السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نوبل «كرمان»: رمز ناعم في سياق ملتبس

نوبل «كرمان»: رمز ناعم في سياق ملتبس
15 أكتوبر 2011 02:01
أعلن يوم الجمعة الماضي في العاصمة النرويجية أوسلو عن منح جائزة نوبل للسلام لعام 2011 إلى كل من الناشطة اليمنية في حركة الربيع العربي توكل كرمان، ورئيسة ليبيريا ألين جونسون سيرليف والمناضلة من أجل السلام الليبيرية ليما غبويي. وقد بدا اختيار كرمان للفوز بجائزة نوبل للسلام، التي تعتبر الأرقى بين جوائز نوبل، أمراً مفاجئاً، لاسيما وأن مسألة اختيار الفائزين طرحت هذه السنة معضلة حقيقية على لجنة نوبل النرويجية مع تسجيل مستوى قياسي من الترشيحات بلغ 241 منظمة وفرداً في قائمة تبقى طي السرية الكاملة حتى لحظة الإعلان عن هوية الفائز (أو الفائزين) بها، وهو ما عقّد لعبة التوقعات هذه المرّة. وقد برزت الناشطة الحقوقية والصحفية اليمنية كرمان في ساحات الاحتجاجات اليمنية التي تدخل شهرها التاسع، وعرفت بمناهضة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي والإداري في اليمن ومطالبتها بالإصلاحات السياسية، وكانت من أوائل الذين طالبوا بإسقاط نظام حكم الرئيس علي عبد الله صالح. وبفوز كرمان بجائزة نوبل للسلام يمكن القول إن الحراك الديمقراطي المدني في اليمن قد أخذ زخماً إضافياً ودفعة أخرى للأمام في وقت صعب ودقيق للغاية، والأهم أن هذا الفوز المفاجئ وغير المتوقع أعطى شخصية كرمان هالةً وحضوراً كبيرين استناداً إلى تزكية عالمية لا يمكن التهوين أو الحطّ من شأنها، الأمر الذي سيُمكّن الكثيرين من التعاطي معها من الآن وصاعداً باعتبارها "رمزاً ناعماً" لهذه الحركة الديمقراطية المدنية المتنامية، ومن ثمّ فإن هذا الحدث قد يُسهم في خلق حالة إجماع داخلي حول شخص كرمان، الناشطة والقيادية الشابة ضمن الأُطُر التنظيمية والسياسية للثورة السلمية، وربما يؤهلها فعلياً وسريعاً لاعتلاء قمة الهرم القيادي المُعارِض في اليمن، على الأقل في هذه المرحلة الحساسة والحاسمة من عمر الحركة المناوئة لحكم الرئيس صالح. فكرمان، وهي أول امرأة يمنية وعربية وثاني مُسلِمة بعد المحامية والحقوقية الإيرانية شيرين عبادي، تُمنَح لها جائزة نوبل للسلام، أصبحت منذ هذه اللحظة، واتكاءً على السلطة المعنوية التلقائية والهائلة والمُستدامَة التي يكتسبها الفائزون بهذه الجائزة العالمية، فاعلاً محورياً لا يمكن تَجاهُل ما يتمتع به من حضورٍ طاغٍ في المجال العام، وتالياً ستحظى نشاطاتها في قضايا دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومناهضة منظومة الحكم السلطوي داخل اليمن وخارجه، بتعاطف عالمي ودعم دولي أثير ومتزايد. وما يعزز موقفها أكثر أن شخصيتها، وهي المرأة الشابة المُتحجِّبة، باتت تحظى باحترام على نطاق واسع في مجتمع ذكوري تسوده القيم الريفية والدينية المُحافِظة، ناهيك عن أن انتماءها الحزبي إلى "التجمع اليمني للإصلاح" ذي المرجعية الإسلامية، لم يمنعها من ممارسة دورها كناشطة حقوقية تدافع عن حقوق النساء والرجال على حدِّ سواء، وبالمثل فإنه -أي انتماءها الحزبي ذاك- لم يحُل دون تقديم نفسها كسياسية معتدلة ومنفتحة على مختلف التيارات اليمنية، ولذا فإنه لا يمكن إدراجها عملياً ضمن جماعة النخبة المعارضة السياسية التقليدية والمُحافِظة في البلد، وهذا أمر له أهميته بالنسبة للمستقبل. بيد أن هذا الحدث غير المسبوق في تاريخ اليمن، لن يمنع بكل تأكيد الجدل الذي سيثار حول "استحقاقية" كرمان بالفوز بجائزة كبرى في مستوى وحجم نوبل للسلام، سيما في هذا التوقيت الحرِج الحافل بالاستقطاب السياسي والصراعات المُسلحة، فضلاً عن أنه سيُعيد إحياء الشكوك المعتادة والمتكررة التي تطال هذه الجائزة ذات المنشأ الغربي، وسيتكرر الحديث بوجه خاص حول مراميها وأهدافها ودقة معاييرها التي ما انفك البعض يراها مُلغِزةً وغير مفهومة، في حين ينتقدها آخرون بشدة كونها جائزة مُسيّسةً وغير مُنزّهة عن الأهواء، ويقود هذا إلى اتهام الجهة المانحة لها بالتحيّز لنمط أيديولوجي معين ولقيم محددة يُراد عولمتها وفرضها بشتى الطرق. والحال أن تاريخ جائزة نوبل للسلام، تحديداً، يبقى محط نقاشات وتكهنات واتهامات عديدة نظراً للشخصيات المثيرة للجدل التي حازت على هذه الجائزة المُكرّسة أساساً، بحسب رغبة مؤسسها النرويجي ألفرِد نوبل، كي تروّج مبدأ السلام العالمي بين البشر، وبحيث ترسخ هذه القيمة الفُضلى والسامية في مواجهة نزعات الاقتتال والحرب والدمار. وحالة اليمنية توكل كرمان لن تكون استثناءً حتماً، وإن كانت لها خصوصيتها نظراً للظروف المعقدة والسياق المُلتبِس الذي حازت فيه على هذه الجائزة، وما قد يترتب على ذلك من نتائج وآثار ليست واضحة بعد. على أن ثمة أثراً افتراضياً يمكّن تلمّسه والإشارة إليه، يرتبط بطبيعة الأداء المنوط والمُنتظر من أي شخصية تفوز بهذه الجائزة العالمية المُعتبَرة، فمن ناحية أولى، سيكون هذا الأداء محكوماً نظرياً بالمبدأ الذي قُدّمت من أجله مثل هذه الجائزة، وثانياً بالسلوك الذي يتوقعه مانحوها والمرحبون بها من الشخص الحاصل عليها، وثالثاً بما قد يقوله المرتابون والمتشككون حول الموضوع برمته. ومن هنا، من المُرجّح أن تصبح كرمان التي قبلت الجائزة دون تحفّظ "مُقيّدة" في أدائها المستقبلي على نحو أو آخر، إذ تغدو محكومة بوظيفتها المُستحدَثة كـ"صانعة سلام"، وما يرتبط بذلك من سلوك "مُخملي" يُنتَظر أن تغلُب عليه الحصافة والحذر النابعين من المسئولية الملقاة على عاتق المرء الذي يقبل بأن يكون "نجماً وعَلَماً دولياً" يُشار له بالبَنان أينما حلّ وارتحل. لكن ما نخشاه حقاً أن يتحول "السلام" الموعود في ثنايا هذه الجائزة إلى فأل عكسي على الوضع الراهن شديد الاحتقان في اليمن، فيكون هذا الحدث الباعث على الانتشاء والبهجة والزهو في نفوس معظم اليمنيين، مجرد بوابة أخرى يدلفون عبرها إلى مشهد كابوسي مختلف يحكمه منطق "الحرب الأهلية". والنتيجة: دوامةٌ لا تنتهي من الصراعات العنيفة والمدمرة، يُصبِح فيها صُنْعُ "السلام" فضلاً عن الحديث عنه، أمراً لا يعني توكل كرمان وحدها بل يُشاطِرها همّه كل اليمنيين بلا استثناء! محمد سيف حيدر كاتب يمني ينشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©