الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإساءة..قضية محقة ومحام ٍفاشل

24 سبتمبر 2012
لن ينتهي النزاع «العالمي» الحالي إلى بناء أممي إيجابي لحرية الرأي والتعبير، يمنع ازدراء الأديان ويحترم الأنبياء ومشاعر المؤمنين ورموزهم، بل أرجح ازدياد الهوة والكراهية على المدى القريب: فالمسيئون لن يتراجعوا من تلقاء ذاتهم. وحتى احتمال حصول اتفاقية دولية تمنع الإساءة والازدراء لن يكون ممكناً قبل سنوات تتخلل جولات وصولات من السجال والجدل الذي قد يشترك فيه من يعلمون (ولا يعلمون) ويُقال فيه ما ينفع وما يضر، وقد يتم خلاله استعراض الكثير من الغضب (وتوظيف الغضب)، وكذلك أنواع جديدة من ممارسة الفوقية الحضارية علينا التي ستحاول أن تثبت «همجية انفعالاتنا». أما السبب الرئيس لهذا الترجيح غير المتفائل فمرده ببساطة إلى أن أي شرعة جديدة أو تعديلات في الدساتير والقوانين الغربية، تحتاج إلى آليات طويلة وجهود من كل نوع، أهمها ربما الجهود الفكرية والثقافية التي تقنع صنّاع الرأي العام والمشرعين هناك بأن فيلماً مثل «براءة المسلمين» أو أيا كان اسمه (اللغز)، فيه اعتداء على عقيدة مئات ملايين المسلمين المنتشرين في العالم كله بن فيهم مواطنون لهم في الغرب قاطبة. لن يكون سهلاً مطلقاً مثل هذا التعديل التاريخي «المطلوب» في مفاهيم حرية التعبير والرأي في دول مثل فرنسا التي تقرر بين ليلة وضحاها إقفال سفاراتها وقنصلياتها ومراكزها في عشرين بلدا مسلما ولا تمنع صحيفة واحدة أو حتى عدد لها من الصدور وهذا له دلالاته الجلية. في المقابل سيكون سهلاً جداً التأكد أن كل الاحتجاجات والتظاهرات التي شهدها العالم الإسلامي منذ أكثر من ربع قرن لم تقدم شيئا لناحية الحؤول دون نشر مواد مسيئة للإسلام والمسلمين مثل كتاب «آيات شيطانية» لسليمان رشدي (1988)، والمقولات «الشيطانية» ضد الإسلام للقس تيري جونز بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، ثم حرقه القرآن مرتين(2011 و2012) مرورا بالرسومات الكاريكاتورية لصحيفة «جيلاندز-بوستن» الدنماركية (التي أعيد نشرها أكثر من مرة في صحف اسكندنافية أخرى منذ 2005)، ثم فيلم «فتنة» الذي أعده النائب الهولندي اليميني المتطرف جيرت فيلدرز(2008)، ثم رسومات الصحيفة الفرنسية الأسبوعية الساخرة «شارلي أيبدو» في العام الماضي، وتكرار مثل هذه الرسوم مؤخرا تعليقا على الاحتجاجات ضد لقطات فيلم «براءة المسلمين». أي لم يستطع غضب مئات الملايين والكم الهائل من الإدانات الرسمية وضع حد لمثل هذه الممارسات، رغم اشتراك الكثير من حكومات الغرب في الاستنكار مع التمسك بحرية التعبير. لم نسمع مثلاً عن قضية مرفوعة بأحكام أمام المحاكم الغربية، أو لدى مراكز التشريع وسن القوانين بهدف التمييز بين حرية التعبير والفجور في الإساءة للمسلمين. لعل هناك من فكر وحاول لكن لم يحسن المتابعة أو لم ينجح في بناء ملف متماسك يبيّن للرأي العام في أميركا وأوروبا حق المسلمين والأنبياء بالاحترام والتأكيد أن الإساءة -ومع كل التقدير لحرية التعبير- لم تؤد إلا إلى مزيد من كراهية الغرب، وقد تعرض العالم إلى صراعات «لا تبقي ولن تذر». مثل هذا الملف يحتاج طبعاً إلى فذلكة عميقة، قانونية وفلسفية وأخلاقية وإنسانية وقدرة على مخاطبة الغرب بلغته وحملات توعية وتكلفة مالية باهظة للغاية. ويبدو أن هذه مهمة صعبة، بل أصعب بكثير من التظاهرات ومحاصرة واقتحام السفارات. لكن فيها يكمن المحك الفعلي لقدرتنا الحضارية، وإلا سيقال مرة ثانية (بعد فلسطين) أننا أصحاب قضية محقة إنما محامون فاشلون جدا. د.الياس البراج | barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©