الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضحايا وليسوا آثمين

ضحايا وليسوا آثمين
9 أكتوبر 2013 21:35
حلمي النمنم بات أطفال الشوارع يشكلون ظاهرة اجتماعية وإنسانية خطيرة، يمكن أن تتحول إن لم تكن تحولت بالفعل إلى موجة عنف وإجرام، على النحو الذي بدا مع احتراق مبنى المجمع العلمي المصري بالقاهرة، قبل حوالي عام ونصف العام الظاهرة لا تتعلق ببلد من دون آخر، هي ظاهرة عالمية تنامت خلال العقدين الأخيرين، وهي أكثر انتشاراً في دول العالم الثالث، خاصة مع بروز العولمة و النظام الاقتصادي العالمي وأزماته المتتالية، وما يترتب عليها من آثار إنسانية واجتماعية يتحملها الفقراء أكثر. ويفاجئنا د. محمد رفعت الإمام بأن المشكلة قديمة في مصر لذا وضع عنها كتابه “أولاد الشوارع في مصر 1883 ـ 1949”، ويصفهم بأنهم مشردون ومطاردون ومنحرفون، بدأ بعام 1883، لأن قانون العقوبات اعترف بهذه الظاهرة وخصص لها مواد عدة، أما عام 1949 فقد شهد صدور قانون خاص بهم، وهو “قانون الأحداث المشردين رقم 124 لسنة 1949”، وكان هذا القانون تتويجاً للجهود الأهلية والرسمية معاً لمكافحة هذه الظاهرة. شخصية «محفوظية» والحق أن المصلحين والمهتمين بالشأن العام من الكتاب ورجال السياسة أثاروا هذه المشكلة، ونبهوا إلى خطورتها. يكتب محمد علي علوبة “باشا” عام 1944 منبهاً ومحذراً “إذا نظرنا إلى بلدنا رأينا عجبا، رأينا أطفالاً متشردين في الشوارع والأزقة بحالة لم أرها في أمة محترمة، بدت على أجسامهم آثار الضعف والمسغبة، وفي كثير منهم نزوع إلى اقتراف أنواع جرائم من السرقة والفجور.. هم ضحايا قبل أن يكونوا آثمين”. وفي الفترة نفسها لاحظ علي حلمي بك قائد كلية البوليس الملكية - كلية الشرطة الآن - أن أغلب الجرائم ترتكب عادة بواسطة صغار السن، خاصة حوادث النشل وسرقات المنازل ليلاً. ومن يقرأ رواية نجيب محفوظ “زقاق المدق” يلاحظ رصده لهذه الظاهرة من خلال شخصية “ظيطة.. صانع العاهات” الذي كان يلتقط هؤلاء الأطفال ويدربهم على أعمال النشل أو التسول لحسابه في شوارع القاهرة، وكتب محمود بيرم التونسي قصيدة متعاطفا مع هؤلاء الأطفال وما يقع عليهم: حا يفوت أغسطس وسبتمبر وجاي خريف يقصف فروع الشجر لما يهب عنيف وانتم يا أطفال حيارى من رصيف لرصيف. ثم ينهي التونسي قصيدته مندداً ومناشدا المسؤولين الاهتمام بأطفال الشوارع: من قبل ما تزخرفوا وتزينوا الميادين صونوا الطفولة اللي صانوها اللي ما لهم دين ويجمع الدارسون على أن هناك أسباباً عديدة وراء تلك الظاهرة، في مقدمتها الفقر، يدفع فقراء المدن أبناءهم إلى الشوارع، حيث لا يعمل الأب ولا يجد مصدرا للرزق، وفي بعض الحالات يتيتم الطفل فلا يجد من يرعاه فيندفع إلى الشارع يتعلم التسول والإجرام، وهناك كذلك الهجرة من الريف إلى المدينة، حيث يهرب البعض من سوء المعيشة في الريف، ويتصور أن الإنقاذ في المدنية، فلا يجد المهاجر المأوى ولا يعمل فيبتلع الشارع الأطفال، ويضاف إلى ذلك ظاهرة التسرب من المدارس، حيث لا تستوعبهم المدرسة ولا تتمكن أسرة الطفل من الإنفاق عليه، وهناك سبب آخر ـ ربما لم يعد قائماً الآن ـ وهم الأطفال الذين يأتون سفاحاً، وكان ذلك يحدث حين كانت بيوت البغاء مرخصاً بها، وتم إغلاقها عام 1949 على النحو المعروف. القسوة والعبء وبعض أطفال الشوارع من أولئك الذين تدفع بهم أسرهم إلى العمل في الورش والمشاغل، حيث يعاملون بقسوة ويضربون ثم ينالون أجراً ضعيفاً، مما يضطرهم إلى الهرب من العمل ومن الأسرة كذلك، صحيح أن هناك قوانين ولوائح حكومية تحدد سن التشغيل، لكن الرقابة والالتزام بالقوانين ضعيفة، ومع التفكك الأسري يترك الطفل وحال سبيله، أي الشارع وما يجره عليه من ويلات. هناك فئة من أطفال الشوارع من المعاقين أو ذوى الاحتياجات الخاصة، وقد لا يكون هؤلاء من أبناء الفقراء لكن لأنهم عبء ويحتاجون إلى رعاية طبية واجتماعية خاصة لا تتوافر لهم، لذا يتركون إلى الشوارع، حيث يستغلون في ارتكاب الجرائم. وفي الثلاثينيات من القرن الماضي كانت نسبة 95 في المئة من أطفال الشوارع يتركزون في القاهرة وفي الإسكندرية، وقد لا يدرك كثيرون أن بداية الحديث عن تنظيم الأسرة في مصر كانت بهدف الحد من انتشار هذه الظاهرة، حيث لوحظ أن البعض من الأسر تنجب أطفالاً عدة من دون أن تكون لديهم إمكانات معيشتهم، بدءاً من المنزل المناسب إلى التغذية وتربية الطفل، وصدرت قوانين العمل لتبيح تشغيل الصبيان في مشاغل الحلج والغزل، بهدف الحد من بقاء الأطفال في الشوارع. وتثبت إحصاءات ذلك الزمان أن 80 في المئة من حوادث السرقة والنشل والسطو على المنازل، فضلاً عن أعمال أخرى مخالفة للقانون كالتسول كان يقوم بها هؤلاء الأطفال أو الأحداث. وإذا كان الكتاب والمصلحون هم من نبهوا إلى تلك الظاهرة، فضلاً عن الأعمال السينمائية منذ عام 1942، وبلغت ذروتها مع فيلم “جعلوني مجرماً” عام 1954، فإن الجهود الأهلية هي التي بدأت بالعمل على التصدي لهذه الظاهرة، حيث أُسست دور خاصة لرعاية الأيتام والفقراء، بالإضافة إلى العديد من الملاجئ ودور الرعاية لهم، لكنها لم تكن كافية لذا استمرت الظاهرة في النمو والاتساع. الملامح التي يقدمها الكتاب تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين فما الحال الآن، وقد تضاعفت الأعداد وازدادت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سوءاً، ونمت المجتمعات العشوائية، وأضيف إلى انحرافات الأطفال ارتكاب جرائم مثل القتل والنهب والإحراق؟ وليس بعيدا عن الأذهان عصابة “التوربيني” التي قادها أحدهم في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من أن أمر هذه العصابة أصاب الكثيرين بالقلق وفجر مشكلة أو كارثة أطفال الشوارع، فإن الأمر لم يمتد إلى محاولة العلاج، وتقديم الحلول لها. الكتاب: أولاد الشوارع في مصر 1883 -1949 مشردون ومطاردون ومنحرفون المؤلف: د. محمد رفعت الإمام الناشر: القدس للنشر والتوزيع
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©