الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طوب أحمر و «بوب» سياسي في قالب واحد

طوب أحمر و «بوب» سياسي في قالب واحد
6 أكتوبر 2011 17:09
لم يعرف الفن الصيني الحديث والمعاصر الانتشار في عالمنا العربي، وربما في ساحة الفن العالمية، إلا منذ سنوات قليلة، وأتحدث هنا عن طفرة في هذا المشهد، حين بدأت صالات العرض، في الإمارات عموماً ودبي خصوصا، تستقبل معارض للفن الصيني الجديد. وهو مشهد يبرره انفتاح الصين نفسها على السوق العالمية، ما أتاح للفن الصيني سوقاً عالمية وتسويقاً في أسواق الفن يحسب الآن بمليارات الدولارات. الانفتاح هذا، كما يبدو من بعض المعارض، ليس تجارياً فقط، بل هو ثقافي فني في الأساس، ينفتح على الفنون والثقافات في العالم كله، فينتج تعددية فنية جديدة في الحراك الفني الصيني، من دون أن يفقد هذا الفن ارتباطه بجذوره أو يخسر هويته. هنا نطل على عدد من التجارب الفنية من خلال معرض لعدد من الفنانين الصينيين يستعرضون رؤيتهم للعالم الداخلي والخارجي، من زوايا سياسية واقتصادية وثقافية. المعرض يقام في صالة “اعتماد” في دبي. والفنانون هم: الشقيقان غاو، تشيو جي، هونغ تونج لو، هان بينج، شين هانج فنج، ليو داو، وانج زيوي. التنوع والتعددية المشهد الفني الذي يقدمه هؤلاء الفنانون متنوع، جديد، خارج من روح التجربة الصينية الحديثة، الروح النقدية الساخرة على الأغلب، بعد عقود من القمع والتقييد بالإيديولوجيا، فنحن أمام مجموعة متنوعة من المنحوتات ورسوم الفحم واللوحات والأشغال الفنية الورقية والأعمال الفنية الرقمية وفن البوب السياسي. نحن أمام صور ولوحات لأبطال العالم وأشراره: سبايدرمان، ماو، بول بوت، ابن لادن، ماجيك جونسون، مارلين مونرو، شارلي شابلن، جميعاً يقفون جنباً إلى جنب على ناطحة سحاب الشقيقين غاو غير المكتملة، فهم يمثلون عالم اليوم بكل ما فيه من عصاب وإنجازات، وهناك مبنى بنك الصين في هونج كونج، برج جنج ماو أو المركز المالي في شنغهاي، الرواد الشيوعيون بأوشحتهم الحمراء، أشهر عارضات الأزياء، الرياضيون، رجال الأعمال بهواتفهم النقالة، الفلاحون بسترات ماو، كلهم يملؤون الطوابق كرموز صرح غامض، إذ تتعرض الصين لتغيير غير مسبوق. هذه بعض النماذج التي أنجزها الشقيقان غاو، وهما منذ فترة طويلة يعتبران من ضمن مجموعة تعد آراؤها مثيرة للجدل، لكن هذه الآراء مبررة وتمثل جانباً حقيقياً وغير بارز للمجتمع الصيني، فتمثال “الآنسة ماو” بأنف بينوكيو وضفيرة المانشو يسخر من الشخصية الأولى في المؤسسة الرسمية، ماو تسي تونج، الرجل الذي يمكن القول إنه غيّر الصين غالباً إلى الأفضل وأحياناً إلى الأسوأ. ويستطيع الشقيقان غاو، اللذان أعدم والدهما أثناء الثورة الثقافية من أجل آرائه السياسية، فهم هذا الغموض أكثر من أي شخص آخر، فيما تركز أعمالهما على الصين ومكانتها المتطورة في العالم. ويعد عملهما “بناء غير مكتمل للأبد” إحدى هذه الإطلالات على العالم الخارجي، مثل الكثير من المباني غير المكتملة في الصين، وكجزء من الطفرة العقارية، تنتصب شخصيات كثيرة واقفة على طوابق الهيكل الاسمنتي العاري. وعلى مستوى آخر يعمل الفنان تشيو جي على موتيف الملصق ذي الطابع الدعائي، ليقدم صورة الصين العظيمة، مستندا إلى ملصقات فن الدعاية الواقعية الاشتراكية التي نشأت مع الثورة الثقافية، وهو يقارب محطات من جمال الصين وعظمتها في ملصقات متفاوتة الحجم، حسب المساحة المتاحة للوحته وعمله، لكنه يستطيع جمع عدد من هذه الملصقات في عمل يمكن أن يشكل جدارية ضخمة، أو عملاً ملحمياً. وتتكرر في أعماله مفردات تنتمي إلى البيئة التي عاش فيها وتخرج منها، بيئة البحر والسفن التي شكلت جزءاً من عالمه. ويمكن الملاحظة أنه يبدو أشد انتماء لهوية الجيل الجديد من الصينيين الذي تعرف على الغرب وثقافته، فتراه يجمع عنصر التقليد الصيني والصين الشيوعية، ويبدو ذلك في عمل له بعنوان “سنونوتان” التي تظهر فيها شابتان بالزي الماوي (الحذاء القماشي وسترة ماو)، وتقومان بعمل يظهر صورة المرأة الصينية الحديثة التي تعمل في كل المهن، لكنه في الوقت نفسه يبرز الرقة والأنوثة في هذه المرأة المكافحة. وقد تناول قيما فكرية وسياسية كانت من المحرمات، فمن كان يتخيل القائد الأممي ماوتسي تونج في وجه قط أو قطة لا فرق، السترة التي توحي بالرجل الحديدي، الرجل الذي حكم أكبر دولة في العالم، يغدو بوجه قطة، في هذا المشهد الساخر والتراجيدي ربما، حيث الربط بين اسم الزعيم (ماو) وصوت القطة المألوف (ماو). وهو المشهد الذي يشتغل عليه تشيو جي أيضا ضمن اشتغاله على المشهد الصيني المعاصر. الروحانية والحداثة ورغم أعاصير التحديث، وزلازل العولمة، لا يزال الفنان الصيني يتكئ على موروثه من المعتقدات القديمة، الكونفوشيوسية والبوذية خصوصا، بما تمتلكه هذه المعتقدات من روحانيات يحتاج إليها الفنان في خلق التوازن مع الحداثة وتقلباتها وتحولاتها السريعة، فترى بعض الفنانين يعمل على الجمع بين روحانياته وبين العصرنة والتحديث. هذا ما يمارسه الفنان هونج تونج لو الذي يعمل على موضوعات تجمع الروحانية والحداثة، ويرى أن الصين كانت دوماً أرض المعتقدات الثلاثة: الداوية والبوذية والكونفوشيوسية، وتعايش أتباعها دائماً بوئام، لكن البوذية اجتذبت المزيد من الأتباع، وتصور بوديساتفا الرحمة عائمة في فقاعة فوق بحر من اللوتس. وخيالها في الماء والسماء يعني أنها تتجاوز العالم المادي، إذ يعتقد البوذيون أن المرء عندما يموت تضعه هذه الإلهة في قلب زهرة لوتس وتعيده غرباً إلى الأرض الطاهرة في سوخافاتي. في العمل الآخر لهونغ تونغ لو سفارا “سامع الأصوات أو سامع معاناة الشعب”، يجلس بوذا على زهرة لوتس، ويكون أيضاً متعدد الأبعاد، ومنعكساً في الماء كمرآة، وفي السماء مثل الصدى. ونمضي في التعرف إلى حركات جديدة، وفنانين ذوي توجهات مختلفة، لكنهم يمثلون سياقات متقاربة، في الإطار المبدئي للفن، ففي أعمال للفنان هان بينغ تحمل عنوان “حركة الثقافة الجديدة” نجد الفلاحين والعمال والعائلات وتلاميذ المدارس أمام منازل لم يكتمل بناؤها، ومواقع بناء وباحات مدارس وهم يحملون الطوب، رمز حلم الصين الرأسمالي، حيث يعتبر “الطوب الأحمر” من الطراز القديم في المدن الصينية، لكنه لا يزال يمثل البيت والمستقبل لدى جماهير الريف، فأحياناً يتوجب على الأسر الفلاحة أن تختار بين تعليم أولادها أو تزويجهم أو بناء منزل خاص. إن لوحات هان بينج تذكر بصور الواقعية الاشتراكية للعمال والعاملات والأسر في الصين الماوية، فسترات ماو وقبعات القش والوجوه البهيجة، كل شيء يتنفس تفاؤلاً وفخراً. لا يزال الاعتقاد بالمثل قوة فعالة في بلد المليار وربع مليار نسمة. ويتناول بينغ فكرة الأشغال الفنية الورقية، في بلد ينتشر فيه تقليد أشغال الورق منذ آلاف السنين، ففي الريف، يستخدم الناس أشغال الورق للتزيين وكزجاج للنوافذ والأبواب، وفي المناسبات الاحتفالية كالزواج وشراء منزل جديد وقدوم طفل جديد، إلا أن تشن يتصور أشغال الورق في العالم الحديث تحمل شعارات الأسماء التجارية مثل شانيل، فيراري، جاغوار، نايك، اديداس، بوما، غوتشي، وكان قد صنع حواجز صينية وأسرة وقواطع أكريليك بناء على هذه العناصر الزخرفية، لكن مشروعه الأحدث هو السجاد. يظهر فيديو تشن هانج جفنج “وجبات سريعة” شعار كنتاكي فرايد تشيكن مكتوباً بحبات الذرة وموضوعاً على الأرض، ثم يطلق الدجاج ليأكل حبات الذرة، بشيء من السخرية الخفية. وفي المعرض نجد أيضا مجموعة فنية تمكنت من إنتاج أعمال فنية رقمية معقدة باستخدام قواطع الفينيل والليزر الضوئي وموجهات CNC وتطبيق جافا وغيرهٍ، وذلك بفضل مواهب وأفكار العديد من أعضائها. والمصابيح التي تستخدمها تعكس حواس الجسم، حيث يطلق كل مصباح الآخر عضويا، وتمثل “رفرفة في خيشوانغبانا، 2010” عرضاً بالمصابيح لفراشات باستخدام أشغال ورق الأرز التقليدي في إطار من الصلب. وترفرف الفراشات عبر غابات الخيزران، فتضفي لمسة عصرية على نوع من لفائف الرسم العائدة إلى سلالة سونج. وفي “أغنية شمالية”، يضفي عرض دائم للألعاب النارية نفحة حياة على المشهد الجبلي. وفي إطار ما يسمى حركة “البوب السياسي”، يجري الحديث بالضرورة عن الفنان وانج زيوي المولود في شنغهاي عام 1963، أحد أبرز مؤسسي الحركة، والذي تحوي صور البوب لديه أعمالاً فنية شهيرة تتربع فيها دوماً شخصية ماو تسي تونج. ففي أواخر أربعينات عمره، أسس حركته هذه في شنغهاي مع شخصيات بارزة أخرى وذلك منذ سنوات قريبة، فيما كان آخرون في بكين عاصمة البلاد، يجربون بالفعل “فن البوب” وينشرونه، لكن شنغهاي كانت متخلفة عن الركب. ويصور وانج في أعماله شقراوات روي ليشتنشتاين يحلمن بماو، القائد العظيم أو بميكي ماوس، ويركبن موجة الاشتراكية، وهي جرأة سياسية فُهمت لاحقاً كنوع من الدعابة السوداء، ذات الجذور القديمة في التاريخ الصيني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©