الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في جمهورية الفئران

13 يناير 2007 23:26
لا أذكر متى انتميت إلى هذه الجمهورية وكيف أصبحت من رعاياها الميامين· ولا أعرف على وجه التحديد إذا كانت هذه الهوية قد رافقتني منذ الولادة، أم أنها ''هواية'' قاتلة اكتسبتها من تجارب العيش في ديارنا الأبية· كل ما أعرفه هو أن هناك صنفان من الفئران في جمهوريتهم الزاهرة··· الصنف الأول هو فئران التجارب باعتبارها أداة مثالية بالنسبة لعلماء الصحة والمورثات والسلوكيات، وهي بحسب ما قرأت تنتخب أو تنتج وفق مواصفات خاصة· أما الصنف الثاني فهو فئران دائرة الخوف التقليدية: يخاف الفأر من الهر، والهر من الكلب، والكلب من الرجل، والرجل من المرأة، والمرأة من الفأر· وقبل أن أواصل أشعر أن فأرة الكومبيوتر الذي أستخدمه تمتعض من عدم تصنيفها، مهددة بالاعتصام في تقليد مبرر للبنانيين بالتضامن مع ''ميكي ماوس''· أزعم أن هذه المقدمة ضرورية لتوضيح الإطار الذي سأروي فيه سيرة ملايين الفئران وكاتبها، على طريقة عبد الرحمن الجبرتي، مؤرخ الحملة الفرنسية، في الإشارة إلى نفسه· وليس الأمر تشبها بمؤرخ عظيم، ولكن من حقي أن أدوّن من سيرتي وأقراني ما أهمله المؤرخون، وتجاوز عنه الرواة، ونفر منه مغنو سير الأبطال الشعبيين على الربابة، خصوصا وإن مدعي البطولة وحاملي سيوف الشجاعة يزعمون أن سيرتي لا تستحق أن يغنيها شعبولا وقبله عدوية وقبلهما محمد طه والريّس متقال· عند الغوص في أعماق المسألة أستطيع أن أتلمس أن إرهاصاتها تعود إلى أيام الامتحانات الشفهية في المرحلة الابتدائية· فحين يحين الدور على كاتب سيرة الفئران، كنت تجد كتلة هائلة من غدد التعرّق أمام حضرة الأستاذ أو اللجنة الفاحصة مترافقة مع تحشرجات صوتية تشبه صوت محرك سيارة ''فورد'' شهد الحرب العالمية الأولى، تتناغم مع نبضات قلبية تزيد عن 8 درجات على مقياس ريختر· كان يمكن أن تكون هذه الحالة مؤقتة ومرهونة بالظروف التي يعيشها تلميذ في نظام تعليمي يقوم على قاعدتي الحشو والرصً، ولكن يبدو أن قاعدة النظام المرصوص كانت أوسع من ملاعب المدارس وغرف التدريس، على الرغم من عدم وجود قاعدة محددة لعملية الرصّ نفسها· فهناك احتمال أن يكون الرصّ عموديا أو أفقيا، بالطول أو بالعرض، على السطح أو في العمق، وفي كل الحالات عليك أن تكون مستعدا للتكيّف مع مزاج الراصّ والمرصوص··· طبعا هذا الكلام ينحو باتجاه التورية كنتيجة طبيعية لكل ما سبق، والتورية صيغة لم تكن تنفع مع ''أساتذة'' ترتفع رؤوسهم فوق نجوم تستريح على أكتافهم: ''نعم يا حبيبي؟ هل تستهبل علينا؟''· ينطلق السؤال كصاروخ نووي كوري لم ينتبه لقرارات الأمم المتحدة ولم تصله الترجمة الفورية لتهديدات كوندوليسا رايس، ويخترق هدفه على الفور: تدمير نظام المناعة المعنوية غير المكتسبة المعروف اصطلاحا باسم 3 (لدي حقوق الملكية الفكرية لهذه التسمية)· وحتى هذه النقطة تبقى المسألة في حدود المعقول والمقبول، إلى أن يمتلك كاتب سيرة الفئران جواز سفر وتأشيرة وتستعد ردهات المطارات العربية لاحتضانه· هناك لا ينتظر جهاز المناعة أي عامل خارجي يقضي عليه، بل يستبق الأمور بعملية تدمير ذاتي تعيد الاعتبار لقاعدة: كاد المريب يقول خذوني· ويبدو أن ''الأساتذة'' في كل المطارات العربية قد تخرجوا من مدرسة واحدة، فلا تعوزهم جهود كبيرة لاكتشاف المريب والتدقيق في سحنته واختبار طبقات صوته ورصد حركة عيونه وتسجيل نبضات قلبه، ثم إبلاغه بقرار لا راد له، بعد حجز الجواز: ''إتفضل ارتاح''· تسأل نفسك ترتاح من ماذا وكم تطول الراحة؟ فلا تعثر على جواب طيلة ساعة أو ساعات، إلى أن يقبل فراش برتبة قائد جناح يدعوك أن تتبعه إلى مكتب حضرة الرائد· والحقيقة أنه رغم ثراء تجربتي في هذا المجال فإنني حتى الآن لا أعرف لماذا يكون الشخص الذي تستدعى إليه ''حضرة الرائد'' ولا يكون مثلا نقيبا أو عقيدا أو جنرالا· ظل هذا اللغز يثقل عليّ إلى أن فتح الله الأجواء من المطارات العربية إلى المطارات الأجنبية، في رحلة مفعمة بأمل التخلص من المريبين والمستريبين· قبل الوصول إلى مطار ''هيثرو'' البريطاني، تفقدت جهاز مناعتي، وتلمست سحنتي للمرة المليون لكي أتأكد أن لا شبه يجمعني مع الإخوة في تورا بورا أو مثلث الموت إياه· وجاءت ابتسامة موظف الجوازات العريضة تبعث الإطمئنان، الذي تعزز أكثر مع عبارة ترحيب تمنحك لقب ·زةس أسعدني الاستقبال واللقب فسألت الرجل عن الطقس في بلادهم· أجابني بتهذيب مكررا استخدام اللقب الجميل في بداية كل جملة أو نهايتها· أطربني ما أسمع فتماديت بالأسئلة السخيفة مستزيدا من سماع اللقب الذي يغدق به عليّ رجل أمن· لم أنتبه في غمرة الفرح إلى عملاقين يقفان وراء موظف الجوازات، أحدهما اكتمل صلعه والثاني يقاوم، بينما يد الموظف الودود تمتد إليهما بجواز سفري· ابتسم لي صاحب الصلعة المكتملة وقال: أرجو أن تسير معنا بهدوء زةس، سوف نطرح عليك بعض الأسئلة، وأرجو أن تكون صبورا زةس، لأن الأمر قد يطول··· كان الرجل يلبس بذة مدنية فلم أستطع معرفة إن كان يحمل رتبة رائد أو أكثر أو أقل··· عـادل علـي adelk85@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©