الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رثاء النفس

26 سبتمبر 2011 23:54
يحفل أدب العرب بشعر الرثاء الذي يعد من أصدق الشعر وأعذبه، فقد عرف عن العرب رقة مشاعرهم على الرغم من قساوة عيشهم في الصحراء، التي جعلتهم مرهفي المشاعر يبكون بصدق، على أهليهم وأحبتهم ومحبوباتهم، ولا يزال العرب إلى اليوم من الشعوب صادقة المشاعر، أو من الشعوب العاطفية التي من السهولة بمكان التأثير عليهم عاطفياً. المأساة، كما يقول أرسطو في نظرية التطهير، تطهر الروح فلا بد للإنسان من المرور بمرحلة المأساة، فهي أشبه بعملية كي للروح والنفس، لتعود إلى آدميتها وخيريتها الفطرية. يكاد يكون الرثاء من أصدق أنواع الشعر ويحفل الأدب العربي بشعر صادق يرثي الأحبة والأصدقاء، ولكن ما هو لافت أولئك الذين رثوا أنفسهم في حياتهم، وقد التفت عدد من الباحثين لذلك الشعر وجمعوه في مؤلفات مختلفة. اجتمعت في عزاء أحد الأصدقاء بأصدقاء لم أرهم منذ زمن بعيد، فترحمت على المرحوم الذي كنا نعزي فيه، فقد جمع الأصدقاء القدامى في موته، وكنا من قبل نتحادث تلفونياً ونتواعد مرات ومرات وتفشل كل محاولات اللقاء، وها نحن نجتمع اليوم مرغمين، بعد أن حالت ظروف الحياة وأشغالها التي تراكمت يوماً بعد يوم لتتحول إلى جبال وأسوار عالية تفرق بين الإخوة والأصدقاء، على الرغم من تجاورهم في المكان، وربما يكونون في الحي نفسه، أو المبنى نفسه، وتراكم بالتالي صدأ الجفاء والبعد، مع مرور الزمن، بحيث تكاد مشاعرنا أن تتبلد، فلا تتأثر لمشاهد المآسي والمصائب، وتمر تلك المشاهد على نفوسنا مر السحاب العابر، فلا تترك فينا ذلك الحزن الذي كنا نشعر فيه، لمجرد سماع نبأ وفاة أي إنسان، أو مصيبة حدثت لجار صديق بعيد. لا شك في أن الناس يجتمعون عند المصائب، وأكثر ما تظهر في حالة الحزن، إذ تشف النفس والروح، وترى الأشياء على حقيقتها، فكم من المتخاصمين الذين رفضوا أي توسط للصلح فيما بينهم، وإذ بهم يتناسون خلافاتهم عند أول وفاة قريب، أو مصيبة حلت بأحد الطرفين، فالحزن أو المأساة تقرب بين الناس، وتجعلهم أكثر نقاء وإنسانية. ولا أجد قدرة على تجاوز الشاعر مالك بن الريب الذي رثى نفسه رثاء صادقاً مؤثراً في قصيدة تعد من عيون الشعر العربي في الرثاء: تَذَكَّرتُ مَن يَبكي عَلَيّ فَلَم أجــــــد سِوى السّيف والرُّمح الرُدينيّ باكيا تَقُولُ ابنتي لما رأتْ وشـــْكَ رِحلتِي سِــفَارُكَ هــذا تــــَارِكِي لا أبـــا لِيا ويا صاحبي رَحلي دَنا المَوتُ فَاِنزِلا بِرابِيَـــــــــةٍ إِنّـــي مُقيمٌ لَيالِـيــــا أقيما علي اليَومَ أو بعضَ لَيلـــــــَةٍ وَلا تُعجِلاني قـــــَد تَبَيّـنَ مــــا بيا إسماعيل ديب | Esmaiel.Hasan@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©