الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليلة استثنائية (1 - 2)

6 أكتوبر 2015 22:54
مع دقات الساعة التاسعة والنصف مساءً يقترب موعد فتح الستار الأحمر المخملي لخشبة المسرح القومي، أقدم مسارح المحروسة الذي يبعدُ عدة أمتارٍ عن صخَبِ ميدان العتبة في قاهرة المعزّ، ليبدأ العرض المسرحي الغنائي (ليلة من ألف ليلة وليلة)، كان هذا خلال زيارتي القصيرة مؤخراً إلى أم الدنيا. أول ما وقعت عيناي عليه، كان بيت الشعرِ الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي الذي يتوّج ستار المسرحِ بخطٍّ ذهبيٍّ أصيل: وإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا قبل بدء المسرحيّة جُلت ببصري في ديكور المسرح الذي يعود بك إلى زمن قاهرة الخديوي، زخارفُ ذهبيةٌ تُزين الجدُرانَ المُحيطة بالحاضرين، وقُبة سماويّة تمنح بهجة للناظرين، فيما تحتفظ الشُّرفات ببريقٍ خاص، يطل منهُ المشاهد على أحداث العرض المسرحيّ. وحدها آلة الزمن قادرة على العودة بك حِقباً إلى الدولة العباسية، إلا أن التحف الفنية وخلفيات المسرح المتقنة غيّرت ملامح التاريخ لتجد نفسك وسط بغداد القديمة وأمامك (الملك لير) في ثوب أنيق، إنه المتألق التراجيكوميدي (يحيى الفخراني) في أداء أقل ما تصفه به هو الإبهار والتنقل بانسياب عجيب بين دور اللص والوزير والساحر والقاتل، ورغم سنوات عمره المديدة لا يزال يحتويك بأدائه ويشعرك بعشقه وموهبته التي تتجدد كلما غزاه الحنين إلى خشبة المسرح، ليبدع ويتألق ويبهر الحضور، ورغم الفارق الزمني بين تألق الفخراني في دور (الملك لير) في عام 2001، وأدائه المبهر في هذا العرض فقد أضاف بصمة جديدة إلى جدارية رحلته الإبداعية. صيغَ العرض بجماليته الاستعراضية الغنائية ولغته العربية الفصيحة والبليغة التي تسكن العقل وتسلب القلب بأنامل شاعر الشعب المصري بيرم التونسي (1893 - 1961 م) دونَ تغيير في الكلمات أو صُلبِ الأحداث، ليتردد في الأرجاء ثنائية غنائية بين موهبة أوبيرالية للفنانة هبة مجدي بتناغم تطرب له الأذن مع زميلها الفنان محمد محسن ليعيدا معاً إلى الأذهان رقيّ الفنّ في الزمن الجميل، حيث تحتفظ الألحان بأصالتها، مُنذُ أنّ لحنها الموسيقار أحمد صدقي (1916 - 1987 م)، وبالطبع لا يكتمل عقد الإبداع المسرحي للعرض دون نخبة متميزة من الفنانين. وتعجز الكلمات عن وصف روعة ديكور العصر العباسي الذي يتنقّل بك بين منزل (شحاتة) الخشبي المتواضع، والقصر الفخم للوزير الظالم، وأسواق بغداد القديمة، وكأنك في حضرة هذا العصر زماناً ومكاناً وأحداثاً، ممزوجاً بجماليةِ النص الحداثي وانتقاله الرائع بين الفصحى والعاميّة ليروي عطش المشاهدين للفن الراقي ويأسرهم لأكثر من ساعتين تتخللهما استراحة قصيرة، فتخرج بعدها وفي جعبتك جرعةٌ مسرحيةٌ شهية ذات مذاقٍ خاص ونكهة ليست ككل النكهات. د. عماد الدين حسين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©