من الأساليب والطرق، ووفق ذلك استهزأ هذا الشاب بذلك الدكتاتور عبر النكتة المنظمة الذكية لا الاعتباطية وإنما المدروسة التي جعلته يستخدم شكلاً رائعاً تعرض من خلال صفات الدكتاتور العشر بناء هرمياً لنصه فنجح ذاك الجزء أكثر من غيره. وجئت إلى أن أرى فيلم “أسماء” بحسب توصية المبدع سعد القرش، وكنت أجهل حتى انقضاء الفيلم أن عمرو سلامة ذلك الذي أثنيت عليه في مقالتي السابقة، هو ذاته مخرج الفيلم الدرامي الطويل “أسماء” فتأكد لي حين شاهدت الفيلم أن حدسي كان في محله وأن هذا المخرج ثورة في الإخراج السينمائي الذي سيعيد للسينما المصرية تألقها وكلاسيكيتها المفقودة. مفاصل رئيسية قبل كل شيء لا بد لي أن أتكلم بمجموعة المفاصل المهمة الرئيسية في فيلم “أسماء” وهي أولاً مفهوم الإخفاء/ الإظهار، وثانياً القطع الزماني والسردي، وثالثاً الوعي الممكن والوعي السائد. وقبل أن أخوض في هذه المفاصل الثلاثة لا بد أن نعيد قراءة حكاية النص التي تدور حول قصة حقيقية ـ كما تقول إشارة الفيلم ـ وهذا لا يهمنا مطلقاً وهو تنبيه زائد وخارج النص، وربما يقلل من شعرية الحكاية وتألقها السردي عندما ينبهك المخرج إلى الحقيقة والواقع ونحن نعرف أن الفن هو إعادة إنتاج الواقع وليس تمثله فقط أو نقله. تدور أحداث الفيلم حول امرأة اسمها “أسماء” بعمر 45 عاماً، تعاني من الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”.. غير أنها حملت من زوجها وانتقلت من ريف مصر إلى المدينة، حيث رزقت بطفلة، وبصحبة أبيها “حسني” تعيش أسماء في عالم خاص، لم ينكشف سر مرضها إلا بعد ما يقرب من عشرين عاماً حيث كبرت ابنتها وشاخ أبوها، وذلك حين تتعرض إلى إصابة بالمرارة تستدعي منها أن تخضع لعملية جراحية ولكن حال إجراء العملية تعلن أنها مصابة بالإيدز. وبين قلق فقدان وظيفتها خادمة تنظيف في مطار القاهرة، وقلق فقدان الحياة في حال عدم إجراء عملية لها، تساورها آلام وخوف وحزن. عالم لا يرحم، الأصحاء يخافون، والمرضى مرعوبون من مجتمع يريد أن ينفي هؤلاء، وبهذا المفهوم يصبح هذا العنوان موضوعاً لبرنامج تلفزيوني يقدمه محسن السيسي (الممثل ماجد الكدواني)، والذي يحمل جرأة استثنائية حين يريد أن ترافق جرأته جرأة مماثلة وهي أن يتقدم مريض بالإيدز إلى الجمهور معلناً عن فهمه لموقف المجتمع منه. ثنائية الماضي/ الحاضر ولا بد من التنبيه على أن أسماء تعيش عالمين هما عالم القرية/ الماضي وعالم المدينة/ الحاضر، والعالمان يتصارعان في داخلها، الماضي الموبوء والطارد لأسماء وأبيها وابنتها “حبيبة”، والحاضر القاسي والطارد لأسماء حيث لم يوافق أي طبيب على إجراء عملية جراحية لها تمكنها من الشفاء بسهولة من مرضها بالمرارة، ولهذا كان عليها أن تجد حلاً لمشكلتها قبل أن تتدهور حالتها وتتطور إلى مرحلة مميتة. وكان عرض الإعلامي محسن السيسي لها بأن تواجه المجتمع في البرنامج الذي يعده بعنوان “صفيح ساخن” إنقاذاً لها كي يتأمن حقها في الحصول على العلاج، وكان لا بد هنا من فضح السر أو أن تظل صامتة فينتهي بها الأمر إلى الموت. اشتغل الفيلم على فكرة الإخفاء/ الإظهار، وهذه المزاوجة قادت المتلقين إلى الترقب واقتراح عدد من التوقعات التي تسهم في أن يشترك المتلقون أنفسهم في توجيه الحكاية، وكي ندلل على الإخفاء الذي تجلى في قفازات/ ظلمة/ خوف/ مرض/ فقدان الحرية، أما الإظهار فقد بدا واضحاً في خلع القفازات/ الضوء المسلط بالإضاءة/ الشجاعة/ الاحتفاء بالحياة. لم يبق عمرو سلامة أية ثغرة يمكن أن يواجه بها سياقات الفيلم أو سرديته الآخذة في التنامي، حيث قدم قصة داخل قصة على سبيل نسق التضمين، كما قدم نسقاً آخر هو التناوبية أو التداولية إذ تتعاقب المشاهد على أساس تداخل وترتيب الأجزاء وليس تقديم كتلة مشهدية على أخرى وبذلك نوّع المخرج مشاهده بين ماضي القرية/، وحاضر المدينة/، ماضي السر/ وحاضر الكشف. ظل الغموض في الماضي الذي لا بد أن يفصح في الحاضر، من خلال هذا النسق التناوبي حيث لا يترافق مشهدان معاً مطلقاً إلا في النص المكتوب عبر طابقين، الأول علوي والثاني سفلي كما هو المتن والهامش، أما في السينما فتظل التعاقبية السمة الأكثر تشويقاً على أساس 1 أ، 2 ب، 3 ج، 4 د، 5 هـ، التي تخلق رغبة متنامية في تلقي حديثين بشكل منفصل ومجزأ، هذا الإخفاء هو محور الفيلم، ويقودنا إلى التوقع، ربما كان يوحي بعلاقة “الزنا بالمحارم” مع الأب أو ربما كان يوحي بالخيانة مع مجهول غير الزوج أو ربما مع “الحاج سيد” الذي ضربها أولاً فقتله زوجها “مسعد” ودخل السجن بسبب ذلك. هنا استغل عمرو سلامة سوداوية المرض في أن يضمر شخصية المسبب الفاعل عبر الظلمة والحزن والمرض والخوف وفقدان الحرية، ولكن حالما تعرف ابنتها حبيبة بالأمر تبدو القضية لا تحتاج إلى اضمار، فيعلن المخرج والمؤلف عمرو سلامة عن الكشف والإظهار لكل ما كان مخفياً، إذ يتبين لنا أن توقعاتنا لم تقدنا إلى تأويلات صحيحة، حيث لا الأب كان سبب ذلك ولا أي شخص مجهول، ولا الحاج سيد أو غيره بل أنه الزوج الذي اصيب بالإيدز في سجنه. القطع الزماني استغل عمرو سلامة تقنية متوافرة فانتبه لها وتمكن من توظيفها بدقة وببراعة، فحالما يبدأ الفاصل في برنامج “صفيح ساخن” والذي يعلن فيه محسن السيسي أثناء لقائه بأسماء توقفه قليلاً، يعود المشهد إلى الماضي ويرجع ثانية إلى زمن السرد، وعبر تقنية “الفلاش باك” التي أوجد عمرو سلامة للعودة من خلالها مبرراً كي يذهب ويعود ومن خلال فاصل زمني بسيط وصغير، استطاع أن يعجل بزمن السرد الماضي والحاضر وكأنما نشهد انتهاءها معاً وفي الآن نفسه. وبدت هذه الحركة هي الفعالية التي أسهمت في مبدأ التسارع الذي كان يحتاج إليه الفيلم كي يتقدم بخطى سريعة إلى النهاية. وتحمل شخصية أسماء الريفية وعياً بسيطاً لا يؤهلها إلى أن تكون محاورة ذكية أو متفهمة لمنطق جدلي ترد فيه على الآخر الذي يريد أن يعرف حقيقة مرضها، هذا الوعي الممكن مشروط باكتمال الشخصية، وعليه يصبح من المستحيل لامرأة ريفية ساذجة أن تعي إمكانات دورها في إلقاء الحجة، التي من المستغرب حقاً أن تلخص فكرتها عبر جدلها مع الطبيب الذي سألها عن سبب مرضها ومن المسبب في ذلك؟ من المعروف أن أي شخصية تقدم فنياً هي لا تمثل ذاتها بل تمثل طبقة أو فئة أو مجموعة تنتمي إليها، وعلى بساط أسماء تظل هذه الشخصية في إطارها الريفي، بدليل أن الماضي كان يعيش معها في حاضرها التلفزيوني والبرنامج المشهور الذي وجدت نفسها به، هذا التمثل لا يقود إلى هكذا شخصية لاتزال بسيطة في تفكيرها ومتعلقة في ماضيها لذا كان الحوار أكبر من الشخصية، وعليه يصبح الحوار هو ما يفكر به المؤلف وكاتب السيناريو وليس هو الحوار الذي يطابق شخصية البطلة أسماء، هذا بالإضافة إلى أن ما يؤكد قولنا هذا حين تحاورت مع محسن السيسي فوصف حوارها بالمتفلسف وذلك لا ينطبق مطلقاً مع روحها الريفية التي لم تتجاوز عشقها الأول “مسعد” زوجها إلى عشقها الجديد “شفيق”. بناء الشخصية أما المواجهة والتغلب على الخوف الذي وصلت إليه أسماء فهو جزء من شخصيتها الريفية التي صممت على أن تقول الحقيقة وليس غير الحقيقة التي عجز عنها رجال جمعية المصابين بالإيدز التي يديرها الدكتور هادي الذي هو نفسه يرى في الإفصاح خوفاً وفي القول خجلاً. بعد كل ذلك لا بد أن نشير إلى أن التماسك في حبكة القصة وما يماثلها في السيناريو وقوة التنفيذ جعل الفيلم يخلق تأثيره المباشر على المتلقين. فن السينما، فن التأثير والدهشة والإبهار وأعتقد أن هذه القصة ببساطتها قد قدمت بشكل فني لم يتوخ الموضوعة نفسها بقدر توليها شكلاً فنياً لعب فيه عمرو سلامة على خارطة لم ينتبه لتركيبتها أحد من قبل. أما هندي صبري، هذه المرأة المدهشة، الممثلة التي قدمت بساطة في التمثيل وعمقاً في التمثل وإمكانية في تجسيد المأساة بعيداً عن الافتعال الذي ربما اقترب منه الممثل الجديد هاني عادل الذي قام بدور “مسعد” زوج أسماء عبر إظهار الألم والجهد بشكل مفرط ولأن ذلك لا يقع فعلاً لمن أصابه المرض. على كل حال.. هناك قدرة كبيرة قدمها ماجد الكدواني الذي خلق الطرافة من روح المأساة والضحكة من بواطن الألم والغضب، واستطاع أن يوظف الحركة والجسد وتلاعب بهما وكأنه لم يقدم مشهداً وإنما قدم حياة كاملة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©