السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

هلال الحجري.. اعتصام بالحزن داخل مخيلة الشعر

29 ديسمبر 2006 23:51
مفيد نجم: يحيل عنوان مجموعة الشاعر العماني هلال الحجري على أنا (المتكلم/ الشاعر)، يمنح الخطاب الشعري في هذا الديوان مرجعيته، ويؤسس لميثاق العلاقة بين الراوي والقارئ، إذ إن العنوان باعتباره مرسلة محمولة على العمل/الديوان، يخترق تلك النصوص ويشكل نواة بنية دلالية أولية، وهذه المرسلة موجهة إلى مرسل إليه هو القارئ المفترض· ولعل انتخاب الشاعر لعنوان داخلي لكي يكون عنوانا رئيسا ينطوي على مقاصد دلالية وجمالية، نظرا لما يلعبه العنوان من دور هام بحكم أولية موقعه في عملية الاستقبال، في إنشاء العلاقة مع القارئ· وتتجلى الوظيفة الشعرية للعنوان في الإحالات التي يقوم بها على نصوص الديوان، إذ تشكل مفردة الليل أكثر المفردات استعمالا، لا سيما في الجملة الاستهلالية التي تؤسس للقول في بداية القصيدة: سأصحو هذه الليلة/فقط لا··/هذا الليل لي ولن يشاركني فيه أحد/ لم يبق في هذا الليل/ غير كلاب تعوي·· في آخر الليل/وحدي أنا سأنطفئ الليلة/ مبكرا· هذا الأمر يجعل علاقة الشاعر بالليل تنطوي على دلالات متعددة، وتشكل مفتاحا قرائيا لتجربته في هذا الديوان· شكل الكتابة الشعرية يتألف الديوان من عدد من النصوص الشعرية القصيرة، التي أشبه ما تكون بومضات شعرية، يلعب العنوان دورا محوريا في تحديد موضوعها، أو يكشف عن حركة الخطاب، ما عدا قصيدتي ''رسائل إلى امرأة العاشرة'' و ''أغنية لسيدة الرمل'' اللتين تتميزان بطولهما النسبي، وتوزعهما على عدد من المقاطع التي حملت أرقاما متسلسلة تحمل دلالة كمية، وتشكل خرقا لمبدأ العنونة· وتنضاف إلى هذه الميزة ميزة أخرى، تتمثل في تنوع أشكال الكتابة التي تستدعي معها بنيتها الخطابية والبلاغية والموسيقية، فإلى جانب قصيدة النثر التي تصدرت قصائدها نصوص الديوان، هناك قصيدة التفعيلة، وقصيدة الشطر الواحد مع استخدام تكرار اللازمة في نهاية كل شطرين، ما يكشف عن نزعة البحث والتجريب في هذا الديوان، ومحاولة استثمار أشكال الكتابة الشعرية العربية· ومع أن الشاعر يحدد في بداية الديوان تاريخ كتابة هذه القصائد وهي الفترة الممتدة بين 1990 و2005 إلا إن توزيع القصائد في الديوان ينطوي على مقاصد فنية وجمالية، تعكس رؤية الشاعر وموقفه من أشكال الكتابة الشعرية، إذ خضع ترتيبها لقواعد فنية ترتبط بشكل الكتابة الشعرية وفق الأحدث، فجاءت قصائد النثر أولا، ومن ثم قصائد التفعيلة، وأخيرا القصائد العمودية أو قصائد الشطر الواحد· ولم يكن هذا الترتيب هو الدلالة الوحيدة على مفاضلات الشاعر في شكل الكتابة، بل هناك عدد النصوص الشعرية الذي تحتل فيه قصيدة النثر المساحة الأكبر· لوعة الغياب على الرغم من أن المرأة لا تظهر في نصوص الشاعر مستقلة عن موضوعات الحياة الأخرى، إلا أنها تشكل بؤرة الخطاب الشعري بوصفها الملاذ والملجأ الذي يحتمي به من حزنه وخوفه وضياعه· وتكشف هذه العلاقة بالمرأة عن ارتباطات نفسية ودوافع لا شعورية، تنبع من المعنى الرمزي الذي تمثله المرأة: اللهم أي شيء/ أحشر فيه ضياعي هذا/ ولو بحجم سرة- كل ما أحتاجه/في لحظتي هذه/سرّة امرأة أحتمي بها من حزني الذي لا جذور له/ من أعماق الغربة أفزع إليك/ كالبدوي إلى سيفه/انحنيت على كثبانك الدموية/ربما/باحثا عن طفولتي السحيقة)· وتتداخل هذه المعاني والصور والدلالات، كاشفة عن تداخل المعنوي مع الحسيِّ، حيث تتجلى المرأة بمعانيها الحسية كموضوع للرغبة المشتعلة، وجموح الخيال الذي يجد في فتنة الجسد ومجازاته غواية لكتابة، تستجلي مضمرها الإيروتيكي الذي يمتزج فيه المازوشي باللذة، والحب بالألم: النادلة/التي قلت لها ذات ليلة/ أشتهي أن أبكي بين نهديك/هجرت/ وعندما تمررين يديك الناعمتين/في غابات جنوني/ينز من قلبي/حزن قديم/ ولأنني من شرق الخرافات/ ونكران الذات/كنت أكتفي منها/بجروحها الدامية في قلبي· التناص التاريخي والواقعي يلاحظ على التجربة المعاصرة في عُمان انشغالها بالتاريخ العماني القديم، وبالعلاقة الحيّة والعميقة مع المكان· وتفصح هذه التجربة عن هذه الانشغالات من خلال التناص الذي تقيمه مع ذلك التاريخ سواء من خلال استدعاء أسماء هامة لعبت دورا مؤثرا في صنعه، أو عبر التناص الواقعي أو التناص الاجتماعي الذي تقيمه مع الواقع، وفي مقدمة ذلك المكان بخصوصيته التاريخية والاجتماعية بوصفه ذاكرة وكينونة متحققة عبر هذا الوجود المتجدد والمستعاد لذات تدرك فيه ومعه هويتها، وملامحها الخاصة· وتتمثل علاقة التناص تلك في استدعاء أسماء (خالد الجلنداني- مالك بن فهم- إرم- الواصل ''وهي قرية الشاعر''- الجبل الأخضر- رحمة جابر الجلهمي-أبو مسلم البهلاني- الشيبة)· إن هذا الارتباط بالمكان والتعبير عنه في نصوص الشاعر، يجعل الذات الشعرية تقيم اتصالها بين الماضي والحاضر، متخذة من تلك العلاقة الجدلية تعبيرا عن واقع مهزوم ومحبط، ما يجعل الخطاب الشعري في هذه النصوص يكون متجها مباشرة إلى تلك الأسماء التي يستدعيها، وتستدعي معها فضاءها الوجداني والتخيلي· يظهر الجانب الوجداني مهيمنا على نصوص الديوان، ولذلك يأخذ الخطاب صيغة المفرد المتكلم، في حين يكون الخطاب موجها إلى الشخصية التي يستدعيها وتكون حاضرة في عنوان النصوص، أو إلى قارئ مفترض والصيغة الأخيرة هي الأكثر تعبيرا عن حياة عمرها عشرون عاما من العواصف والأسئلة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©