السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حقائب مدرسية تحرض على العنف وتغرس سلوكيات هدامة في نفوس الطلبة

حقائب مدرسية تحرض على العنف وتغرس سلوكيات هدامة في نفوس الطلبة
17 أكتوبر 2011 09:05
الحقائب المدرسية هي واحدة من المفردات بالغة التأثير على التكوين النفسي والاجتماعي للطفل كونها تلازمه سنوات طوالاً، وبما تحمله أشكالها من رسومات وصور تحمل رسائل موجهة إلى الأطفال غير مرغوبة في كثير من الأحيان، بما تحتويه من تحريض على العنف أو غرس وترسيخ قيم فكرية تتعارض مع ما هو سائد في عالمنا العربي بما فيه من قيم إسلامية وعادات شرقية ذات نمط خاص. (أبوظبي) - الجميع يتفقون على أن مرحلة الطفولة هي الأهم والأبرز في حياة أي فرد، ولذلك فإن الأشياء المصاحبة لمرحلة الطفولة تلعب الأثر الكبير في تشكيل سلوك الأطفال وبناء توجهاتهم المختلفة في الحياة، وتقع الحقائب المدرسية في مرتبة متقدمة من تلك المعطيات والأشياء بما تبثه من أفكار وقيم لدى الأطفال، وإن كان ذلك يتم بشكل غير مباشر عبر الصور والرسومات الموجودة عليها. غيرة وتقليد بصفته ولي أمر فأنه بقدر الإمكان يحاول إقناع أبنائه بقدر الإمكان باختيار حقائب مدرسية لا تحمل تقليعات غريبة، ولكنه يفشل في كثير من الأحيان بما يقوله لهم، كونهم يرتبطون بتلك الشخصيات المرسومة على الحقائب من خلال المسلسلات الكارتونية والألعاب الإلكترونية التي يمارسونها على الكمبيوتر. إلى ذلك، يلقي عبدالله فرّاج (38 سنة)، الذي يعمل مهندساً في إحدى شركات البترول ولديه ثلاثة أبناء، باللوم في أمر هذه الحقائب على الجهات الرقابية في الأسواق، كونها سمحت ببيعها من الأصل، لأن الطفل عندما يرى زميله حاملاً تلك الأنواع من الحقائب يسعى إلى الحصول عليها بطابع الغيرة والتقليد، ولكن إن لم يرها من الأصل فلن يعرف عنها شيئاً وبالتالي يمكن له أن يحصل على حقائب ذات أشكال ورسومات معقولة تتناسب مع براءة طفولتهم ولا تحمل أفكارا غريبة أو محرضة على العنف مثل شخصيات سبايدر مان وغيرها. أما تحسين الهاملي (34 سنة)، أب لطفلين، فيرى من جانبه أن المسؤولية في هذا الأمر تقع في الأساس على أولياء الأمور، ومدى رقابتهم لكل ما يتعلق بأبنائهم من كافة النواحي السلوكية واختيارهم لمتعلقاتهم الشخصية ومنها اختيار الحقائب والتي تعكس بشكل كبير ميولهم وسلوكياتهم. ويلفت إلى أنه ليس من المنطقي أن تقوم الدولة بالرقابة على كل شيء حتى حقائب المدارس، لأن تربية الأبناء بالأساس عملية مشتركة تتم بين البيت والمدرسة، وتكون النسبة الغالبة من الأهمية هنا تقع على عاتق البيت. ويقدم الهاملي اقتراحاً جديداً في هذا الصدد، بأن تقوم المدارس بنفسها بإعداد وبيع تلك الحقائب مع الكتب المدرسية والزي المدرسي، لأنها عنصر مهم وحيوي في العملية التوجيهية والتربوية للأبناء بما يمكن أن يكتب أو يرسم عليها من أشياء مفيدة وإيجابية بدلاً من تلك الحقائب التي تملأ الأسواق ولا نعرف مصدرها، ولا هوية من قاموا بصنعها ووضع تلك الشخصيات العجيبة عليها. ويؤكد الهاملي أن المدارس بما تمتلكه من حس تربوي عال، قادرة على تنفيذ تلك المهمة، والتي ستحظى بقبول كبير من الأهالي، سيما إذا لم تكن أسعارها مبالغا فيها كما هو الحادث حالياً، حيث تصل أسعار بعض تلك الحقائب إلى ما يتجاوز المائتين درهم، ومرهقة مادياً لجيوب أولياء الأمور، خاصة إذا كانوا ممن لديهم عدد كبير من الأبناء أو كانوا من ذوي الدخل المحدود. شخصيات معروفة تقول نهى عبد المجيد إنه بالفعل ترتفع أسعار الحقائب بشكل مبالغ فيه إذا ما كانت لشخصيات كارتونية معروفة مثل «فلة» و»باربي». وتؤكد أنها كأم لثلاثة أبناء تتحفظ على هذه النوعيات من الحقائب التي ترتسم عليها أشكال وأزياء غير ملائمة لبيئاتنا العربية وما نبثه في بناتنا وأبنائنا من مراعاة الحشمة والأدب، سواء في الملبس أو طريقة الكلام وغيرها من مظاهر السلوك المختلفة، غير أن تلك الحقائب تهدم ما يحاول أولياء الأمور غرسه في نفوس أبنائهم وبناتهم، كون الشخصيات المرسومة على هذه الحقائب تكون مرتدية ملابس قصيرة جداً في كثير من الأحيان، ما يرسخ في أذهان البنات صورة مغلوطة عن الفتاة العصرية بأنها يجب أن تكون مبتذلة في ارتداء ملابسها، وهو ما لا يشعر به أولياء الأمور عند دخول الفتيات لسن المراهقة، وبدء تبلور شخصياتهن المستقلة. وتتابع عبدالمجيد واقع الحال ينطبق على الأولاد أيضاً حيث إن كثيرا من هذه الحقائب رسوماتها تحرض على سلوكيات غير مقبولة مجتمعيا، مثل صور ورسومات لسيارات مسرعة جداً أو أشخاص يحملون أسلحة، ما يجعل الأولاد يجنحون لسلوكيات تتسم بالعنف أو السرعة المبالغ فيها في قيادة السيارات عندما تتاح لهم الفرصة لتعلم قيادة السيارات والسير بها بمفردهم. وترى أن الأسرة تتحمل الجزء الأكبر في عملية توجيه الأبناء لشراء ما يناسبهم من حقائب وغيرها من أدوات القرطاسية، ويجب على أولياء الأمور مناقشة أبنائهم قبل الشروع في شراء أي مستلزمات خاصة بهم، ومعرفة أهدافهم وتوجهاتهم من وراء إقبالهم على سلع بعينها وإدبارهم عما سواها، أما المدرسة فدورها لا يجب أن يغفل من حيث التوعية سواء بالنسبة للتلاميذ وأسرهم، بحيث تقوم المدرسة بالتنبيه على أن تكون الحقائب لا تحمل رسوما معيبة أو صوراً لشخصيات تحمل قيماً سلبية يمكن زرعها في عقول التلاميذ. حرية شخصية من ناحيتها، ترى شيخة حمود، أم لخمسة أبناء، أن عملية شراء الحقائب المدرسية تندرج في إطار الحريات الشخصية التي ينبغي غرسها في نفوس النشء، وألا يصبح كل شيء مفروضاً عليه، فيصبح شخصاً اتكالياً أو مهزوز الشخصية، ولذلك يجب ترك مساحة من الحرية لكل طفل في شراء واختيار ما يلزمه في هذه السن المبكرة حتى يعتاد الاعتماد على نفسه شيئاً فشيئاً، أما إذا كان اختيار الطفل غير ملائم، فيجب على الأهل توجيه الأبناء من خلال النقاش والحوار، وإبراز الجوانب الإيٍجابية في الأشياء التي يحاول الآباء توجيه أولادهم لها. ومع ذلك تدعو حمود إلى تفعيل دور الرقابة داخل الأسواق على المحال التي تبيع أنواع الحقائب التي تحمل صوراً وأشكالاً تتعارض مع بيئة محافظة كالمجتمع الإماراتي، كون المجتمع كله يجب أن يتحد في مواجهة أي عوامل هدم قد تؤثر على سلوكيات أبنائه ونشأتهم. أما عبيد محمود، فيؤكد ضرورة أن تُستبدل الصور والرسومات غير ذات المعنى ولا مضمون الموجودة على الحقائب، بأخرى تحمل معاني ايجابية مثل صور شخصيات ونماذج ناجحة في المجتمع مثل نجوم الكرة، أو شخصيات عربية شهيرة مستوحاة من التراث ما يسهم في تأصيل الهوية العربية في نفوس التلاميذ داخل المدارس التي تضم بين جدرانها كثيرا من الجنسيات العربية إلى جانب الطلاب الإماراتيين، كما يمكن أن تضم أبياتا من الشعر العربي الجميل والبسيط، الذي يمكن أن يفهمه الأطفال ويحمل في طياته معاني جميلة وسامية عن الانتماء أو تعزيز السلوكيات الإيجابية مثل طاعة الوالدين واحترام المدرسين، على أن تتم كتابتها بأسلوب شيق وجذاب للأطفال، يعتمد على الألوان المبهجة والتصميمات المثيرة التي تجعل الأطفال يقبلون على اقتنائها بكل حب. إثارة العنف يذكر حمد المزروعي واستناداً إلى خبرته مع الواقع التعليمي بحكم منصبه كمدير لمدرسة «المستقبل النموذجية» في أبوظبي، أن الصور والرسومات الغريبة التي تعتلي الحقائب المدرسية ترمز في كثير منها إلى العنف، وتجذب الطلاب لممارسة سلوكيات غريبة وأفعال غير طبيعية تقوم بها الشخصيات الموجودة على الحقائب. ويؤكد أن هذه الشخصيات تثير العنف لدى الطلاب وعندما يراها الطفل بكثرة أمام عينيه سواء على شاشات التلفاز أو الحقائب، يسعى إلى تقليدها مع زملائه، ما يسبب مشكلات ومناوشات بين الطلاب ما يمثل عبئاً على إدارة أي مدرسة وسير العملية التعليمية فيها. ويشدد المزروعي على أهمية دور الأسرة في إرشاد أبنائها إلى اختيار الرسومات والصور المفيدة، والتي تحمل رسائل بناء وليست هدم، مثل اختيار أشكال تراثية أو لأهم معالم الدولة والمرتبطة بتأصيل الهوية الإماراتية، أو شخصيات إماراتية معروفة، وحتى علم الدولة، وهي جميعاً أشياء جميلة تبعد الطلاب عن العنف وترسخ فيهم قيماً جميلة نافعة لأنفسهم وللمجتمع. وحول الرقابة على تلك الحقائب وما تحمله من رسومات وأشكال قد لا يرضى عنها الكثيرون، يؤكد المزروعي أن الرقابة الحقيقية تبدأ من داخل البيت وتقوم المدرسة بالدور التوعوي لأولياء أمور أو طلبة بما ينبغي أن يقع عليه الاختيار من تلك الحقائب بما يحفظ لنا هويتنا وأفكارنا وثقافتنا، ولكن المدرسة، حسبما يقول، لا تمتلك القرار أبدا في اختيار نوعية أو شكل الحقيبة كونها اختيارا شخصيا خالصا من جانب الطالب وأولياء أمره، الذين يجب أن يجنبوا أبناءهم كل مسببات العنف، ومنه هذه الحقائب التي تحمل رسائل سلبية، ومع ذلك لم يستثن المزروعي دور الرقابة على الأسواق، لافتاً إلى أنه ضرورة وجود تعاون إيجابي بين كافة مؤسسات المجتمع في الحفاظ على القيم والأفكار السائدة فيه. اقتراح بناء حول ما يقوله علم الاجتماع في هذه القضية، يؤكد الدكتور أحمد العموش، رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة، أن هذه الصور تمثل رموزاً ومعاني تنعكس بطريقة سلبية على سلوكيات الطلاب سواء داخل المدرسة أو خارجها، خاصة وأن معظمها يحرض على العنف وكثير من هذه الرسومات تشير إلى شخصيات إجرامية مرتبطة بسلوكيات عنيفة وحركات خطرة يؤدي تقليدها إلى عواقب وخيمة على عملية التنشئة السوية للطلاب. ويلفت العموش إلى الدور المحوري الذي يجب أن تقوم به المدرسة في هذا الصدد، وتقوم بحظر مثل تلك الحقائب، كونها الجهة الوحيدة القادرة على ذلك لأنها الكيان المكلف بإعداد الطالب سلوكيا وتعليمياً للتعامل مع المجتمع الخارجي، ولا يجب أن يترك هذا الأمر للأسر داخل المنازل، لأن كثيرا من أولياء الأمور ليست لديهم درجة الوعي الكافية للتفرقة بين ما هو سلبي وما هو إيجابي فيما يتعلق بالتنشئة الصحيحة لأبنائهم. ويقدم العموش اقتراحاً بناء يقضي بأن تقوم الدولة بتوحيد الحقائب على مستوى كل مناطقها، بحيث تسهل عملية السيطرة والتوجيه السليمة للأبناء دونما الحاجة إلى أي عملية رقابية على تلك الحقائب أو غيرها من مفردات العملية التعليمية ذات الأثر القوي في توجيه وتقويم سلوكيات الطلاب. وينادي بأن تمثل الصور والشعارات الموجودة على الحقائب رموزاً وطنية وتعزز قيمة الاتحاد والانتماء للقائد والوطن، وغيرها من المبادئ التي ترسخ الهوية الوطنية، ولم ينس العموش دور الرقابة المجتمعية على كل ما يتعلق بالعملية التعليمية وقضايا التعليم سواء من البلدية أو غيرها من مؤسسات وأجهزة المجتمع، بما يحفظ أبناءنا الطلاب من أي تشويه فكري مقصود أو غير مقصود موجه لهم في مراحل التكوين الأولى من حياتهم، إيماناً من الجميع بأهمية دور التربية والتعليم في النهوض بالدولة والحفاظ على ثوابت الهوية الوطنية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©