الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جرائم الحرب في سوريا... وما وراء «صور التعذيب»

جرائم الحرب في سوريا... وما وراء «صور التعذيب»
29 يناير 2014 23:24
مع أننا لا نعرف أسماءهم وتظل هوياتهم مجهولة، إلا أننا نعرف أرقامهم، كما نستطيع بوضوح رؤية آثار التعذيب على أجسامهم بفضل تسريبات مصور سابق كان يوثق الجرائم في الشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري قبل أن يستنكف عن الاستمرار في مهمة تصوير الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، هذا المصور الذي أُطلق عليه الاسم الحركي «قيصر»، لحماية هويته ومنع انكشافه بعدما انشق عن النظام وخرج من سوريا يقول إنه عمل مع الشرطة العسكرية ضمن الجيش السوري لأكثر من 13 سنة كان يوثق خلالها مشاهد الجريمة والحوادث التي يكون الجيش طرفاً فيها. لكن بعد اندلاع الحرب الأهلية، يؤكد «قيصر»، أنه قد تم توظيف مهاراته في التصوير من قبل النظام لأغراض أخرى لا علاقة لها بالمهنة الأصلية، حيث أوكل إليه تصوير جثث المعتقلين الذين قتلوا في معتقلات النظام وقضوا تحت طائلة التعذيب وممارسات أخرى مشينة، ولأربع سنوات، يضيف قيصر، كانت مهمته الوحيدة إلى جانب آخرين ضمن الفريق التقاط صور الجثث التي قد تصل أحياناً إلى خمسين في اليوم الواحد، ولم يكن أحد على اطلاع بالهوية الحقيقية لتلك الجثث عدا الأجهزة الأمنية، حيث خصص لكل جثة رقمان يتم تصوريها بهما، يشير الأول إلى الجهاز الأمني المسؤول عن احتجاز الشخص وربما قتله، فيما يُعطى الرقم الثاني مباشرة بعد وصول الجثة إلى المستشفى العسكري للإيهام بأن الوفاة حصلت داخل المستشفى وبطرق شرعية. ويرجع «قيصر» عملية التوثيق المعقدة التي يخضع لها المعتقلون بعد تصفيتهم إلى رغبة الأجهزة الأمنية في إثبات عمليات الإعدام التي يتعرض لها المعتقلون، وبأن جثثهم لم تسلم إلى العائلات عن طريق الخطأ، بحيث يتم إبلاغ الأسر عن وفاة أقربائهم بصورة طبيعية إما بسبب أزمة قلبية، أو مشاكل في التنفس، بل ويتم استخراج الوثائق التي تثبت ذلك من المستشفى. والحال أن الصور التي كشف عنها «قيصر »تروي قصة مختلفة، فالأجساد النحيلة والتقرحات الواضحة، بالإضافة إلى الكدمات في مناطق مختلفة من الجسم والجراح الغائرة الناجمة عن الحبال التي رُبط بها المعتقلون كلها تشير إلى التعذيب. واللافت أن تلك الفظائع التي كُشف عنها في الأسبوع الماضي جاءت بالتزامن مع انطلاق مفاوضات «جنيف 2» في سويسرا من خلال تقرير أعدته شركة قانونية في لندن دفعت أتعابها قطر التي تساند بقوة المعارضة. ولتحديد مدى مصداقية الصور التي التقطها «قيصر»، وإسباغ الشرعية عليها، استعانت الشركة بثلاثة مدعين سابقين اشتهروا بتحقيقهم في جرائم الحرب وإشرافهم على فريق يملك خبرة واسعة في عمليات التحقيق. ومع أن التقرير النهائي الذي أعدته الشركة لا يرقى إلى درجة الإثبات الناجز للجرائم، إلا أنه تأكيد بأن الأدلة التي يمكن استخدامها في المحاكم وبناء قضية حولها موجودة بالفعل، وليس أمام المجتمع الدولي ممثلاً في هيئاته المختصة سوى تحريك القضية ومتابعتها. ولأنه من المستبعد أن توافق الحكومة السورية في المفاوضات الجارية بسويسرا على التخلي عن السلطة في إطار حكومة انتقالية كما هو الهدف من إجراء المفاوضات، يأتي التقرير حول جرائم الحرب ليمارس ضغطاً إضافياً على النظام، لا سيما إذا كان المجتمع الدولي مستعداً لاستخدامه. فلحد الآن يبدو طرفا الصراع مستعدين للاستمرار في القتال مهما كانت الخسائر وبأي طريقة ممكنة للوصول إلى السلطة بالنسبة للمعارضة، أو البقاء فيها كما يريد النظام، لذا من الضروري أن يعرف الطرفان بأنهم سيساءلون عن أفعالهم ويحاسبون لاحقاً في حال حدوث تجاوزات، فمَا الجدوى من الحصول على السلطة في سوريا إذا كان المنتصر سيواجه العدالة الدولية ويمثل أمام المحكمة في لاهاي؟لكن جميع الدعوات السابقة بإحالة الوضع السوري إلى محكمة الجنايات الدولية لم تجد لها صدى، خشية من تعقيد الموقف بالنسبة للأسد الذي قد يريد الخروج والتنازل عن السلطة، وأيضاً لأن سوريا ليست عضواً في المحكمة، وبالتالي لا تستطيع أن تمد ولايتها عليها إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي، وهو الأمر المتعذر حالياً بسبب «الفيتو» الروسي والصيني اللذين يعتبران الصراع قضية داخلية، ولا يجوز لمجلس الأمن إحالة القضية إلى المحكمة مادام الصراع لا يهدد السلام والأمن الدوليين. لكن بتجاوز حصيلة القتلى 100 ألف، وتمدد الصراع إلى الدول المجاورة ليهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط، لم يعد هناك من شك في البعد الدولي للأزمة السورية، كما أن التقرير حول جرائم الحرب التي ارتكبها النظام توفر أدلة مقنعة تدعم إحالة الملف إلى محكمة الجنايات الدولية. ومن حق روسيا، أو الجهات الأخرى الداعمة للنظام، البحث عن أدلة تورط المعارضة المسلحة في تجاوزات، إلا أنهم بحاجة إلى الاستعانة بشركات وهيئات قادرة على ذلك. وخلص التقرير أن لجوء النظام لتصوير 11 ألفاً تقريباً من الأشخاص الذين قضوا في سجونه يدل بوضوح أن عمليات القتل «كانت تتم بصورة ممنهجة وربما بأوامر من الأعلى»، وأشار معدو التقرير أيضاً إلى أن الصور قد تدعم قضية جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب أمام محكمة الجنايات الدولية. وفي غياب تدخل عسكري دولي للإطاحة بالأسد وإعادة الاستقرار لسوريا يمثل التقرير فرصة سانحة يتعين على المجتمع الدولي انتهازها للضغط على روسيا وهي تستعد لتنظيم الألعاب الأولمبية بسوتشي علها توافق على استصدار قرار من مجلس الأمن يحيل الموضوع السوري إلى محكمة الجنايات الدولية. ويبقى الأمل في أن تقود الجهود التي بذلها قيصر إلى وقف المجازر التي يتعرض لها المدنيون في سوريا. ‎كولين جرافي أستاذة القانون بجامعة «بيبردين» ومديرة برنامجها القانوني بلندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©