الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصمت محمولاً على البوح

29 يناير 2014 23:21
من صميم العدم ينهض نداء الوجود، تلك حقيقة لا يمكن نسيانها، ومن الصَّمت عن الكلام يولد قول الكلام حتى عُدَّ أدب الصَّمت ذلك (الأدب – الضد) الذي يناور بين شعرية الصَّمت وإغواء الكلام، لكنّه، وفي نهاية المطاف، يقول الإنسان من خلال ذلك الأدب صمته على نحو إبداعي. يقول الناقد الأميركي تشارلز جليكسبيرج، أستاذ اللغة الإنجليزية في (جامعة بروكلين): «إن الأدب في حقيقته، ومهما كان مأساوياً، ومهما انتهى إلى آخر أقطاب النَّفي المطلق، إنما هو احتفاء بالحياة، وتأكيد لها»، وهذا بالضبط ما يعتمل تجربة الشاعر الإماراتي الدكتور مانع سعيد العتيبة كما تمثلها في ديوانه الشعري الخامس والستين (وعاد الصَّمت)، الديوان الملحمي، الصادر في أبوظبي مطلع عام 2014. إن (أدب – الضد) لا يمثل قيمة سلبية تستبطن دعوات عدمية، إنما هو مناورة جمالية تُعيد بناء الذات الصامتة، بكل ما فيها من أهواء ومواقف فلسفية جوانية، على نحو مغاير، من شأنه استنطاق شعرية الصَّمت بعد الشعور العميق بخواء وفداحة القول اللساني، وعجز قدرة الكلمات على التعبير عن مكنون الذات البشرية الشاعرة التي تلوذ بالصَّمت كونه أكثر قدرة في التعبير عن تلك المضمرات، بكل ما للصَّمت من حشد دلالي لا يظهر إلا كوجود شعري في خطاب التجربة الإبداعية. لم يأت الشاعر في ديوانه الملحمي الجديد إلى الصَّمت المطلق، مثلما جاء غيره من الشعراء إليه، لكنه جاء إلى فيافيه كضدٍّ نوعي، فها هو الشاعر يجعل من (الصَّمت) موضوعة متخيَّلة لملحمته الشعرية. ولما كانت الكتابة الشعرية تسرِّب الواقع، وبأي نحو من الأنحاء، فإن المتخيَّل الشعري الملحمي في ديوان (وعاد الصَّمت) سرّب الواقع الموضوعي الذي يعيشه الشاعر، وهو الواقع الذي صار فيه الصَّمت أبلغ من الكلام، وبين هذا وذاك تدور مخيّلة الشاعر المرهفة في التقاط أنفاس الذات البشرية الحائرة لتظهر كذات للشاعر مرة، وكذات (ناص) هي (ذات) الشاعر نفسها مرَّة أخرى. الشاعر الوزير ولد الدكتور مانع سعيد العتيبة في منتصف عام 1946، وأنهى دراسته الثانوية في عام 1963. سافر إلى العراق ليدرس الاقتصاد في (جامعة بغداد) حتى تخرج فيها عام 1969، ليترأس (دائرة البترول) في العاصمة أبوظبي، ومن ثم يصبح في عام 1971 وزيراً للبترول والصناعة في أول وزارة لإمارة أبوظبي. وبعد عام يصبح وزيراً للصناعة والبترول في دولة الإمارات العربية المتحدة، ليواصل دراسته العليا في الماجستير بـ (جامعة القاهرة) عام 1974، وبعدها بعامين يحصل على درجة الدكتوراه من الجامعة نفسها، ليعود إلى أرض الوطن، ومنذ عام 1999 أصبح يشغل منصب المستشار الخاص للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، حتى تقاعد. حصل الدكتور مانع سعيد العتيبة على العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات عربية وعالمية عريقة تقديراً منها لدوره البارز وجهوده المثمرة في عالم الاقتصاد والبترول والمال، منها: الدكتوراه الفخرية في القانون الدولي من (جامعة كيو) اليابانية، والدكتوراه الفخرية في القانون العام من (جامعة مانيلا) في الفلبين، والدكتوراه الفخرية في فلسفة الاقتصاد من (جامعة ساوث بيلار) الأميركية في كاليفورنيا، والدكتوراه الفخرية في الاقتصاد من (جامعة ساوباولو) البرازيلية. أما في مجال الدراسات الاقتصادية والمالية والبترولية فكتب الدكتور مانع سعيد العتيبة مجموعة من المؤلَّفات المتخصِّصة، منها: (اقتصاديات أبوظبي قديماً وحديثاً) 1971، و(أوبك والصناعة البترولية)، 1975، و(البترول واقتصاديات الإمارات العربية المتحدة) 1990. وهو يربو على عامه السَّبعين، ظلَّ العتيبة ملازماً للإبداع الشعري في شكليه النبطي الذي كتب فيه حتى الآن أربعة وعشرين ديواناً، وفي شكله الفصيح الذي غلب على تجربته الشعرية حتى كتب فيه أكثر من أربعين ديواناً شعرياً صدر آخرها هذا العام تحت عنوان (وعاد الصَّمت). أما على صعيد الكتابة السردية، فقد نشر العتيبة روايته الأولى (كريمة) التي صدرت طبعتها الثالثة في عام 1999. جسديَّة النَّص ينطوي ديوان (وعاد الصَّمت) على سبعين نصاً شعرياً مقفّى جاءت في تسلسل متتال من دون أن تحمل القصائد أي عناوين، ما جعل الديوان أشبه بقصيدة ملحمية طويلة موزعة على سبعين مقطعاً شعرياً، إلاّ أن فهرس الديوان (ص 145 - 149) لجأ إلى استخدام ترتيب الفصول، فكل مقطع من القصيدة الملحمية المطولة هو فصل، بينما لم يظهر ملفوظ «الفصل» في ترقيم القصائد في متن الديوان، بدلاً من ذلك وضع الناص أو الشاعر مانع سعيد العتيبة ملفوظ «وعاد الصَّمت» فوق كل ترقيم يخص قصيدة من القصائد، وتلك مزية أسلوبية من مزايا تقنيات الكتابة الشعرية ذات القالب الملحمي. في السياق الجسدي - النَّصي أيضاً، ضم الديوان عتبة موازية واحدة حملت عنوان «مقدِّمة» موقّعة بقلم الشاعر في تاريخ 1/1/ 2014، قال فيها: «وعاد الصَّمت، هذا الديوان الجديد، يأتي في ظروف يحيط بها الضباب هذا الوطن العربي الكبير، وفي الضباب على الإنسان الحكيم أن يصمت إلى أن تشرق الشمس من جديد، وتتوضَّح الحقائق، وتبين الدقائق، وتستريح الأحكام» (ص 3). من رحم الفوضى، ينبثق إحساس الشاعر بما يجول ويصول به راهن حال الإنسان العربي الجريح، في ظل مأزق الذات العربية المهزومة، والمتشظية بين الجوع والفقر والحروب وغياب الحريات العامة الحقيقية. ناهيك عن الحروب البينية المذهبية والمناطقية، التي باتت تدهمنا صباح مساء كلما شاهدنا شاشة التلفاز، في وقت نسي فيه العرب همومهم الكبرى كتحرير فلسطين، ومحاربة الفقر والجوع، وغير ذلك. دلالات العنوان يوحي عنوان الديوان (وعاد الصَّمت) بأن ما قبل (الصَّمت) كان (الكلام)، وأن ما قبل (الكلام) كان الصَّمت، لكن هذا الأخير قد عاد مرة أخرى «يعود الصَّمت بعد غيابه زمناً»، يقول الشاعر، (ص 8)، وهو يرمي بأثقاله القاسية على أكتاف الذات العربية المعاصرة، ومنها (ذات) الشاعر الملتاعة بحرائق الموجود التي صارت تلتهم الأخضر واليابس معاً، بينما (ذات) الشاعر الرقيقة والحسّاسة لا تقوى على الصمود في وجه العاصفة المدمرة التي تجتاح أزاهير الحياة، فلا نجاة سوى بالفرار إلى (الذات) مرة أخرى، ولجم كلامها، عبر الاختباء في دياجيرها تفيؤاً بالصَّمت. ولكن، هل حقاً يصمت الشاعر أو تصمت ذات الشاعر المتخيَّلة عن القول أو الكلام؟ هنا تنبثق ضدية الأدب، الأدب الذي يتكلَّم صار سجين الصَّمت «ولا تثقي بغير الصَّمت»، يقول الشاعر، (ص 6)، لكنّه الصَّمت وقد صار له لسان الكلام ليظهر ككينونة أدبية توجد وتقول صمتها من دون الاستغراق في وحدة وجود مطلقة مع (الذات) وعلى نحو مغلق، فالشاعر يوجِّه نداءه إلى حبيبته متوسلاً بها: «أعيديني إلى صمتي أعيديني» (ص 5)، وهو قابع في شرنقة الصَّمت، ليفكَّ أسره عن صمته، ويفك الصَّمت عن ذاته المنهارة في عذاب لحظة الوجود من دون إشهار الرغبة بالتخلُّص الكلي من حبائل الصَّمت، فهو يطالبها بأن تعيده إلى صمته الذي وجده راتعاً برخاء البال ودعة العيش. في تجربة مانع سعيد العتيبة الشعرية الملحمية ثمة اتحاد بين (الذات الشاعرة) و(ذات القول الإبداعي) نفسها، فإذا كانت (ذات الشاعر) وقد آثرت اللجوء إلى الصَّمت في أزمنة الصخب والكلام الذي يودي بحياة البشر في ظل محنة ضياع الإنسان في متاهات الموت المجاني الراهن، فإن الصَّمت (موضوع الحالة) اندسَّ، وعلى نحو وجودي، في كينونة القول الشعري ذاتها، فها هي حروف القول الشعري وقد هيمن عليها الصَّمت، بل ها هي نحويات وصرفيات اللغة وقد سكنها الصَّمت مخاتلاً، يقول الشاعر: «بلا خوف ينام الصَّمت في حرفي وتغفو فيه عين النَّحو والصرف فكُفي عن قراءته فلا جدوى لحرف صامت في ضجَّة العُنف ولن تجدي إذا أمعنت في نظر إلى حرفي سوى حالي سوى ظرفي» (ص 7). إن انعقاد اللسان عن الكلام في ضوء فداحة استفحال الصَّمت قد يدعو الشاعر إلى الكتابة على كف يده، فنص الكلام وقد غاب، ولم يبق سوى راحة اليد كنص كتابي أثري بديل يمكن الكتابة على جلدته، لكنّها اليد لا تقوى على قول ذات الشاعر لما فيه من وجع وجودي مؤلم الثنايا: «تركتُ القول في زمن ولكنّي أسجل بعض أحلامي على كفي» (ص 7). ويقول العتيبة في المقطع الثامن والعشرين من الديوان: «وآن الأوان لكي أستريح وكي يبدأ الشرح والنوح والصَّمت» (ص 59). طاقة الصَّمت في هذا الديوان الملحمي، جعل العتيبة من (ذات الشاعر)، وكذلك من (ذات الحبيبة) المشتكى إليها ذوات حالة (Sujet d’ état)، أما الصَّمت فجعله موضوع الحالة (Objet d’ état) بوصفه المشترك التواصلي بينه وحبيبته التي فتحت شكواه لها أفقاً بينياً حتى نرى الشاعر يداري الصَّمت، ولا يسعى إلى إيقاظه من سباته العميق، فهو ملاذه ومسكنه القادم الذي لا ينبغي التأثير في كينونة أحلامه رغم فداحة الأثر الذي ينتج عن ذلك السبات، يقول الشاعر وهو يوصي الحبيبة بألاّ تكسر الزجاجة التي يختبئ بداخلها الشاعر مع صمته: «يعود الصَّمت فاحتفلي بعودته بلا صوت ليسمعنا ويفهمنا أحبُكَ لا تقوليها سأسمعها إذا ما صدرُك الحاني عليَّ حنا بلا صوت يكون البوح ذا أثر وكم بالوحي روح الحب كلّمنا ويبقى الصَّمت لي طوقاً ألوذ به ومالي عنه في بحر الكلام غنى» (ص 9 - 10). ويطلب من الحبيبة في مقطع شعري آخر أنْ تدعه يرتع في أمان الصَّمت فهو المنقذ من شياطين القول الشعري، بل هو المنقذ من كل السهام الضارية التي يفوتها الصَّمت الغارق في عتمة لا تراه حتى سهام الكلام الشعري، ويسألها، وهو الحبيب الملتاع، أن تدثره بعيداً عن برد وصقيع الأزمان، بل وأن تخط وجوده في «صفحات سفر الصَّمت» (ص 17)، يقول العتيبة: «لأن الصَّمت أعطاني حكاياتي فإني حين أرويها أرى ذاتي» (ص 73). وهذا يعني أن (ذات الشاعر) قد ألفت موجودية الصَّمت بحنو، بل والعيش في أجوائه الرحبة إيماناً منها - الذات - بأن الصَّمت يختزن طاقة هائلة من المعاني والأفكار والتصورات، بل هو الأكثر قدرة على التعبير عن مكنون المشاعر والأحاسيس والأهواء، تلك التي تتوسَّل اللسان والشفاه أداة للتعبير عن دفين النَّفس والروح والذات: «وليس الصَّمت سجن القول فانتبهوا فما لنزيل سجن الصَّمت إفراج فأحياناً يقول الصَّمت ما عجزت شفاهي عنه إنْ خطباؤنا هاجوا» (ص 20). الاغتراب يقول إدوار الخراط: «إن الفزع بإزاء هشاشة الوجود الإنساني، وعرضيته، والروع أمام مؤسسات القمع، والتمرّد بإزاء أجهزتها الوحشية الخرساء أو الصارخة في الأنظمة الاجتماعية والكونية معاً، هي التي تعيد تأكيد صلابة الإنسان إذ يقف أمامها غير مخرس يبحثُ عن الحقيقة في قلب الصَّمت، وعن الحب في قلب الخواء، وعن التشارك في قلب الاغتراب». إن روح الشاعر العتيبة المكتظة باليأس والممتلئة الإحساس بالدمار لا تجعله عاجزاً أمام عدمية الوجود، فلأنه الشاعر تراه يمتشق سيف التكيف الثوري مع الحالة من خلال الصَّمت الذي يمارس قوله الشعري من دون السقوط في حبائل الصَّمت المطلق، أو الخرس المطلق الذي يشبه الهزيمة النهائية للإنسان أمام أقداره الكبرى. ولهذا نجد مانع سعيد العتيبة يدفع بالصَّمت إلى حلبة المشهد اليومي رغم أن «الصَّمت يجرحه ويفضحه أمام القوم»، كما يقول الشاعر (انظر: ص 14)، لكنّه الصَّمت لا ينال من كبريائه وهو الشاعر البحّار الذي جرّب دروب الشعر: «أنا هو بحّارُ حرف عنيد وعيني دجى الصَّمت ما فرقه فما كنت مِلك يمينِ الرياح لتلعب بالحرف أو تسرقه أنا سيد الحرف أستاذه وشمسي على أهله مُشرقه تعالي إلى الصَّمت من غير حزن فما ظلَّ دمعٌ لكي نهرقه معاً يا ولية أمري سننجو من القول فهو لنا محرقه» (ص 29 - 30). تبدو دعوة الشاعر لحبيبته بانضوائهما معاً تحت طائلة الصَّمت شكلاً من أشكال التشارك في قلب الاغتراب الذي أشار إليه إدوار الخراط، والشاعر بذلك يحقق النجاة من سطوة القول مقابل السلام المأمول في الصَّمت، لكنّ الشاعر يجعل في الصَّمت كوة ينفذ من خلالها إلى يوميات الحب الذي يغلفه الجفاء، فيسأل الحبيبة: «أما بيننا الحب أم لا نزال عن الحب بالصَّمت ذا مغتنين عشقتُك بالصَّمت لكن قلبي يُصرُّ على البوح لو تأذنين» (ص 32). ونراه يبرِّر ذلك في مقطع آخر: «مع الصَّمت يلقي فؤادي خطابا يُقيم المدائن يُحي القرى أعود لصمتي فيخفى كلامي كما يختفي الميت تحت الثرى» (ص 35). تحفل قصائد الديوان بجانب سردي يبدو طاغياً في بعض مقاطعه، فهناك قصَّة الشاعر الذي آثر الصَّمت على الكلام، وعندما دخل - الشاعر - في عالم الصَّمت، بوصفه طريقة للتعبير عن الحالة الوجودية، نراه يدعو حبيبته إلى الانضواء معه تحت عالم الصَّمت: «أنا يا حبيبتي أريد البقاء لديك لستُ أطيق التخلي» (ص 42)، وهو الشاعر الذي باتت حروفه جريحة (انظر ص 40)، ولهذا نجده في مقاطع شعرية أخرى كثيرة يطلب منها استثناء نأيها عنه وهو الذي لم يعد لديه سوى الصَّمت كخيار أخير: «هو الصَّمت آخر ما ظلَّ عندي» (ص 40). ورغم إصراره على حبها والوفاء لها، وهي رفيقة درب عمره (انظر: ص 49)، فإنه لا يتوانى في توجيه ندائه إليها قائلاً: «أحب نداء سيدتي وأخشى على سرٍّ إذا ناديتُ يُفشى فسيدتي رفيقة درب عمري ودرب العمر بالأحباب يُمشى سقتني الحب كأساً بعد كأس وظلّت عند نهر الحب عطشى أحب نداءها وأريد لكن رأيتُ الصَّمت بي داءً تفشى» (ص 49). ونرى الشاعر يواصل دعوة حبيبته ورفيقة دربه إلى التخلي عن الكلام أو القول لما فيه من زيف ودجل، فما عاد فيه نفع ولا فائدة والإنسان في الأوطان صار أمثولة للمهانة والقتل اليومي على غير غاية سوى تدمير الحياة، لكنه الشاعر يبقي على جذوة أمل للآتي من الأيام رغم خراب الحال: «تعالي نقرأ الآتي بلا وجل فللآتي خطابٌ غير مرتجل تخلي عن هراء القول سيدتي وعن نثر وعن شعر وعن زجل وعيشي مصرع الإنسان في وطني وذوبي في جنازته من الخجل وخلي الصَّمت يمنحنا ستارته فما في القول غير الزيف والدجل» (ص 51). في المقطع السبعين، وهو الأخير، من ملحمته الشعرية (وعاد الصَّمت)، ينسف العتيبة ضدية الأدب عندما يعود أدراجه إلى فتنة الكلام الشعري: «عدتُ للقول أخيراً ومعي عاد السماح إنّما أقسم حرفي لا بكاء ولا نواح لا علو الصوت نهج لا ولا الصَّمت سلاح لا نفاق، لا رياء وهو اليوم متاح زورقي حرف شجاع حينما تدوي الرياح وشراعي كلمات معها طاب الكفاح فتعالي وتعالي بوحنا الآن مباح» (ص 143 - 144). وفي مقطع آخر من ملحمته هذه يتخلّى فيه الشاعر عن صمته الذي تمسك به كملاذ، قال فيه: «لم يعد صمتي صديقي بعد أن أعلنت ضيقي فأنا أحتاج صوتي فاسمعيني واستفيقي حبّنا الخالد باق في زفيري وشهيقي وغنائي لهوانا طوق إنقاذ الغريق» (ص 133). جماليات الصورة خلال تجربته الشعرية التي امتدت لسنوات طويلة، ومن خلال دواوينه الشعرية متتالية الصدور، حرص الشاعر مانع سعيد العتيبة على بناء صورة شعرية زاخرة بجماليات المؤدّى الشعري سواء في شعره النبطي أو الفصيح. وفي تجربته الشعرية الملحمية الجديدة (وعاد الصَّمت)، نضد العتيبة صوراً عابقة بجماليات الحضور عبر اللغة الموحية، ومن خلال توظيف جماليات الاستعارة والتشبيه وغير ذلك من بديعيات القول البلاغي التي تدخل في هذا الإطار. إن تجربة الشاعر الدكتور مانع سعيد العتيبة في (أدب - الضد)، ومن خلال ديوانه الملحمي الجديد (وعاد الصَّمت) اجتاحتها مغامرة الشاعر في كتابته الشعرية، ففي الوقت الذي سقطت فيه شاعريته في إغواء الصَّمت، نراها تسقط ثانية في إغوائية الكلام، وتلك هي خاصيَّة الكتابة الملحمية التي بدت لدى الشاعر الدكتور مانع سعيد العتيبة ذات تضمين رائق للعبة القول الشعري بكل ما في هذا الأخير من مسوِّغات المناورة والتحكُّم بالذات الشاعرة وبقولها الشعري على حد سواء. دوواين الشعر أصدر الشاعر مانع سعيد العتيبة 24 ديواناً من الشعر النبطي هي: أغنيات من بلادي، دانات من الخليج، واحات من الصحراء، همس الصحراء، ليل العاشقين، على شواطئ غنتوت، نسيم الشرق، سراب الحب، ظبي الجزيرة، الغدير، ريم البوادي، وردة البستان، فتاة الحي، بوح النخيل، في ظلال الغاف، في البادية، غناء السحاب، حناء الضياء، القافلة، نور العيون، طيور الشوق، بيني وبينك، بدر الأماني، الظهير والبطين. كما أصدر 41 ديواناً من الشعر الفصيح هي: خواطر وذكريات، ليل طويل، المسيرة، قصائد إلى الحبيب، نشيد الحبيب، أمير الحب، مجد الخضوع، محطات على طريق العمر، قصائد بترولية، الرسالة الأخيرة، ضياع اليقين، أغاني وأماني، الرحيل، بشاير، لماذا؟، لأن، نبع الطيب، خماسيات إلى سيدة المحبة، أم البنات، الشروق، سُعاد، للروح أجنحة، صدى الأمواج، شمس الخلود، لا يجوز، إلى أين، عصماء، مشاعر، نجوم النهار، موشحات، رباعيات الصَّمت، معلقات على جدار الزمن، إلى قارئة جديدة، حتى، لو، هند، دموع وشموع، باب الشمس، هذي يدي، مواقف وكلمات، وعاد الصَّمت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©