الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلام.. الأسلوب والاستلاب

الإعلام.. الأسلوب والاستلاب
20 سبتمبر 2012
تمثل إدارة السياسات الإعلامية تحديا جديدا أمام دول العالم، فدول المستقبل لن يكون لها وجود حقيقي من دون أن تكون لها سياسات إعلامية. قرأت كثيراً في هذا الاتجاه باللغة الإنجليزية، أما باللغة العربية فلا يوجد مؤلف محدد في هذا الاتجاه، فقط مؤلفات في الإعلان وأسسه، في الاتصال الجماهيري، الإعلام ومعالجة الأزمات إلى غير ذلك، من هنا تجيء أهمية كتاب “السياسات الإعلامية.. الدولة ـ المؤسسة ـ الفرد” الصادر عن دار أطلس للنشر في القاهرة والذي يستعرض فيه مؤلفه الدكتور خالد عزب الخبرات متراكمة لجهود العديد من المؤسسات في هذا المجال، وكان أكثر تحديدا لمسألة إدارة السياسات الإعلامية، باعتبارها من فنون الدبلوماسية شديدة التعقيد والتركيب، إذ هي تجمع بين توازنات داخل المؤسسة قد تتطلب في وقت ما كبح جماح التوجه نحو الإعلام بسرعة غير مطلوبة من بعض إدارات المؤسسة، وفي وقت آخر حث وإقناع بعض الإدارات على التوجه نحو الإعلام وتلبية متطلباته، كما أن هذه الدبلوماسية قد تمارس داخل الدولة وخارجها، إذ من المطلوب تكثيف المادة الإعلامية التي قد يجري بثها للوسائط الإعلامية المختلفة، أو التقليل من حجم هذه المادة، لكن متى يتم هذا ومتى يتم ذاك، لا شك أن ذلك يتطلب قراءة جيدة يومية من شخص ما للحياة السياسية والثقافية والأحداث الجارية، حتى يتم يتسنى لهذا الشخص اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ثم يلي ذلك نوع المادة التي ستقدم للجمهور من خلال العديد من الوسائط الإعلامية التي أصبحت من الكثرة بحيث قد تربك الشخص المسؤول، لكن هنا يبقى الفيصل هل حدد هدفه؟ هل حدد نوعية المادة؟ هل حدد وسيلة الاتصال المناسبة؟ هل يستخدم كل الوسائط أم بعضها؟ المهارة التامة تكمن في استخدام كل الوسائط لكن الاكتفاء بوسيط من دون الآخر قد يضعف أداء الإدارة، فالاتصال المباشر وهو أقدم الوسائط التي عرفها الإنسان مازال أكثر الوسائط فاعلية وأكثرها صعوبة، لأن فيه إما أن يفقد المتصل به إلى الأبد، أو يكسبه إلى الأبد... لغة الإبهار يقول د.عزب “هنا يبرز الإقناع ولغة الحديث ولغة الخطاب كوسيلة من وسائل الإعلام، في عصر السماوات المفتوحة والإنترنت، قد يبدو مستغربا أن العديد من المؤسسات بل حتى الحكومات تلجأ إلى الاتصال المباشر بالجماهير، لأن العلاقة المباشرة تحمل حميمية التواصل الإنساني، حتى الولايات المتحدة الأمريكية واليابان تلجآن إلى مثل هذا النوع من الدعاية، فالولايات المتحدة لديها برنامج الزائر، حيث تستضيف من خلاله أحد الأشخاص المرشحين في بلد ما للصعود السياسي أو الثقافي أو الإجتماعي لزيارة الولايات المتحدة لمدة شهر، لكي يبهر ببلد العام سام، وتم من خلال هذا البرنامج استضافة شخصيات تبوأت مناصب عليا فيما بعد في بلادها سواء من أوروبا أو إفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية، الملفت للنظر عند حديثي مع العديد من الأشخاص سواء من مصر أو من دول أخرى ممن استفادوا من هذا البرنامج، أن كل فرد منهم أعد ملفا مسبقا عنه، حدد من خلاله ميول وأهواء هذا الشخص وما يحبه وما يكره، بحيث تخطط الزيارة وفق هذه الدراسة التي هي في جانب منها لها بعد نفسي وآخر أنثروبولوجي (...) فلا يستحسن أن تدعو شخصاً من بلد مسلم إلى ديسكو، في حين من المحبب أن تجعل زائر أوروبا ينبهر بالحداثة في مجال التكنولوجيا، على حين يجب أن تري صينياً ذا تراث عريق متحف المتروبوليتان، في جانب آخر تقدم الولايات المتحدة نفسها على أنها أرض للتعايش الحضاري بين ثقافات متعددة، ولا مانع هنا من زيارة (ناسا) أو مفاعل نووي أو مشاهدة مترو لوس أنجيلوس أو وادي التكنولوجيا في كاليفورنيا أو مصانع بوينج للطائرات مع العروج على البيت الأبيض ومكتبة الكونجرس، المهم في نهاية الأمر أن يتم غرس نوع من الحب والانبهار، وتركك وقد اقتنعت بعظمة أمريكا أم الدنيا المعاصرة”. ويوضح عزب أنه لسنوات طويلة ظل المجتمع العربي تسيطر عليه فكرة الهيمنة الأميركية على وسائل الإعلام وصناعته، وغاب عنه التحولات والتقلبات في الإعلام الأميركي لكن هناك هيمنة الدولة الأميركية على العالم من خلال الاقتصاد والقوة المسلحة والأدوات الإعلامية التي تسيطر على عقول البشر بحيث يصبح البشر أسرى هذه الأدوات ومنها الأفلام السينمائية التي تبث السطوة الأميركية بطريقة ناعمة لدى المشاهد ومثلها المسلسلات الأميركية، وهي قضية مثارة حتى في أوروبا، وبصورة خاصة في فرنسا التي لديها تخوفات حادة من الهيمنة الأميركية، حتى في مجال محركات البحث على شبكة الإنترنت إذ أن سيطرة Google على محركات البحث تجعل دائماً المواقع الإلكترونية الأميركية في المقدمة أمام الباحث عن أية معلومة على الشبكة الدولية للمعلومات إن هذا النوع من الهيمنة يفرض علينا ضرورة البحث عن تفعيل محركات بحث عربية. عوامل مهنية ويلفت عزب إلى أن إحدى الدراسات أظهرت أنه يربط المؤسسة بجماهيرها علاقة ذات ثلاثة أبعاد هي: بعد مهني Professional وبعد شخصي Personal وبعد مجتمعي Community. ويقصد بالبعد المهني: العلاقات المهنية بين المنظمة وجماهيرها في ضوء طبيعة عمل المؤسسة سواء أكانت إنتاجية أم خدمية أم منظمة غير ربحية. فالجمهور يريد من المؤسسات أداءا مهنيا يتمشى مع احتياجاته ومصالحه. ويقصد بالعلاقات الشخصية: العلاقات التي تبنيها المؤسسة مع جمهورها على أساس شخصي، وليس باعتبارهم أفرادا مجهولين أو مجموعاً من القطيع، أي أنه عليها أن تسعى لكسب احترامهم وثقتهم كأفراد. ويقصد بالبعد المجتمعي: إلتزام المؤسسة في علاقاتها بجماهيرها باحتياجات واهتمامات وقيم وأخلاقيات المجتمع الذي تعيش فيه . منذ منتصف القرن العشرين عرف العالم ثورة الإعلام والاتصال، التي أصبحت تنعت اليوم بالقنبلة المعلوماتية، لقد تحول إنسان السنوات الأخيرة إلى كائن اتصالي من دون أن يكون بالضرورة كائنا تواصلياً، فإذا كانت الصحف كمنتج إعلامي ليست ملكا مشاعا بحكم استمرارية الأمية إلى الآن، وإذا كان الإنترنت مخترعا لا ينعم به إلا الأجيال الجديدة، فإن الراديو قد أمسى ملكاً مشاعاً يتسلل إلى كل بيت بالمدينة كما بالقرية وفي السيارات على الطرق السريعة بين المدن، وفي الطرق الداخلية للمدن، كما أمسى التليفزيون ضيفا تحول إلى المقيم الدائم حتى في مناطق بعيدة، لا يمكن إغفال دور الهاتف في تسهيل عملية نقل الأخبار والاتصال الاجتماعي، كما لا يمكن إغفال ما حققته السينما من وظائف ثقافية، جمالية وترفيهية متنوعة. هذا النمو الكاسح لوسائل الاتصال ومولدها من رحم بعضها بعضاً يشكل توجيه هذه الوسائل نحو هدف معين أمر بالغ الأهمية، بالنسبة لأي دولة أو مؤسسة أو شركة أو فرد، من هنا تكمن أهمية تحديد ماهية وأدوات السياسات الإعلامية . ويرى عزب أن هناك تحولات جذرية في القرن الحالي، “حيث إن تدفق المعلومات عبر الوسائط الإعلامية المختلفة وتشابك الإنترنت مع التليفزيون بواسطة التليفزيون التفاعلي، يخلق واقعاً جديداً يجب الانتباه إلى خصائصه التي تشكل ماهية وأدوات أي سياسات إعلامية، وهذه الخصائص هي: ـ سرعة الإنجاز التقني للفعل الاتصالي. ـ سرعة تتابع مراحل الاتصال. ـ التركيز على الصورة في المجال الاتصالي. ـ إدماج عناصر الترفية والفرجة والتشويق. ـ الانتقال من موضوع واقعي إلى موضوع افتراضي وخيالي. ـ اختزال الاتصال عن بعد “المكان” في الاتصال الوجيز “الزمن”. ويقول “لعل قراءة سريعة لهذه المزايا تكشف عن وجود حقيقتين اثنتين: أولاهما تخص السرعة والثانية تخص التقنية، فتقييم الفعل الاتصالي ينزع دائما إلى البحث عن أقصر مدة زمنية لتحقيق الاتصال وأنجح وسيلة تقنية لبلوغ الغاية نفسها، وهذا يجعل أحد المهتمين بتكنولوجيا الاتصال من منظور فلسفي يستنتج أن المكان ـ العالم يترك المجال للزمن ـ العالم، حيث حل المكان الافتراضي ليعوض المكان الواقعي”. ويخلص المؤلف إلى أن خطر ذلك “يكمن في السيطرة على الرأي العام في أي دولة أو مجتمع، حيث إنه ثمة تضخم خطابي في تقييم سلطة الرأي العام والإعلان عن علو سلطة، خاصة في الأحداث السياسية والوقائع الفضائية، حيث يكون الاحتكام للرأي العام اقتراعاً أو استطلاعاً للبث في ولاية تشريعية أو رئاسية، أو للإفتاء في نازلة تعد استثناء في قاعدة العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، والحال أن الرأي العام غير متجانس، غير جاهز وغير مطلق، فهو متبعثر. احتكار المعرفة من هنا يؤكد د.عزب أن أي دولة قوية متماسكة لابد أن تسعى لبناء نظام لاحتكار المعرفة Monopoly Of Knowledge والمحافظة عليه لخدمة أهدافها ومصالحها الاستراتيجية في البيئة الدولية، وذلك من خلال تزويد وسائل الاتصال بمضامين ومعايير للضبط الاجتماعي Social Control. وتزداد قوة هذا الضبط الاجتماعي كلما أقتربنا من مراكز الدولة، ويمارس الضبط الاجتماعي في إطارين، أحدهما وطني داخلي، والآخر عالمي. فعلى المستوى الوطني، تسعى الصفوة السياسية أو الاقتصادية، أو الدولة ذاتها إلى تحقيق سيطرتها على سكان الدولة، وتتولى تحديد أهداف المجتمع وأولوياتها وتشكيل أجندة اهتماماته، وأنماط السلوك، بل وتفرضها. وتستخدم الدول لهذا الغرض عدة أساليب منها حرمان الأفراد من الوصول إلى المعلومات، سوى تلك التي ترى الدولة أنها تشكل أهمية بالنسبة لها. إن أداة تنفيذ السياسات الإعلامية التي يضعها صناع هذه السياسة هي المجتمع الاتصالي، الذي يتواكب تصاعد دوره مع عالم يشهد العديد من المتغيرات المستمرة التي تدعو إلى التساؤل حول الوجهة التي ستصب فيها أخيراً، المجتمع الاتصالي أو الإعلامي أو مجتمع المعرفة له تاريخ طويل، فإذا كانت أثينا الإغريقية مجتمع الاتصال الشفوي (وجهاً لوجه) والديمقراطية المباشرة، أي بغياب الوسائل الإعلامية الحديثة، فإن التفكير الليبرالي منذ نهاية القرن الثامن عشر بدأ يهتم بمسألة الاتصال والبدء بصياغة نظرية للرهانات السياسة حول التعبير الحر في مجال عمومي لكافة المواطنين، باعتبار أن “إيصال الأفكار والآراء هو واحد من الحقوق الأكثر أهمية للإنسان” . والحقيقة أنه انطلاقا من فلسفة عصر الثورة الفرنسية وصولاً إلى النصوص الأميركية والفرنسية، حول حقوق الإنسان، فإن حرية التعبير والرأي قد اكتسبت مكانا مركزيا في الحياة العامة، مثاليات طردت من قبل البعض، هكذا نجد الأميركي توماس جيفرسون يؤكد “إذا ما تركت لي حرية الاختيار بين وجود حكومة دونما صحف، وبين صحف دون حكومة، فإنني لا أتردد في اختيار صحف بلا حكومة” هل لأن توماس جيفرسون كان مدركا مدى سيطرة الدول على كافة الوسائط الإعلامية، وإن كان ذلك بدأ يهتز مع المدونات وأخواتها على شبكة الإنترنت، فالحقيقة إن سيطرة المجتمع الاتصالي على المجتمع نتيجة إلى عدم شفافية المعلومات المنتشرة أو حجزها أو عدم معالجتها والتعامل معها أو تشوهها بفعل الإيديولوجيات المنتشرة. ومن الحقائق التي يبحثها المؤلف هي إن الوفرة الاتصالية التي هي أشبه بـ”مغارة علي بابا” على المستوى الثقافي والإعلامي، لها جانب معتم، فهي حكر لمجموعات من دون غيرها، هذا ما نجده فعلاً في أجهزة الحاسب المحمول في فرنسا عام 1999 حيث تبين أن عدد 44% من الشبان لديهم حاسب محمول 68 % منهم من الطبقات العليا. حقيقة الأمر أن الديمقراطية الجديدة المستمرة فإنها وإن كانت قد توسعت فإنها لم تلغ تحول السياسة إلى “مشهد إعلامي” تستخدم فيه كافة التقنيات الاتصالية ومستشاريها للتأثير على الرأي العام أثناء الاقتراعات العامة وفي الفترات التي تفصل بينها، في حين أن سادة هذه التقنيات يعملون على خلق مستهلكين طبقا لمصالحهم الاقتصادية والتجارية. إن الحقيقة المرة هي أن الكثيرين يعيشون وهم الحرية الشخصية التي باتت مهددة بفعل الوسائل الاتصالية الجديدة بما دعا إلى تشكيل “لجنة قومية للمعلومات والحريات” في فرنسا للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم لتخزين المعلومات عنهم في حين أن نظام ايشلون الأميركي يستطيع التقاط المكالمات والبريد الإلكتروني على صعيد العالم، أي فرض نظام من التجسس السياسي والاقتصادي، والشفافية التي يقول بها الخطاب الاتصالي تصبح كسيحة عندما تؤكد الأحداث إمكانية اختلاق الوقائع وخداع الرأي العام كما حدث مثلا بالنسبة لاصطناع ما سمي بمجزرة “تيمبوسوارا” في رومانيا أو بالنسبة لاحتلال العراق بحيث أن المجتمع الاتصالي يشكل حاضنا للاحتيال والعدوان. كذلك فإن مسألة العولمة يجب قراءتها بشكل آخر، فقمة تونس للمعلوماتية التي انعقدت عام 2005، بينت سيطرة الولايات المتحدة على سوق المعلومات خاصة أن 55% من الأميركيين يحظون بالإنترنت مقابل 32% من سكان الاتحاد الأوروبي، و8% من قاطني أميركا الجنوبية و6% من شعوب آسيا. أضف إلى ذلك أن 75% من المؤسسات المسيطرة على بنوك المعلومات موجودة في الولايات المتحدة مقابل 12% في أوروبا، في هذه الوضعية تعني الوفرة الاتصالية انتقال البرامج والأفلام الأميركية إلى العالم كله بما يهدد الثقافات الأخرى ويفرض الهيمنة الأميركية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©