الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حديث النبي والنملة درس في الصفح وكظم الغيظ

حديث النبي والنملة درس في الصفح وكظم الغيظ
13 أكتوبر 2011 19:30
الإعمار والإصلاح من المقاصد العليا للإسلام وحول هذه الغاية تدور مناهجه وشرائعه وتتركز توجيهاته، ولذلك حض على البذل والعمل والسعي لتحقيق التقدم وتنمية المجتمع الإنساني كله، ورفض التخريب والهدم والفساد في الأرض، ودعا إلى المحافظة على النعم والخيرات والمقومات المادية اللازمة لبناء الحضارات والحرص على تنميتها والاهتمام بها بكافة السبل وتسخيرها لخدمة الإنسان وسعادته، ويقول الله تعالى: «والله لا يحب الفساد» 205 البقرة. (القاهرة) - ويقول الدكتور كارم غنيم الأستاذ بجامعة الأزهر ورئيس جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة، إن الرسول صلى الله عليه وسلم حرص على تعليم الأمة سنن الهدى في عبادة الله سبحانه ومعرفته وتزكية النفس، وإعمار الكون وإصلاحه وتجنب المحرمات والالتزام بمكارم الأخلاق وطلب العلم والرزق والتعامل بالبر والانتهاء عن كل منكر. وأكد أن الحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عن النملة والنبي الذي بعث في الأمم السابقة من الأحاديث التي تعلمنا الإحساس بالمسؤولية واستشعار المراقبة الذاتية والتحلي بالصبر والتسامح والعفو ومقاومة بواعث الانتقام والرغبة في الانتصار للنفس، ونبذ دعوات التخريب والعنف والعدوان التي تجلب الظلم والطغيان والمفاسد والقصة التي اخبرنا بها الرسول- عليه الصلاة والسلام- رواها الإمام البخاري والإمام مسلم، يقول الرسول-صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه أبو هريرة- رضي الله عنه:» نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة، فأمر ببيتها فاحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة ؟ «، وفي رواية الإمام مسلم، يقول الرسول-صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: «فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ؟». موعظة وعبرة وقال إن قصة النملة ونبي الأمم السابقة عرضها الرسول صلى الله عليه وسلم بإيجاز شديد لتكون أحداثها ودروسها موعظة وعبرة للإنسانية، موضحا أن النبي-عليه الصلاة والسلام- في عرضه لهذه القصة لا يحدثنا عن مكان أمة هذا النبي وموقعها الجغرافي، ولا عن انتمائها وحسبها ونسبها وعراقتها، لأن هذه الأمور ليست بذات أهمية في منهج القصص النبوي سواء فصل العرض أو اختصر، إنما يركز، صلى الله عليه وسلم، في الحديث المتفق على صحته على المواقف والمواعظ والأحداث المعبرة. ويضيف أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قص علينا أن نبيا من أنبياء الأمم السابقة كان في يوم يسير في بعض حاجته حتى أضناه المسير، فنزل تحت شجرة يستريح في ظلها من مشقة السفر وعنائه، ثم جعل متاعه على مقربة منه، ويقدر الله سبحانه أن يجلس ذلك النبي فوق قرية من قرى النمل، فما استقر جالسا حتى قرصته نملة قرصة آلمته بشدة، فغضب غضبا شديدا، وقام من فوره وأمر أتباعه أن يرفعوا مجلسه، فنظر إلى أسفل الشجرة، فرأى النمل يسير بانتظام، يحمل قوته إلى بيته أسفل الشجرة، ويعمل بدأَب ونشاط صاعدا نازلا في كافة الاتجاهات، ولم يتمالك نفسه وأمر أتباعه أن يضرموا النار في بيت النمل فأحرق القرية كلها. ويقول الدكتور سيد نافع- الباحث الاسلامى- إن العتاب الالهي لهذا النبي الكريم حينما أهلك قرية كاملة من النمل كما جاء في الحديث كان سريعا وحاسما، مضيفا أن كتب السنة ودراسات الحديث ذكرت أن الله تعالى أوحي إليه معاتبا ومعلما: الأجل نملة واحدة آذتك في نفسك، تُهلك أمة كاملة تسبح الله في غدوها ورواحها ؟، لأنه لم يقدر أن النملة ربما تأذت حين جلس فوقها، أو لعلها قرصته خوف أن يطحنها، أو أنها تصرفت مدفوعة بغريزتها لتحمي مملكتها، كما انه اخطأ في رد فعله وقوته واتسم تصرفه بالقسوة البالغة، فلم يكتف بقتل تلك النملة جزاء وقصاصا على أذيتها، بل أمر بإحراق القرية كلها، ولم يطرح على نفسه السؤال عن ذنب بقية قرية النمل التي أهلكها حرقا، وهو ظلم بين، وتصرف لا ينبغي أن يكون. تسبح الله وتقدسه وأشار إلى أن النمل أمة من الأمم التي خلقها الله سبحانه، وهي تسبح الله وتقدسه مثل بقية الكائنات، ولا يجوز للإنسان الاعتداء عليها إلا إذا آذته، ويؤكد أن الدراسات الحديثة توصلت إلى حقيقة أن المخلوقات من الطيور والحيوانات كلها أمم أمثالنا، ويقول الحق سبحانه:» وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم « 38 الأنعام. وقال إن الله تعالى عاتب ذلك النبي ولامه على ما فعله لأنه انتقم لنفسه وتجاوز في العقوبة، وعاقب البريء بجريرة المذنب وقتل أمة تسبح الله، ويقول الله تعالى:» وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم « 44 الإسراء. وأضاف أن العلماء ذهبوا إلى أن ظاهر هذا الحديث أن الله تعالى عاتب النبي الكريم لأنه أهلك جمعا آذاه منه واحد، وكان الأولى به الصبر والصفح، موضحا أن الحديث محمول على أن شرع ذلك النبي-عليه الصلاة والسلام- كان فيه جواز قتل النمل، وجواز الإحراق بالنار، ولم يعتب عليه في أصل القتل والإحراق، بل في الزيادة على نملة واحدة. ولكن في شريعة الإسلام لا يجوز الإحراق بالنار للحيوان، مصداقا لقوله- صلى الله عليه وسلم:» لا يعذب بالنار إلا رب النار «، وأباحت الشريعة بقتل الحيوانات المؤذية بطبعها لكثرة ضررها وفسادها. الفوائد التربوية ويقول الدكتور أحمد يوسف سليمان الأستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة إن الدروس والفوائد التربوية التي أبرزها الحديث كثيرة وتتجلى في الحرص على الارتقاء بسلوك المسلم وغرس القيم والمبادىء والتوجيهات الإسلامية في شخصيته وسلوكياته وتصرفاته، مضيفا أن الحديث عني بأهمية معاني الإحساس بالمسؤولية واستشعار المراقبة الذاتية من خلال تربية الفرد على التحرز من قتل نملة واحدة بغير حق، فمن يعظم داخله هذا الإثم لا يمكن أن يقدم على سفك دم إنسان حراما أو يفكر في أكل أموال الناس بالباطل، أو يعيث في الأرض فسادا وإهلاكا، بل يصبح نموذجا راقيا في تحري المحافظة على نفوس العباد والأعراض والأموال. ويوضح أن القصة النبوية تضمنت العديد من التوجيهات الإلهية المهمة التي تبين للنبي-عليه السلام- الأليق بمقام نبوته والأنسب لمكانته، وتؤكد ضرورة أن يتعامل مع الموقف بروح الصبر والمسامحة، ولا ينزلق وراء رغبات الانتقام للنفس وأهواء البطش والغلظة والقسوة في التعامل مع المخلوقات، مشيرا إلى أن الحديث يحذر من الغضب لأثاره الخطيرة التي يمكن أن تدفع الإنسان إلى ارتكاب الموبقات والجور والاستهانة بالشر والتهور في التصرفات والمبالغة في المواقف. وقال إن العدل والإنصاف من أعظم الإشارات التي تبرزها القصة، مؤكدا انه كان أولى بالنبي الكريم أن يعاقب المخطىء فقط وهي النملة لا غيرها، ويقول الله تعالى:» ولا تزر وازرة وزر أخرى «، فالحرص على العدل والاجتهاد في العمل به أقرب وأكمل للتقوى. ويضيف أن قضية العبودية أبرزها الحديث وشدد على بيان أن الكون بجميع مخلوقاته قد دان بالعبودية لله وحده وأسلم له طوعا واختيارا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©