الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بداية النهار

2 أكتوبر 2013 19:51
في صباح ذلك اليوم أشرقت الشمس فجأة بعد غياب، عرف بيتنا للمرة الأولى منذ شهور نور بسمة أطلت خجلى على وجه ابني إبراهيم، رغماً عني تبسمت له، ولأنني منذ لازمت الفراش أجلس في حجرتي طول الوقت، ليس لديّ ما أفعله إلا النظر عبر الباب المفتوح إلى وجوه العابرين أمامي، ومراقبة تعبيرات تلك الوجوه، والتقاط ما أستطيع التقاطه من العبارات المتطايرة، أقوم بتحليل الأمور وأصل إلى نتائج شبه يومية، أقوم بالتأكد من صحتها عن طريق مناقشات عابرة مع كل منهم حينما يدخل حجرتي، إما للاطمئنان عليّ مثل ولدي إبراهيم وزوجته، أو أحفادي وخاصة الصغير محمود صاحب اللسان المنطلق، الذي لا يقيده لجام، يدخل حجرتي صباحاً وأنا مازلت راقداً، أعرف أنه هو من وقع خطواته، ومن طعم رائحته في أنفي، ومن طريقة فتحه للباب، أغمض عيني متعمداً، يهرول نحوي، يلقى التحية تحريرياً وشفهياً معاً كما تعودت منه، أما التحريري فهو قبلة على خدي يعقبها الشفهي: ـ صباح الخير يا جدي أفتح عينيّ: صباح الخير يا صاحبي. يقول ما لديه، أناقشه جاداً، وأحاوره في أمور شتى، تصرخ أمه طالبة منه التحرك فوراً للذهاب إلى المدرسة، يختطف قبلة من خدي باسمه وهو يقول بلسانه الصغير: مع السلامة يا صاحبي. يرتفع صوتى خلفه: مع السلامة يا صاحبي. غير أنه انقطع عني منذ زمن، تعب قليلاً، ذهبوا به للمستشفى، من يومها لم يعد يدخل عليّ صباح كل يوم قبل أن يذهب إلى المدرسة كما عودني، ولم أعد أراه بعد الظهر، سألت عنه مراراً، قيل: إنه أصر على السفر مع أخيه في عمله البعيد، ولأنني في جلستي تلك بالحجرة أعتمد على عينيّ، أرى بهما الوجوه المارة وألتقط الكلمات المتطايرة عرفت الحقيقة وبكيت، تزاحمت أحزان العمر على صدري، رأيتني بكل مالديّ من عمر أبكي كما لم أبك من قبل، ملأت الدموع جوانب صدري دون أن أمتلك القدرة على البوح بها، أو إظهارها فوق عينيّ، احترمت صمتهم وكتمانهم الأمر عني خشية تطور مرضي، ومحاولتهم إخفاء وجوههم الحقيقية خلف أقنعة تحمل ابتسامات زائفة، خاصة إبراهيم ولدي الذي كان يهرب بعينيه من عينيّ، حتى كان اليوم وأنا أجلس إلى جوار النافذة صباحاً، أقرأ النهار من لون السحب، أتأمل نور السماء، قابعاً في بؤرة صمت جرداء، بينما السؤال اليومي الذي يصاحبني هذه الأيام يمر بمخيلتي كعادته متمهلاً: (هل يقدر لي أن أرى بداية النهار غداً أيضاً؟) لحظتها دخل إبراهيم حاملاً ملامحه التي تفيض بالبشر، سألته: ما بك؟ تهلل وجهه: رأيت محمود في المنام بكيت!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©