السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نشيد الغياب

نشيد الغياب
17 فبراير 2010 20:36
منذ البداية، وللبدايات دوماً مذاق الأصبحة البكر، كنت موقناً أنكِّ أروع من أن تكوني حقيقة، وأمنع من أن تصيري حلماً، وأبعد من أن يدرككِ لهيب اشتعالي السحيق، لكن يقيني ذاك لم يحمني من اغواء المحاولة، ذلك أنني، ومنذ البداية، سيد الخسارات الجميلة! عندما ترحلين أنتظر حضورك على وقع شغف أتقنت طقوسه، فلما تحضرين أعاود انتظار غيابكِ بصفاء حلم يستوحي منك الحضور. تكونين فأصير.. وتصيرين، اذ تغيبين، طيفاً، فيخذلني الغياب اذ أحاوره لأحاوله.. وأكون. يا تموزية العينين.. أين تعلمتِ تبعثين الدفء في حطب العمر التشريني وقد أدركه شتاء الخيبة!! جئتِ فهربتُ من الدنيا اليكِ.. ثم حاصرني السؤال: إلى أين أهرب منكِ؟! تماماً كما كنتِ في الحكاية.. تماماً كما تطلع حورية ضجرة من صخب الموج، خرجتِ من مخاض أوهامي تنفضين عن هامتك رذاذ الحلم العتيق.. أضاءتِ الشموع في أزقة الروح المقفرة.. أشعلتِ فوق الصفحات البيض حرائق الحروف.. فلما توهج القلب ببريق الدهشة، أدركك مزاج الرحيل.. هل تذكرين يوم قلتِ لي شبه معتذرة: لقد تأخرتُ قليلاً؟ العمر ليس قليلاً يا سيدة البهاء المباغت! كم أنتِ تشبهينك ضاحكة غاضبة ساهية حاضرة.. وكم أنا أشبه ارتحالي الأزلي نحو بريق عينيك المتقدتين وعدا! يوم أشرقت شمس مجيئك لم أكن أملك فرحاً يكفي للاحتفال بدفئها الواعد..لعلني كنت مشغولاًً حينها في تهيئة مراسم حزن تليق بعاصفة غيابك المقبلة.. سأتذكر كثيراً وطويلاً أن نجمة تختزل كل نساء العمر قد ومضت لحظة في سماء حياتي، ثم ارتمت مثل خاطرة جامحة في حضن قصيدة جانبها الاكتمال.. تأخَّر الشتاء هذا العمر.. تمنَّع المساء هذا الحلم.. تعثَّر الليل هذا الرحيل.. وحده صباح شاحب حضر ذات موعد صادم مع وداع أنيق.. بعدَكِ سيعلو موج التذكار فوق غصون العيش.. ستزغرد الكلمات ملءَ جراح السنين.. ستنداح الصور عابثة بحرمة المخيلة.. سيقدح القلم الكثير من شرر القول فوق جبين الورق.. وستبقى هاوية العمر تغور ساخرة من كل ذلك.. اعتذار إن أنتِ الا معجزة لا تكف عن التحقق.. وسؤال لا يتعب من الإلحاح: كيف لامرأة بلون الصحو أن تمطر كل هذه الروعة المفعمة بالحنين؟! كيف لذلك الجسد الباذخ في شموخه أن يبوح بتلك الهواجس الرابضة على تخوم النزق والقلق؟! كيف لهذه العيون الساهية الغاضة أن تضخ من الألق ما يكفي لاشعال حرائق النسيان في كل مواسم الذكرى؟! امرأة حتى آخر رمق من وقع أقدامها الهادرة على بلاط القلب.. وحتى انحسار الرؤية عن جدار الروح.. امرأة لكأنَّها آخر جرعة من رحيق الأنوثة في شرايين الكون.. وكأنَّها بحر لا تمل أمواجه من احالة الملح شِعرا.. امرأة من برج الحضور تملأ الأزمنة والأمكنة صخباً أنيساً.. تمحو كل الدروب المؤدية الى معاقل الطمأنينة.. وتسد منافذ العبور نحو منافي اليقين.. عذراً سيدتي: أعتذر عن كل اللحظات التي عاقرها العمر دون أن تكوني مقصده، وزهوة صبحه، وفتنة المساء، عن كل الأحلام التي لم تستلهمك في اجتيازها لمدار الرؤية.. عن كل كلمة لم تنشدك أيقونة متوجة فوق عرش الحروف.. عن كلِّ زفرة أسى أُطلقت حسرتها خارج أسوار حزنكِ الشفيف.. وعن كل بسمة لم تكن تهدف الى استمطار الفرح في حقل البهجة الذي أسموه وجهك.. اعتذر كذلك عن زمن شتائي سيأتي يوماً في غفلة من وهج عينيك الدافئتين!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©