الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«دافوس» والبحث عن تمكين المرأة

29 يناير 2014 23:25
على النقيض من الاعتقاد الشائع، لا يعتبر «منتدى دافوس» مقراً على ربوة جبل تصيغ فيه النخب خططاً سرية لحكم العالم، والحقيقة، يبدو أن كل ما يجري في هذا الاجتماع السنوي لمنتدى الاقتصاد العالمي في هذه القرية السويسرية يكون من أجل وسائل الإعلام، التي تفوق عدد الأثرياء وزعماء العالم المتواجدين هنا.وبنظرة سريعة على عناوين الصحف اليومية، يبدو إما أن العالم صعب الانقياد أو أن هؤلاء الذين يحكمون لا يبذلون جهداً كبيراً في التخطيط. وعلى رغم ذلك يبدو «منتدى دافوس» مركزاً لا يضاهى لقوة عالمية سريعة النمو- وإن كانت قليلة الشهرة ـ يمكن وصفها بـ «مجمع الضمير الصناعي». وفي «دافوس» والمنتديات الأخرى، مثل «مبادرة كلينتون العالمية»، يجتمع أصحاب رؤوس الأموال للاحتفاء بكرمهم، بحثاً عن الإطراء، والنتيجة التي يتمخض عنها المنتدى بالفعل هي بيئة آمنة يلتقي فيها أصحاب النوايا الحسنة والأخلاق الرفيعة مع بعض المنافقين والأنانيين. وفي حين تعلن الإعلانات الموجودة في كل مكان أن المهمة الأساسية لمنتدى الاقتصاد العالمي تكمن في تحسين حالة العالم، يحدث من حين لآخر شيء ملحوظ، يسفر عن إنجاز شيء جيد. وفي الواقع، على رغم استعراض الرؤساء التنفيذيين الذين يتملكهم الرضا عن الذات بشأن المسؤولية المجتمعية في شركاتهم التي عادة ما تفتقر إلى التمويل الكافي، لا يخلو الأمر من وجود مشروع يحدث اختلافاً حقيقياً بتصحيح خطأ أو الوصول إلى المحتاجين. وخلال الأسبوع الماضي، حضرت غداء خصص لأحد هذه الجهود، أطلق عليه «مبادرة 10 آلاف امرأة» والتي يرعاها بنك «جولدمان ساكس». وهدف هذه المبادرة المحدد منذ ستة أعوام مضت، والذي تم السعي لتحقيقه بشكل دؤوب، هو مساعدة 10 آلاف رائدة أعمال في أنحاء العالم من خلال تثقيفهن في العلوم التجارية وإدارة الأعمال والوصول إلى شبكات وعلاقات بعالم رؤوس الأموال. وفي الحقيقة، كانت نتائج هذا البرنامج مذهلة، إذ أن نصف الخريجات المنحدرات من 42 دولة، تضاعفت إيراداتهن في غضون 18 شهراً، وأكدن أن عدد الموظفين لديهن زاد من ستة إلى عشرة خلال الفترة نفسها. وتحدث الحاضرون من قطاع الأعمال والمنظمات غير الحكومية والحكومية عن التأثير الناجم عن تمكين هؤلاء النساء اقتصادياً فيما يتعلق بتحفيز النمو في العالم النامي وانتشالهن وجيرانهن من براثن الفقر. وجرت مناقشة صريحة أثناء هذا الغداء بشأن حقيقة أن المرأة لا تزال غير ممثلة بشكل كبير في منتدى الاقتصاد العالمي، في ضوء أن 16 في المئة فقط من إجمالي عدد الحاضرين المعتمدين من النساء. وبالطبع يمكن للمنظمين الأداء بشكل أفضل، وقد اعترفوا صراحة بذلك، ولا سيما أنهم يتحكمون في آلية الدعوة للمنتدى، ونأمل أن يستخدموا في المستقبل هذه الصلاحية لإصلاح هذا الخلل. وبالتأكيد، فإن تقديم نساء جدد إلى النخب الحاضرة في هذا المنتدى من شأنه منحهن كثيراً من الامتيازات التي تطرحها برامج كذلك الذي رعاه «جولدمان ساكس». وفي الوقت نفسه، إذ أصبح تمكين المرأة وتثقيفها اقتصادياً من بين أهم الأولويات، فإن كبار رجال الأعمال الذين يحضرون إلى دافوس سيستمتعون بعالم أكثر ازدهاراً، حسبما تشير دراسات أجراها «البنك الدولي» و«منتدى الاقتصاد العالمي» و«منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية». وأشار أحد المتحدثين على المأدبة إلى المخاطر التي تواجهها ناشطات مثل ملالا يوسف زاي، وكثيرات من الساعيات إلى تمكين الفتيات الباكستانيات من الالتحاق بالمدارس، وبينما تم الثناء على شجاعتهن في المخاطرة بأرواحهن، لكن السؤال الأعمق يكمن في السبب وراء عدم مواجهة المخاطر التي تحدق بهن. وذكرتني المناقشة بمقالين قرأتهما في وقت سابق من الأسبوع الماضي، أحدهما نشرته «أسوشيتد برس» للكاتب آصف شاهزاد، أوضح فيه أنه في باكستان، حيث يقتل سرطان الثدي نساء أكثر من الهجمات الإرهابية، لا يمكن لأي مجموعة من النشطاء أن يذكروا كلمة «ثدي» أثناء الحديث في الجامعة بشأن التصوير الإشعاعي وكيفية الفحص الذاتي للسرطان. وأشار إلى أنهم يضطرون إلى تلطيف المصطلح بالإشارة إليه بـ«سرطان المرأة» لمناقشة المرض الذي كثيراً ما ينظر إليه باعتباره وصمة عار في هذه الدولة. وتابع «إن نحو سبع من كل عشر باكستانيات لا يعرفن شيئاً عن هذا المرض نتيجة لذلك، ولا يعرف نحو 90 في المئة منهن كيفية الفحص الذاتي لاكتشافه، وعليه، فإن النتيجة أن معدل الوفيات نتيجة هذا المرض في باكستان يصل إلى ضعف المعدل في الولايات المتحدة». ويتحدث المقال الآخر عن معاناة الصحفيات في الولايات المتحدة، حيث تشير آمي والاس في صحيفة «نيويورك تايمز» إلى مدى الإساءة والصور المحرّفة التي تشوّه المراسلات الصحفيات بأساليب لا يعترض عليها زملاؤهن الرجال. ويتعرض كلا المقالين إلى الضرر الذي تسببه يومياً موروثات ثقافية على النساء، وعلى رغم حدوثه على مستويين مختلفين تماماً، لكنه في الوقت نفسه، يحدث بأساليب مماثلة بصورة مشينة. وعلى مستوى أعلى وأكثر أهمية، تبدو العلاقة وطيدة بين هذين المقالين ووجهات النظر التي تبادلتها هنا في «منتدى دافوس»، وثمة لغز لهؤلاء المتواجدين هنا وفي أنحاء العالم ممن يبدون استقامة سياسية هو: «أنه في الوقت الذين يعتبر فيه السعي لتمكين المرأة أمراً جيداً، لا يزال نبذ الثقافات التي تقتلهن وتعيق تقدمهن أمراً شبه محرم». وعليه، يجب أن تكون لدينا الشجاعة ليس فقط كي نعيد باستمرار تقييم كيفية تشكيل هذه الثقافات لحياتنا والعمل على مقاومة أو إصلاح هذه القوى التي تختزل قيمنا، وإنما يجب أيضاً أن نجهر بخطأ أي بُعد في المجتمع ينكر على غالبية السكان حقوقهم المخولة لهم كبشر وليس الإقرار به أو احترامه كمجرد اختلاف. ويجب نبذ مثل هذه الثقافات بوصفها قوى للشر، بغض النظر عن مدى الاحتجاجات التي يمكن أن تحدث من قبل هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم حراساً لثقافتنا. وأيّاً كان ما يُقال عن الأغنياء الذين يأتون إلى دافوس للتحسر علانية على مصير الفقراء، يمكن أن تفضي المحادثات هنا إلى حدوث تغييرات واقعية لكل من الرجال والنساء على السواء. ديفيد روثكوبف دافوس ـ سويسرا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©