الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حل مدني في فلسطين

2 أكتوبر 2011 22:27
هل من الممكن أن يوجد مفهوم الدولة في غياب الدولة؟ هذا هو السؤال المحيّر الذي تثيره العملية الفلسطينية الدرامية سعياً للحصول على عضوية الأمم المتحدة، والتي أطلقها عباس في خطابه المثير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة مؤخراً. لكن نجاح الخطة الفلسطينية يتطلب ليس فقط الحصول على عضوية الأمم المتحدة، وإنما كذلك حشد المجتمع الدولي، رغم تاريخه الشائن خلال العقدين الماضيين، من أجل الضغط على إسرائيل. هناك تساؤلات كبيرة حول احتمالات حدوث أي من الأمرين، كما يُظهر تهديد الولايات المتحدة بممارسة الفيتو ضد أي قرار محتمل في مجلس الأمن. ويبرز ذلك حقيقة أن إمكانية أن تغير عملية الأمم المتحدة الدينامية الإسرائيلية الفلسطينية على الأرض، إمكانية بعيدة الاحتمال، بل يمكن أن تجعل الأمور أكثر سوءاً. لكن بوقوع حل الدولتين بين مطرقة الجمود الإسرائيلي الفلسطيني وسندان الارتجاف الدولي، ما الذي يمكن عمله؟ في رأيي أن مساحة إقامة الدولتين على حدود ما قبل عام 1967 اختفت إلى درجة واسعة. زبدة هذا الموضوع هي أن الإسرائيليين والفلسطينيين يعيشون فعلياً في دولة واحدة، رغم كونها دولة مقسمة يشعر فيها الملايين بأنهم مهمّشون. وبما أن التساؤلات حول الدولة تبدو غير قابلة للعمل في المستقبل المرئي، فمن الأفضل التركيز على قضايا "الخبز والزبدة" الملموسة إلى أن يتحسن الوضع بشكل كافٍ يمكّن لحوار عام صادق وواسع حول الصورة الأوسع. وباختصار، يجب تحول النضال الوطني الفلسطيني إلى حركة حقوق مدنية. ينبغي للناشطين على كلا الجانبين ضم قواهم للمطالبة بجنسية كاملة وحق التصويت وحرية التحرك للفلسطينيين والإسرائيليين كي يعيشوا ويعملوا حيث يريدون. ولأسباب مختلفة، يرعب هذا التوجه العديد من الإسرائيليين والفلسطينيين. وتعكس مخاوف كهذه قلقاً تاريخياً ونفسياً، تزيده الرؤية المتطرفة للأصوليين والمتشددين على الجانبين، أكثر مما تزيده الاحتمالات المستقبلية الحقيقية. يقلق معظم الإسرائيليين الآن من أن حل الدولة الواحدة يعني نهاية إسرائيل كدولة يهودية. إلا أن التوجه الديمغرافي الذي يبطّن المخاوف اليهودية لن يذهب بعيداً بغض النظر عن النتيجة. لذا فالسؤال هو ما إذا كان يتوجب التعامل مع هذا القطاع من السكان بعدالة أو من دون عدالة؟ بوجود ديمقراطية علمانية تضمن الحقوق للجميع، سوف يعطي ملايين الإسرائيليين اليهود الدولة المستقبلية طابعاً يهودياً لا لبس فيه، رغم كونه طابعاً يتكون من بوتقة انصهار للهويات الأخرى. ورغم أن الدولة الواحدة أكثر شعبية بين الفلسطينيين، يخشى بعضهم أنه من خلال اختيار هذا المسار فإنهم يضفون الشرعية على الاحتلال ويتنازلون عن حقوقهم، لكن هذه العملية سوف تشكل المسمار الأخير في نعش الاحتلال، حيث إن جميع مناطق فلسطين الانتداب البريطاني سوف تصبح مفتوحة أمام الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، وسوف يقوم الجيش المستقبلي، المكون من الجانبين، بإعادة تعريف دوره كحامٍ للجميع. وعندما يصبح الجميع في هذه الدولة منعتقاً، يكون العمل الأساسي قد اكتمل لحل ديمقراطي حقيقي. ورغم أن دولة الأمر الواقع الواحدة قد تشكل مجرد نقطة انطلاق نحو الدولتين المستقلتين، يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين بعد سنوات من التعاون المعمّق أن يقرروا أن شكل مستقبلهما أفضل من خلال العيش معاً في دولة ديمقراطية ثنائية القومية. وقد يختارون اتحاداً فضفاضاً أكثر. في هذه الحالة، يمكن للدولة أن تتبنى نموذجاً فيدرالياً يوفر للعرب واليهود مقومات الدولة، مثل علم منفصل وسلام وطني مختلف. وتمثل حكومات مجتمعية لا ترتكز على حدود معينة، كلاً من الشعبين حيثما عاشا في تلك الأراضي، بينما يقرر برلمان فيدرالي الأمور المشتركة مثل الدفاع والسياسة الخارجية. وبدلاً من ذلك، قد يختار المواطنون المتساوون في هذه الدولة المستقبلية طلاقاً سمحاً رغم أن الطبيعة المتشابكة لوجودهما على قطعة الأرض الصغيرة هذه قد تعني أن دولتيهما المستقلتين هما في الواقع دولة واحدة. وقد تكون دولة ديمقراطية واحدة هي الخيار الأفضل لأنها تضمن أن كلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين، فردياً وجماعياً، يتمتعون بوصول لا يعوقه شيء إلى الأرض بأكملها، بما فيها القدس. ومن ناحية عملية، ينطوي التنوع الموجود في هذه الدولة والطاقة الناتجة عن هذا التنوع، على القوة الأعظم غير المعروفة وغير المستخدمة. خالد دياب كاتب متخصص في قضايا التعددية الثقافية وحقوق الإنسان ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©