الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النص هوية الكاتب

النص هوية الكاتب
25 سبتمبر 2013 20:29
في طبعة أنيقة ومجلد ضخم (334 صفحة)، أصدر الكاتب والناقد والمترجم المغربي إبراهيم أولحيان كتابه الجديد “شرفات متجاورة: نصوص وحوارات في الأدب”، وذلك عن دار “دال” في سوريا. في هذا الكتاب يأخذنا إبراهيم أولحيان في رحلة أدبية في قارات معرفية وأدبية مُختلفة، فكل واحد من هذه الشخصيات العالمية يفتح عيوننا على عوالم ملأى بالمفاجآت، ومسكونة بالأسرار التي وحده الأدب قادر على كشفها، من خلال تلك الأسئلة الخبيئة في إحساساتنا، وفي علاقاتنا مع ذواتنا ومع العالم.. شخصيات لها عمق تاريخي، تحفر، عبر الكتابة، في كينونة الإنسان، لتجلو الغامض والمجهول، ولتجعلنا نقف على ما يستطيعه الأدب حين يكون حقيقياً وعميقاً؛ الأدب المؤسس على معرفة تاريخية وفلسفية ونفسية.. ويسير نحو فهم الإنسان في تفاصيل حياته، ويقول ما لا تستطيع الخطابات الأخرى أن تصل إليه. يرافقنا إبراهيم أولحيان من خلال صفحات هذا الكتاب إلى حوارات يتشابك فيها الذاتي والموضوعي؟ الخيالي والواقعي، التفكير في المنجز والتأمل في المستقبل، الوقوف عند العابر والتافه، والتصدي للأسئلة الجوهرية لوجود الكائن، البحث في التفاصيل للقبض على القضايا الكبرى، ربط الذاكرة بالراهن، والتشبث بالحلم.. ونصوص ترافقها لتضئ عتمات الكلام، وتنير أنفاق الكتابة، لتقدم رؤية شمولية عن مشروع الكاتب، أو تضعنا أمام نموذج لكتابته، حتى سرى القارئ من تلك الشرفة آفاق الأدب الرحبة، والأمل في أن توقظ فيه مغامرة البحث والاكتشاف، وجعل قراءته سفرا دائما في تضاريس الإبداع العالمي، والانتقال من شرفة إلى شرفة في جولة متاهية تُبدد اليقين، وتشعل فتيل الحيرة والشك واللا طمأنينة.. فربما يعثر على ظله، ويستعيد ذاته، مقتربا في ذلك من هشاشته، ومن اللاّمرئي واللاّ مسموع. ويذهب أولحيان إلى القول إنه لا بد لكل منشغل بالإبداع والفكر أن يجد نفسه ينجذب إلى سلالة من الكتاب، ينتمي إلى مساراتهم، ويشاركهم أفق تفكيرهم وانشغالاتهم، يحس أنه معني بأسئلتهم، وبجوهر عملهم، لأن هناك وشائج كثيرة في واقعه وفي حياته تربطه بهم؛ وحين يقع هذا التلاقي، يبدأ الحفر في اتجاههم، لتتضاعف الأسماء والعوالم، وليجد نفسه ضمن شجرة أنساب غنية، لها جذور عميقة، فـ”الكتاب الواعي بعلاقاته الثرية مع الشجرة سيقيم حوارا مع كل العناصر التي تتشكل منها” (غويتيسولو). وهذا الكتاب هو ثمرة تلك العلاقة، التي كانت في الأول شخصية، لكن عشق مشاركة لذة الاكتشاف والقراءة مع الآخر، تورطنا دائما في الكتابة والترجمة. ويشير المؤلف إلى أن علاقة صداقة شخصية ربطته لسنوات طوال مع شخصيات أدبية من الطراز الكبير أمثال خوان غويتيسولو الذي قال عنه المؤلف “رافقناه منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، وكان ذلك شبه يومي، كل مساء مع غروب الشمس، في جلسات حميمية بإحدى مقاهي ساحة جامع الفنا بمراكش، وكانت أحاديثنا تتشعب، لتلمس التافه واليومي، وتغوص في أحايين كثيرة إلى القضايا الجوهرية في العالم، أو دنيس جونسون ديفز، المترجم العالمي، الخبير في الأدب العربي الحديث، موضوع نقاشاتنا، ومدار تشابك آرائنا، ذلك منذ بداية الألفية الثالثة في بيته في مراكش أو في القاهرة، رفقة زوجته الفنانة الفوتوغرافية باولا كروشياني، أو عبد الكبير الخطيبي الذي أتيحت لنا الفرصة مرارا للقائه، وآخرها بمنزله بالهرهورة ذات مساء صيفي، قبيل وفاته، وكان حديثنا عن مشاغله وتعدد كتاباته، وعن أعماله التي قرر أن يصدرها كاملة في ثلاثة مجلدات بفرنسا”. في حوار أجراه جيرار دوكوتانز مع خوان غويتيسولو وترجمه أولحيان نقف عند ثراء ثقافة هذا الكاتب وتنوعها وانفتاحها على ثقافات ذات خصوصية مختلفة، كالثقافة العربية الإسلامية، وحفره في نصوص كبار الكتاب (ابن عربي، ابن الفارض، سرفانتيس، دانتي، غونكورا، دولاكروث، روخاس، خوان ريوث، بورخيس..) ليؤسس معها علاقة حوار فعال “يتم دون اهتمام بأذواق العصر ومعاييره.. يغطس إلى الجذور العميقة، ليكشف علاقاتها بالثقافات المختلفة”، وذلك “ليوسع إبداعه الخاص ولبسط قواعد لعبة باستمرار في مجالات جديدة خصيبة”. فكتابات هذا الكاتب، برأي محاوره، خصوصا في مجال الإبداع الروائي، ثرية، منفلتة لاقتحامها في كل مرة أرضاً جديدة ومدهشة، وذلك ما جعل كتبه تترجم إلى لغات عدة وتؤلف حولها الكثير من المؤلفات لذلك ليست الرواية، بالنسبة إليه، للتسلية، بل هي عمل جاد يتطلب استعدادا كبيرا وإحاطة بمعارف عديدة في شتى المجالات، وكذا معرفة دقيقة بالواقع الذي تروم الاشتغال عليه. ويرى صاحب الحوار أن لهذا الكاتب الإسباني ثقافة كبيرة ذات مشارب مختلفة متعددة، فهو ليس مبدعاً روائياً فحسب، بل هو ناقد مفكر رحالة أيضاً. وإذا أردنا الدقة فالناقد والمفكر والرحالة فيه هو ما يؤسس قوة إبداعه الروائي، لأن موهبة الكتابة لا تكفي دائما لخلق نص روائي جيد، يخترق الزمن، بل لا بد من جهد وعناء، وتجربة عميقة في النصوص والحياة. فمن موقع السؤال والمغامرة ينطلق غويتيسولو مسربلا بالاختلاف والمغايرة في مواجهة الذات، مؤمناً بالحوار الفعال مع الآخر (وهو جزء من هويته)، هذا الحوار الذي يعتمد نقداً مزدوجاً هداماً، من أجل تأسيس هوية تعترف بالآخر بما هو انصهار في الذات ومحو لكل تمركز عرقي يبغي الإلغاء والتذويب. بورخيس تفرده في مجال القصة، وقد ساعده على ذلك سعة اطلاعه على ثقافات مختلفة، ومن بينها الثقافة العربية الإسلامية وقد احتل هذا الحوار جزءا كبير من صفحات الكتاب (أزيد من 50) ليأخذنا إلى شرفة أخرى منفتحة على شموخ الأدب الاسباني، إنه الكاتب العالمي الشهير خورخي بورخيس الذي وصف كتاباته بكونها تتميز باستثمارها لجميع الأجناس الأدبية على اختلافها وتنوعها، وبتضمينها لمجموعة من المعارف والثقافات المختلفة، فالنص البورخيسي برأي إبراهيم أولحيان يحتوي في الآن نفسه على: قصة، شعر، مقالة، فلسفة، إلخ.. وهذا ما أعطى هذا الكاتب الأرجنتيني تفرده في مجال القصة، وقد ساعده على ذلك سعة اطلاعه على ثقافات مختلفة، ومن بينها الثقافة العربية الإسلامية، التي استقطبت اهتمامه، وشكلت بؤرة العديد من نصوصه. إن أغلب نصوص بورخيس هي عبارة عن طروس شفافة، كتابة في شكل تناسخات عديدة. وهنا تأتي صعوبة قراءته، واختراق نصوصه. وهذا الحوار يمنحنا متعة التعرف إلى بعض أفكار هذا الكاتب، وبعض من مشاغله واهتماماته، كما يمنحنا فرصة التمتع بطريقة تعامل بورخيس وكبار الكتاب، وكيفية قراءته لهم، إضافة إلى معالجته لبعض الإشكاليات المرتبطة بكتاباته، كالترجمة وعلاقتها بالأدب، وإشكالية الزمن باعتباره “المشكل الجوهري للوجود”، وهو حاضر في أغلب نصوصه بشكل صريح أو ضمني. والنص البورخيسي برأي الكاتب «لا يخبو بالقراءة الواحدة، بل بتعددها يشتغل ليضيء عتمات الكائن الخفية. ولكي نعبر نحو قراءة إنتاجية، قراءة تخلق النص، وتؤثث فراغاته، بل بياضات صمته، كان لا بد أن نحوم حول هوامشه، لتساعدنا على اكتناه فداحة ليل معناه».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©