السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوحش

الوحش
2 أكتوبر 2013 19:50
بقلم: خايمي دياث * ترجمة: د. طلعت شاهين عدت الى بيت أمي قبل أيام قليلة. بعد عشرين عاما عشتها في الخارج، عدت إلى مسقط رأسي وبشكل خاص عندما عدت إلى ذلك البيت تقافزت إلى رأسي الذكريات، ورغم أن المدينة طرأت عليها تغيرات كبيرة إلا أن أمي احتفظت بالبيت كما كان تماما مثل ما كنا كعائلة كبيرة العدد تعيش في بيت كبير. رغم أن الجميع قد ذهبوا، فقد مات أبي قبل زمن، وتبعه أشقائي الآخرون، أما أمي، التي كبرت في السن، فقد كانت تشارك حياتها مع كلب “دوبرمان” يراقبني الآن بنظرة متعبة من خلف قضبان باب الفناء. وغرفتي كانت هناك، لم يطرأ عليها أي تغيير، نائمة في الزمن ويلفها الصمت، مثل صورة يزيلون عنها التراب يوميا، ولكن حال لونها، وتلفها ذكريات ذهبت ولن تعود. حين دخلت البيت أقبلت عليّ كل الذكريات. ذكريات طفل عاش سعيدا في هذا البيت، ذكريات أصدقاء قدامى، بعضهم كان قد مات، وذكريات أفضل الأحلام... وأيضا ذكريات لكوابيس مرت بي هناك. ذكريات ذلك الوحش. لم أعد أذكر متى ظهر هذا الوحش لأول مرة في أحلامي، ولكني لازلت أذكر تلك الليالي الكاملة التي لم أنم فيها بسببه، خاصة من ذلك الدولاب المواجه لسريري الذي كان بابه مواربا وتطل منه عينان حمراوان وعميقتان تطلان في الظلام، كنت أود أن أغلق عيني دفعة واحدة، ولكن الرعب كان يمنعني وكان صوت تنفسه يصل إلى أذني، بل وكنت أشعر بسخونة أنفاسه، وحتى في بعض الليالي المضيئة كنت أميز بعضا من ملامحه. وفي أحيان كثيرة كان يبدو أكثر وضوحا، فيبرز وجها مضببا، بأنياب ضخمة تتساقط منها قطرات اللعاب وله قرون معكوفة، وكنت أحيانا أتخيل أنه يبدو مبتسما، يكون على هذا النحو بينما كنت أتدثر بغطائي جيدا وفي بعض الأحيان أصرخ، وسرعان ما يأتي أبواي لنجدتي ولكن ساعتها يكون الوحش المخيف قد اختفى. صرخت في إحدى المرات عندما شعرت به يقترب مني، شعرت بأنفاسه بالقرب مني، فيما كنت أغطي وجهي بالشراشف، وسمعت صوته لمرة واحدة، كان مرعبا وأجشّ، كان جارحا ويصيب بالخرس، قال لي: “سآتي دائما لإصابتك بالرعب، فأنا أعرف كل أفعالك، الطيب منها والشرير، وأعرف ما الذي يخيفك، وما تشتاق إليه”. مع مرور الزمن بدأ الوحش يختفي مع دخولي إلى سن المراهقة، بدأت أدرس وأسافر إلى أن أصبحت مهندسا، درست الإدارة المالية والاستثمار، تزوجت، وأنجبت أبناء، وانفصلت عن زوجتي، وتركت عائلتي، وبدأت مرحلة الصعود في سلم إدارة المصرف الذي أعمل فيه حتى تحولت فجأة إلى شخصية مهمة جدا، أخطط للاستثمارات، وأقيم المشروعات، أسرق الفقراء وأمنح أموالهم للأثرياء، لأنهم هم من يدفعون لي العمولات. والآن جئت إلى هنا، لأعد العدة لقضاء ليلة في غرفتي القديمة التي كان يهاجمني فيها الوحش. في حوالي الثالثة والربع صباحا شيء ما أيقظني، وبشكل لا إرادي نظرت باتجاه الدولاب فوجدت مخالب سوداء وأظافر مرعبة تفتحه، وبدأت ضربات قلبي تتصاعد بقوة إلى أن برزت أمامي عينان حمراوان وسمعت صوت شهيق مسموع يكسر الصمت. وفي رعبي واصلت متابعة مشهد خروج الوحش فيما كان ضوء القمر يضيء هيئة صماء، كثيفة الشعر ولها انحناء بارز في الظهر، له مخالب تمسك بالأرض وأنياب كبيرة كان يمكنها أن تلتهم طفلا صغيرا بسهولة. أردت أن أضيء النور، ولكن هذا الرعب الذي كان يبدو أنه على وشك الانقضاض عليّ، كان قد تملكني، ويريد الانقضاض عليّ، مد مخالبه وسحب عني الشرشف. وتعبيرات وجهه لا يمكنني أن أصفها، ولكن في لحظة فجائية بدا عليه الخوف، وبدأت أنا في الاستيقاظ وبدأ الوحش يخفي وجهه، ورأيته يصغر ويصغر، وشاهدت كيف أنه انكمش حتى أصبح كائنا صغيرا ونحيلا، مرتعبا يحاول الهرب والعودة إلى الدولاب، صرخت فيه: “يا أنت” وبصوت خفيض ومليء بالألم أجابني، فقلت له: “ابتعد أيها الوحش، فأنا أعرف كل حيلك وكل أفعالك وأعرف كل ما فعلت، وأعرف أحلامك، وأعرف إلى أي وحش تحولت”. وحين لحق بالدولاب، اختفى فيه. أضأت النور ونظرت إلى الدولاب الفارغ، وفي لحظة خاطفة حولت بصري باتجاه المرآة وللحظات لم أشاهد نفسي في المرآة، بل شاهدت كائنا آخر من الكوابيس، شاهدت وحوشا لا عدد لهم يخرجون من الدولاب: إنه الواقع. لقد أصبحت الوحش الذي تخشاه الكوابيس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©