الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام أقرَّ السياحة.. شريطة الالتزام بالضوابط الأخلاقية

الإسلام أقرَّ السياحة.. شريطة الالتزام بالضوابط الأخلاقية
30 يناير 2014 21:45
أحمد مراد (القاهرة) - يخطئ من يظن أن الإسلام يتخذ موقفاً رافضاً للسياحة، حيث إن الباحث والناظر في الفكر والتراث الإسلامي يجد لها أصولاً، وقد حث الإسلام الحنيف عليها باعتبارها أفضل وسائل التعارف بين الناس، وإفشاء السلام والأمن ونشر دعوة ودين الله، والترويح عن النفس، وأداء الفرائض والواجبات الدينية وما في حكم ذلك، ويحكم ذلك كله أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية حتى تكون صالحة ونافعة، ومن دون السياحة يصعب تبليغ دعوة الله إلى الناس، وتحفيزهم على اعتناق هذا الدين، وكانت هذه من أهم وسائل سياحة سفراء الإسلام الأوائل الذين أرسلهم رسول الله إلى العالم لدعوة الناس للإسلام. التدبر والتأمل وتفصيلاً يرى الدكتور حسين شحاتة، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن السياحة في الإسلام تعني التنقل من مكان إلى مكان بهدف التدبر والتأمل في خلق الله أو التعارف بين الناس، أو طلب العلم المحمود، أو الدعوة إلى الله، أو الجهاد في سبيل الله، أو الترويح عن النفس، أو أداء الفرائض والواجبات الدينية وما في حكم ذلك، وحثّ القرآن الكريم على السياحة بهذا المفهوم في العديد من الآيات، منها قوله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). كما يعتبر السفر إلى الأراضي المقدسة للعمرة والحج سياحة دينية وللتعارف بين الناس وتحقيق العديد من المنافع المشروعة وفي هذا الخصوص يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد مسجدي هذا والمسجد الأقصى والمسجد الحرام»، ففي هذا الحديث حث على السياحة الدينية. وكان الفقهاء- كما يقول الدكتور شحاتة- يسيحون من مكان إلى آخر لطلب العلم، وكان الدعاة يجوبون الأرض لنشر دعوة الإسلام، وكان المجاهدون يتركون ديارهم وأموالهم وأهليهم من أجل جعل كلمة الله هي العليا، كما كان التجار المسلمون يتنقلون من دولة إلى دولة للتجارة وللدعوة وهكذا، وهذه جميعها نماذج من أشكال السياحة في الإسلام، وتأسيساً على ذلك، فالإسلام يحث على السياحة التي تحقق منافع مشروعة للإسلام والمسلمين. وتنبع أهمية السياحة في الإسلام من مقاصدها السامية، حيث تعتبر من وسائل التربية العقدية الروحية من خلال السفر والخلوة والتأمل في خلق السماوات والأرض وما خلق الله سبحانه وتعالى من عجائب، فعندما يخرج السائح ويرى المناظر الطبيعية العظيمة يستحضر عظمة الله بأنه الخالق المبدئ، ويقول: سبحان الله، سبحان الله العظيم، سبحان الله الخالق المبدع، ولقد أمرنا الله بذلك، وتعتبر السياحة في الإسلام من أفضل وسائل التعارف بين الناس، وإفشاء السلام والأمن ونشر دعوة ودين الله، وهذا يعتبر من الواجبات الدينية، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. كما تعتبر السياحة من موجبات أداء الفرائض والواجبات الإسلامية، ومنها الحج، فعلى سبيل المثال يسيح المسلمون من جميع بقاع العالم إلى البلاد المقدسة المباركة للحج ليشهدوا منافع لهم وهذا يعتبر من أصول السياحة في الإسلام. الفكر التجاري ويُشير إلى أن السياحة التجارية كان لها دور مهم في نشر الإسلام في دول شرق آسيا وأفريقيا بواسطة التجار المسلمين، فكان مع التاجر المسلم عقيدته وأخلاقه وسلوكه المستقيم، وكذلك كان معه بضاعته، وكان ذلك من أهم أساليب نشر الفكر التجاري الإسلامي، وبيان الضوابط الشرعية للمعاملات التجارية وإبراز شمولية الإسلام، كما تعتبر الهجرة والفرار من بلاد الظلم والطغيان والاستبداد إلى بلاد أخرى فيها الأمن والسلام سياحة، ومن أمثلة ذلك هجرة المسلمين إلى الحبشة وإلى المدينة، كذلك تعتبر السياحة وسيلة من وسائل العمل للكسب وتبادل المعلومات والخبرات وزيادة المنافع، كما حث الإسلام على السياحة لطلب العلم، وكان الفقهاء يسيحون في الأرض لتحصيل العلم النافع كما ورد في الأثر «اطلبوا العلم ولو في الصين». كما أن في السياحة ترويحا عن النفس وهذا الأمر أقره الإسلام، حيث قال رسول الله: «روحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت». أحكام ومبادئ ويقول الدكتور منصور مندور من علماء الأزهر: السياحة من الأنشطة المشروعة إذا كانت الغاية منها مشروعة، بمعنى أن يكون المقصد منها يتفق مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وأن تكون الوسائل والسبل والأساليب المحققة لهذه الغاية كذلك مشروعة، ولهذه المشروعية أدلة من الكتاب والسُنّة والفقه والتراث الإسلامي، ولقد وضع فقهاء الإسلام مجموعة من الضوابط الشرعية لترشيد عمليات السياحة ومعاملاتها، ومنها المشروعية التي تعني أن تحقق السياحة مقاصد الشريعة الإسلامية، وهي حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النفس، وحفظ العِرض، وحفظ المال، كما تعين الإنسان على الذكر والعبادة، وأي سياحة تمس هذه المقاصد فهي حرام، ولا بد أن تكون السياحة في مجال الطيبات سواءً في المأكل أو المشرب أو الكلام أو السلوك، وتجنب الخبائث والفواحش، وهذا الضابط من موجبات تحقيق المشروعية. تنمية القيم ويوضح أن السياحة بلا أخلاق تصبح فُحْشَاً ورذيلة وانحلالاً وتسيباً، وبلغة أخرى يجب أن تساهم السياحة في تنمية القيم الأخلاقية عند المسلم، أو المحافظة عليها، ومن القيم الأخلاقية المعاملة الحسنة والصدق والأمانة والحب والتعاون والعفة والنزاهة والكرم والجود وتأصيل روح ومعنى الأخوة بين الناس. كما أن الالتزام بالقيم الإيمانية والأخلاقية يحقق أو يُشكل الشخصية الإسلامية المتميزة سلوكاً في كل شيء وبذلك تعتبر رمزاً للإسلام، وهذا من موجبات السياحة في الإسلام، مع ضرورة المحافظة على الفرائض والواجبات المشروعة، فلا يجوز أن تؤدي السياحة الترفيهية إلى تعطيل المسلم عن القيام بفريضة من فرائض الإسلام أو ضياع واجب ديني، ولقد أمرنا رسول الله بضبط وتنظيم الأوقات والأعمال فقال: «إن لنفسك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً فاعط كل ذي حق حقه». خطأ وجهل لفت الدكتور يوسف قاسم، الأستاذ بجامعة الأزهر، إلى خطأ وجهل من يعتقد أنه لا توجد سياحة إلا بوجود الفواحش والعُري والعربدة، أو من خلال ابتزاز أموال السياح والنصب عليهم، أو التسول أمامهم، فالإسلام بريء من هذه المفاسد، والله تعالى لا يصلح عمل المفسدين، بل يجب أن تكون السياحة مشروعة والوسائل المؤدية إليها مشروعة، فقد رد الله على هؤلاء بقوله سبحانه وتعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، وقوله: (قُل لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، كما يجب الالتزام بشريعة الإسلام في كل نواحي الحياة ففيها خير الدنيا وخير الآخرة وخيرهما معاً، ويعتبر الكسب من السياحة غير المشروعة كسباً حراماً خبيثاً لا يبارك الله فيه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©