السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن الخبرة.. قبل وبعد العرض

عن الخبرة.. قبل وبعد العرض
9 أكتوبر 2013 21:36
محمد حمدان بن جرش* إن التجربة الفنية في الإمارات هي تجربة مرتبطة عضوياً بتاريخ تأسيس دولة الاتحاد منذ عام 1971، ومن المعروف أن الإمارات شهدت منذ تأسيسها نقلات نوعية مهمة في مختلف المجالات، وهي اليوم تتبوأ مكانة مهمة على مستوى مؤشرات التنمية العالمية، ولا شك في أن ما شهدته الإمارات من تنمية قام وتعزز بفضل مؤسساتها التي راكمت على مدار العقود الأربعة الماضية خبرات مهمة، ومنها المؤسسات المعنية بالثقافة والفنون. إذاً، فنحن في حديثنا عن دور مؤسسة مثل مجموعة مسارح الشارقة لا يمكن لنا أن نعزل التجربة عن مجمل التجربة الإماراتية، فيكفي أن نشير إلى وجود بنية تحتية مهمة توافرت للمجموعة كي تنطلق منها، وهي بنية تحتية تتوافر على مجموعة من أماكن العرض المجهزة بمرافق خدمية متكاملة، فنحن لا نستطيع اليوم الحديث عن دور الفنون من دون الحديث عن البنية التحتية من مسارح ومرافق وفرق عمل وإدارات وإمكانات مالية، وغيرها من مستلزمات العروض الفنية. لكن من جهة أخرى، فإن البنى التحتية، وعلى أهميتها غير كافية لكي يأخذ الفن مساره ودوره في علاقته مع الشرائح المختلفة للمجتمع، ولكن من دونها أيضاً سيكون الحديث عن تطوير الفنون في عالم اليوم حديثاً يفتقر إلى الموضوعية والدقة. لقد توافرت لمجموعة مسارح الشارقة مختلف الإمكانات التي تسمح لها بالانطلاق في رسم خططها الاستراتيجية، وتفعيل نطاق عملها، وتبني مشاريعها، وبالتالي، لكي تكون قادرة على لعب دور مؤثر وحيوي في مجال الفن المسرحي، والانطلاق نحو الشرائح المجتمعية المختلفة. وهنا سأتوقف عند محطات مهمة ورئيسية في تجربة المجموعة، وأتمنى أن تكون وقفتي هذه كافية لإعطاء لمحة أساسية حول مساهمة مجموعة مسارح الشارقة في تعزيز دور الفن المسرحي في علاقته بالمجتمع الإماراتي. المسرح الجماهيري بعد تقييم تلك اللقاءات مع الفرق المسرحية قررنا في مجموعة مسارح الشارقة أن نقوم باختبار مهم حول المسرح الجماهيري، وبالفعل فقد خضنا نقاشات كثيرة مع عدد من المسرحيين والإعلاميين حول طبيعة الشكل المسرحي الذي يمكن له أن يستقطب الجمهور المسرحي، وفي هذا الإطار قمنا بتبني عمل مسرحي بعنوان “عجيب غريب” تأليف جمال سالم، وإخراج وبطولة النجم أحمد الجسمي، بالإضافة إلى عدد من أهم المسرحيين الإماراتيين، وبالفعل فقد حقق العرض حضوراً جماهيرياً كبيراً، حتى أننا اضطررنا لتمديد أيام العروض. إن التحدي في تبني هذا العرض كان ناجماً عن سلسلة من النقاشات التي دارت حول غياب الأعمال المسرحية التي يمكن أن تستقطب جمهور العائلة، خاصة أن الكثير من الأفكار المسبقة كانت تقول إنه من الصعب في بلد مثل الإمارات يشهد وفرة كبيرة في وسائل الترفيه يصعب على العرض المسرحي أن يستقطب الجمهور بشكل واسع، لكن في الحقيقة إن ما حدث هو العكس تماماً، فبعد أن قمنا بتقييم التجربة مع الجمهور نفسه تبين لنا وجود حاجة ماسة لدى شرائح اجتماعية مختلفة لحضور المسرح، ولمتابعة أعمال مسرحية تستطيع أن تحاكي واقعها المتغير، هو ما جعلنا في مجموعة مسارح الشارقة نضع في الحسبان ضرورة التنويع في الأعمال المسرحية التي ننتجها، وأن نوفر جميع العناصر التي يمكن لها أن تستقطب الجمهور، وخاصة جمهور العائلة، وفي الوقت ذاته الاهتمام بالعناصر المسرحية المختلفة التي توفر للعرض المسرحي كل مقومات العرض الجيد فكرياً وفنياً، وقد تابعنا عملنا في هذا الإطار، وتبنينا لاحقاً عدداً من العروض المسرحية من داخل الإمارات وخارجها، وتعمدنا التنويع في أماكن العروض بين داخل مدينة الشارقة أو في المنطقتين الوسطى والشرقية، كما عمدنا إلى الاهتمام بتقديم عروض جماهيرية للأطفال، وفي هذا الإطار استضفنا من الكويت أكثر من عمل للمسرحية هدى حسين وفرقتها. المسرح المدرسي نظمت مجموعة مسارح الشارقة الدورة الأولى لمهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، وهو مهرجان يغطي إمارة الشارقة كاملة، وقد انطلقنا في آلية عملنا من أهمية تطوير عمل المشرفين التربويين داخل المدارس نفسها، وذلك من أجل الوصول إلى عروض ناجحة، وقبل ذلك، من أجل إشراك أكبر قدر ممكن من التربويين في العمل المسرحي، ولهذا الغرض قمنا بالتعاون مع إدارة المنطقة التعليمية في الشارقة، وفي الجانب التنفيذي قمنا بوضع جدول لعدد من الورش التي أشرف عليها مختصون في التأليف والإخراج والسينوغرافيا والعلاقة بين الفن والتربية، وقد حضرها المعلمون والمعلمات من مختلف المدارس التي شاركت لاحقاً في المهرجان، وقد حرصنا على أن يتابع الإعلام مجريات هذه الورش، وهو ما أعطى انطباعاً مهماً لمختلف المشاركين بأن مشاركتهم مهمة وبأن هناك من يتابعها، ومن ينتظر نتائج عملهم. ومن أجل تعزيز الوعي بأهمية المسرح المدرسي قمنا بتكليف عدد من الباحثين العرب بتأليف كتاب حول تجارب المسرح المدرسي في بلدانهم، وهو كتاب صدر وتم توزيعه على مختلف المشاركين في المهرجان. وقد استغرقت مدة التحضير للمهرجان ما يقارب الستة أشهر، وقمنا بتوفير مختلف مستلزمات العروض المسرحية، والمتابعة معهم من خلال اللقاءات المباشرة مع المشرفين على العروض، ومعرفة ما يعترض طريقهم من عقبات، والمساهمة في حلها، وهو ما جعل من فترة التحضير والتهيئة للمهرجان فرصة مهمة لنا في مجموعة مسارح الشارقة للتعرف إلى طبيعة العمل التربوي، وإلى قضاياه، وإلى اهتمامات العاملين فيه، وإلى طاقاتهم، وكل ذلك ساهم في جعل فترة المهرجان بمثابة تتويج لحركة ودورة متكاملة بين المؤسسة والمجتمع وممثليه من تربويين وطلاب، وفي بعض الأحيان إلى بناء علاقة مع ذوي الطلاب أنفسهم. دورات التأهيل في سياق عملنا اهتممنا بشكل خاص بجيل الشباب، وتحديداً الشباب الجامعي، وعقدنا سلسة لقاءات مع طلاب نادي الفنون في جامعة الشارقة، واتفقنا معهم على أن نقيم لهم سلسلة من الورش المسرحية في مختلف المجالات، وكانت الورش بالتعاون مع مسرحيين إماراتيين وعرب، وقد استفدنا في هذا الإطار من الاتفاقات التي كانت مجموعة مسارح الشارقة قد أبرمتها مع بعض المعاهد المسرحية العربية. لقد أطلقنا على هذا المشروع اسم “برنامج التأهيل المسرحي المستمر”، وأتت التسمية من الحاجة إلى وجود عملية تأهيل دائمة للكوادر الشابة، بحيث تتم تنمية المدارك الفنية للشباب عبر الورش المختلفة، وبالفعل فقد أقيمت ورش متعددة، غطت مختلف مجالات العمل المسرحي، وتم تتويج الورش بأعمال فنية، ومنها “روما تحترق”، وقد شارك العمل في مهرجان المسرح الجامعي في الإمارات، وحاز العديد من الجوائز، بالإضافة إلى أن العرض تم تقديمه في أكثر من مناسبة، وقد حظيت العرض بإقبال كبير من قبل جمهور الشباب الجامعي. ومن الجدير بالذكر هنا أن نشير إلى أن عمل “روما يحترق” قام شباب نادي الفنون بالمساهمة فيه من جوانبه كافة، وليس فقط عبر الأداء، ولمسنا مدى الجدية لديهم في التعاطي مع المسرح، حيث شكل لهم العمل فرصاً عديدة، وفي مقدمتها فرصة التعبير عن ذواتهم، بحيث تم تطوير فكرة العمل، وشكل إخراجه بشكل جماعي، وصولاً إلى شكله النهائي. الإصدارات في مجال الإصدارات اهتمت مجموعة مسارح الشارقة منذ انطلاقتها بأن تساهم في رفع الوعي المسرحي، وبعد ثلاثة أشهر من انطلاقة عملنا في المجموعة قمنا بإصدار نشرة شهرية، بعنوان “المشهد”، وقد حرصنا على أن تتسم بالتنوع، وقد طرحت “المشهد” قضايا المسرح المحلي الإماراتي، وتابعت أعماله بالقراءة والتحليل والنقد، كما فتحت نافذة للتواصل مع الأعمال المسرحية العربية، ونافذة أخرى على جديد المسرح العالمي، بالإضافة إلى مقالات متنوعة في الموسيقى والثقافة المسرحية وعرض الكتب المسرحية الجديدة، وترجمة مقالات حول المسرح العالمي، وغيرها. من جهة أخرى، قمنا على التوازي من ذلك بنشر وترجمة كتب مسرحية، وفي مقدمتها كتاب “فن الممثل” للمخرج الروسي ميخائيل تشيخوف، وترجمة المخرج نادر قاسم، وكتاب “الشاعر في المسرح” تأليف رونالد بيكوك، وترجمة المسرحي والشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان، وكتاب “المسرح وحوار الحضارات” للناقد عبد الناصر حسو، وعدد آخر من الكتب التي اهتمت بالجانب التوثيقي، ومنها “تجارب عربية في المسرح المدرسي”، و”تجارب عربية في المسرح الجامعي”، و”التجريب في المسرح العربي” ، و “موسوعة المسرح العربي”، وتضم مسيرة المسرح تاريخياً في 19 بلداً عربياً، وقد ترأس تحريرها الكاتب والإعلامي السوري حسام ميرو، وشارك فيها نخبة من المسرحيين العرب. * باحث إماراتي، ومدير عام المدينة الجامعية بالشارقة والمدير السابق لمجموعة مسارح الشارقة، وقد أتت هذه الورقة ضمن مشاركة الباحث كممثل لدولة الإمارات في الملتقى الدولي الأول للفنون وحوار الثقافات الذي في أقيم في الفترة من الخامس والعشرين وحتى الثلاثين من شهر سبتمبر الماضي، بأربع مدن مغربية هي الرباط وسلا وزمور وزعير، وبإشراف وتنظيم جمعية المغرب المتوسط للتنمية والتعاون، وشارك في الملتقى نخبة من الأدباء والمفكرين والفنانين والناشطين الثقافيين العرب والأجانب من آسيا وأوروبا وأفريقيا ودول أميركا اللاتينية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©