السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جيوش خلف الأقنعة

جيوش خلف الأقنعة
29 يناير 2014 23:22
يقف أسامة بن لادن عشرات المرات أمام كاميرات التصوير، ليلبي رغبة الأجانب الذين يريدون التقاط صورة تذكارية معه.. يحدثهم ويحكي معهم من دون أن يشعروا بأدنى خوف ولا وجل.. لا مكان هنا لـ «فوبيا بن لادن» لتحضر في المشهد أو تعلو الوجوه، بل أجانب يضحكون أو يتخذون وقفتهم إلى جانب الرجل بكل هدوء وأريحية. لا أحد من المارين يتوقف أو يكترث لما يجري؛ ذلك أن الرجل الذي يبتسم للكاميرا ليس أسامة بن لادن بل شبيهه المغربي الذي قام بتجسيد شخصيته في عدد من الأعمال السينمائية والوثائقية... من هو الـ «بن لادن» هذا، وماذا يفعل؟ يعد عبد العزيز بويدناين أشهر «كومبارس» في ورزازات، سطع نجمه في السنوات الأخيرة بسبب شبهه بأسامة بن لادن. اكتشفه مخرج إيطالي، وأكد له انه حصل على وجه سينمائي مقبول. تقمص بويدناين عدة شخصيات ولعب دور المؤمن والكافر والإرهابي والمعتدل، وشارك طوال حياته المهنية في حوالي 60 عملاً ما بين فيلم ومسلسل منها: «جوهرة النيل» و«الوصايا العشر» و«ملوك الطوائف» و«صلاح الدين الأيوبي» و«الفراعنة» و«الطريق إلى كابول» و«ابن بطوطة» و«في انتظار بازولينى». كما قام بتجسيد شخصية أسامة بن لادن في عدد من الأعمال السينمائية والوثائقية، أحدها من إنتاج قناة «ناشيونال جيوغرافيك». وإذ نتحدث عن هذه الشخصية، فإنما لنثير واحدة من القضايا السينمائية المهمة، وهي غياب حقوق هؤلاء الممثلين (الكومبارس) وما يعانونه من مصاعب وهموم لا تفلح أضواء الشهرة في إخفائها. بويدناين ليس سوى واحد من الشخصيات الكثيرة التي لعبت دور «الكومبارس» في الأفلام الأجنبية.. واحد من شريحة يجتمع أفرادها في مقاهي مدن الرباط والدار البيضاء ومراكش؛ وهي مدن تحتوي على استوديوهات التصوير وقريبة من مكاتب المخرجين ومقرات شركات الإنتاج، يترددون على استوديوهات التصوير من حين إلى آخر بحثاً عن فرصة عمل أو دور قد ينقلهم من دور «الكومبارس» إلى صف الممثلين المشاهير. أما «كومبارس» مدينة «وارزازات» فيجتمعون في المقاهي الشعبية يتفاخرون بأدوارهم البسيطة إلى جانب براد بيت وليوناردو دي كابريو وراسل كرو وغيرهم من الأبطال العالميين. بعضهم اصبح يحظى بشهرة كبيرة ويأتي إليه السياح والزوار ليأخذوا معه صورا تذكارية، وهو يرتدي زي الشخصية التي قام بها، وغالبيتهم يتحسرون على فترة انتعاش الإنتاج السينمائي، ويأملون أن تعود عجلة الإنتاج إلى سابق عهدها. إقبال ساهم إقبال المخرجين الأجانب على تصوير أفلامهم في المغرب، لاسيما في مدينة وارزازات التي شيّدت فيها استوديوهات عالمية، في أقبال الشباب المغاربة على العمل كـ «كومبارس» في الأفلام الغربية. وظهر العديد منهم في أفلام عالمية مثل: لورانس العرب وكليوباترا و مملكة الجنة وقطار مراكش السريع و الإسكندر الأكبر وبابل والمصارع، بالإضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى. وتدر الأعمال السينمائية التي يجري تصويرها في المغرب مبالغ مالية مهمة على «الكومبارس»، وتنقلهم من مستوى معيشة إلى آخر؛ فالأفلام السينمائية التي يتم تصويرها بالمدن المغربية توفر لمئات من المغاربة مداخيل يومية تساعدهم في تحسين معيشتهم والتعمق أكثر في مهنة التمثيل من خلال الانتقال من استوديو إلى آخر والاحتكاك المتواصل بالممثلين والاطلاع على الأعمال السينمائية. ويقول حسن هموم الذي عمل «ككومبارس» في عدة أفلام أجنبية أنه يشعر بالفخر والسعادة حين يظهر وجهه في فيلم عالمي مع مشاهير هوليوود، ويضيف أن العمل «ككومبارس» يدر عليه أزيد من 200 درهما يومياً، وأن أغلب الأفلام الأميركية والبريطانية التي تصور في المغرب يستغرق تصويرها شهرا أو شهرين، ما يعني حصوله على إيراد منتظم. وعن أجواء العمل في الفيلم الأجنبي يلفت «الكومبارس» حسن إلى أنه كان يواجه صعوبة بسبب عدم إتقانه اللغة الانجليزية، لكنه بعد شهور قليلة أصبح يعرف جميع المصطلحات التي يحتاجها لأداء دور بشكل جيد. ويشير حسن إلى أنه يلتقي أصدقاءه عند الانتهاء من العمل؛ فيبدأ كل واحد منهم في سرد تفاصيل عمله، والكواليس التي تتخلل تصوير الفيلم، والمغامرات، والمفاجآت التي يقوم بها فريق العمل، ثم يعود حسن ورفاقه من «الكومبارس» إلى الجلوس في مقاهي مدينة وارزازات في انتظار فيلم أجنبي آخر، وبين الفينة والأخرى يزورون مواقع التصوير بحثا عن عمل. ويؤكد حسن أنه التقى كبار المخرجين والممثلين من شتى الجنسيات، وانتقل معهم بين مناطق المغرب وربوعه وداخل قصباته وقصوره التاريخية الشهيرة، التي تشهد تصوير العديد من الأفلام العالمية بصورة دورية منذ سنوات عديدة. حقوق ضائعة يقول الناقد الفني سعيد الحمداوي إن «الكومبارس» المغاربة مخلصون، ويؤدون ما يطلب منهم بشكل جيد واحترافي، ويرتبطون بأعمالهم إلى درجة كبيرة؛ فبعضهم لا يزال يحتفظ بصور للحظات تصوير الأفلام ونماذج العقود التي وقعوها، وحتى بنصوص حوارات الأفلام التي لعبوا فيها، لكن غياب الدعم وسيطرة الوسطاء حولت هؤلاء «الكومبارس» إلى آلة يعمل المنتجون على استغلالها. ويؤكد أن أغلب «الكومبارس» لا يتقاضى المبلغ المنصوص عليه من قبل شركات الإنتاج الأجنبية كتعويض عن عمله كممثل ثانوي كل يوم، بسبب الوسطاء الذين يعمدون إلى استغلال هؤلاء «الكومبارس» وتشغيلهم بمقابل بسيط. ويضيف: «الكومبارس همهم الوحيد البحث عن فرصة عمل؛ لذلك فهم ينشغلون عن البحث عن حقوقهم الفعلية ومتابعة المسؤولين عن تدبير الإنتاج المحلي في الأعمال الأجنبية، فمثلا هم لا يكترثون لعدم تعويضهم عن جلسات التصوير الأولية وعن جلسات قياس الملابس، ولا يدافعون عن حقهم في الحصول على الطعام والإقامة والتعويض عن حلق الشعر واللحية». ويشير إلى أن بعض المنتجين يتعاملون بعنصرية مع «الكومبارس» المحليين مثل: إجبارهم على الأكل في أكياس بلاستيكية، والابتعاد عن أماكن تواجد الأجانب، ولا يسمح لهم باستعمال دورات المياه التي يتم توفيرها في مكان التصوير بدعوى أنها مخصصة للأجانب، كما يجبرون على توقيع عقود على بياض ليتصرف فيها المنتجون والوسطاء كما يشاؤون. ويؤكد على أهمية «الكومبارس» في صناعة السينما لاسيما في المغرب الذي يأمل أن يصبح الوجهة المفضلة لإنتاج الأفلام التاريخية والدينية والعسكرية، ويضيف: «الإنتاج الكبير يحتاج بالضرورة إلى مئات أو آلاف »الكومبارس«، فبعض الأفلام التي صورت بالمغرب احتاجت إلى جيش حقيقي وهو ما يحتم ضرورة الاعتناء بالممثل »الكومبارس« الذي يعكس صورة عن بلده؛ فالممثل الأجنبي قد لا يعرف من أبناء البلد سوى »الكومبارس« الذي شاركه مشهدا سينمائيا». معاناتهم على الشاشة استلهم عدد من المخرجين المغاربة قصص أفلامهم من معاناة «الكومبارس» المغاربة العاملين في مدينة وارزازات، منهم المخرج داوود أولاد السيد الذي استلهم قصة فيلمه «في انتظار بازوليني» من حكاية أوزيد ناصر (وهو أحد أشهر «كومبارس» ورزازات وأقدمهم) وعلاقته بالمخرج الإيطالي باولو بازوليني. ورغم أن المخرج داوود أولاد السيد أسند «للكومبارس» أوزيد ناصر دورا كبيرا في فيلم «في انتظار بازوليني» وخصص له تعويضا جيداً إلا أنه لم يعوضه عن فكرة الفيلم، وعن الساعات الطويلة التي أمضاها مع كاتب السيناريو يوسف فاضل الذي تحدث معه طويلًا حول مسارات علاقته بالممثلين الأجانب الذين شاركهم بعض المشاهد. وتطرح هذه القصة أسئلة حول مدى احترام العاملين في السينما «للكومبارس» المغاربة الذين يشاركون في الأفلام الأجنبية، فالكثير من المهتمين يتهمون المخرجين والمنتجين المغاربة بإقصاء «كومبارس» الأفلام الأجنبية من الأعمال المحلية، وفي احسن الأحوال التعامل معهم بازدراء ودون تعويض في حين أنهم حين يحتاجون إلى «كومبارس» من الأجانب فيتعاملون معه باحترام وتقدير ويمنحونه تعويضا جيدا. ورغم تأسيس جمعية خاصة «بالكومبارس» هي جمعية «القصبة للكومبارس وإحياء الفلكلور»، إلا أن الاعتراف بحقوق «الكومبارس» لا يزال بعيد المنال فأشهرهم لم يحصل على أية وثيقة تعترف باحترافه العمل في السينما. وبالمقابل ينتقد بعض المهتمين بالقطاع السينما تصرفات بعض «الكومبارس» العاملين في الأفلام الأجنبية ويتهمونهم بالتسول باسم الفن، واستغلال بعض المشاهد والصور التي تجمعهم بفنانين عالميين للحصول على شهرة ومال، وبالتالي الإضرار بصورة الفن المغربي، حتى أن بعضهم اصبح يعرض صوره في الأفلام ووثائق التعاقد معه في المقاهي والأماكن العامة، وآخرون عملوا كمرشدين سياحيين واستغلوا شهرتهم الفنية أسوأ استغلال في وقت بدأت فيه الإنتاجات السينمائية العالمية تتوافد على المغرب. كما يتهم بعض النقاد «الكومبارس» بالتماهي مع بعض العادات والتقاليد الغربية الغريبة على المجتمع المغربي، والقبول بأداء مشاهد جريئة وعكس صورة سيئة عن الممثلين المغاربة. ويرى نقاد أن المستوى الفكري والاجتماعي «للكومبارس» لا يؤهلهم للتعامل باحتراف مع العاملين في المجال الفني واستيعاب خلفيات ومضامين الإنتاجات الأجنبية التي تأتي بأفكار غريبة مخالفة لتقاليد وعادات المجتمع، وهو ما يفسر أن بعض «الكومبارس» لا يزال متأثرا بشخصية أداها في الفيلم ومرتبطا بها إلى درجة كبيرة. ورغم عدم وجود إحصائيات تقريبية عن عدد «الكومبارس» المغاربة، إلا أن كثرة الأفلام التي تصور بالمغرب وطبيعتها، يؤكد أن أعدادهم في ارتفاع مستمر فأغلب الأفلام التي تصور بالمغرب هي أفلام تاريخية أو أفلام عن الإرهاب والكوارث الطبيعية، وهذه النوعية من الأفلام تحتاج إلى أعداد كبيرة من «الكومبارس». وترفع طفرة الإنتاج السينمائي من حظوظ «الكومبارس» المحليين في العمل والمشاركة في أفلام مهمة، لكن تطوير عملهم رهين برد الاعتبار لهذه المهنة وإيفاء العاملين فيها حقوقهم كاملة وتأطيرهم وتوعيتهم للدفاع عن حقوقهم وأداء عملهم. جيش من الكومبارس احتاجت بعض الأفلام الأجنبية التي صورت في المغرب إلى جيش حقيقي من «الكومبارس» خاصة الأفلام الدينية والتاريخية، فمثلا فيلم «إبراهيم» شغل 5200 من «الكومبارس»، وفيلم «يوسف» شغل 6100 من «الكومبارس»، كذلك الشأن بالنسبة لفيلم «موسى» الذي شغل 6000 وفيلم «داوود» 4000 و«سليمان» 3600 و«شمشون ودليلة» الذي شغل 3900 و«بول طرطوس» 4916 «كومبارس». ومن أهم المخرجين الذين دأبوا على العمل في المغرب بميزانيات ضخمة وعلى أفلام احتاجت إلى جيش من «الكومبارس» المخرجان: ريدلي سكوت ومارتن سكورسيزي، حيث شارك في أفلام صوروها بالمغرب كـ «غلادياتور» و«مملكة الجنة» و«مدينة القدس» مئات من الممثلين «الكومبارس».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©