الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التاريخ الكامل لعروس الرمل

التاريخ الكامل لعروس الرمل
29 يناير 2014 21:53
قراءة الكتاب تجربة تقودك إلى نتيجتين إما الإعجاب به أو الإحجام عنه وكلاهما دخول في عالم هذا الكتاب أياً كان. وكتاب النخل لأبي حاتم السجستاني الجشمي تجربة كانت مخبوءة لمئات السنين في مكتبات وقصور ومجمعات واهتمامات عالجها هذا الكتاب بالنزاهة والظرافة في تناول النخل. كتب في النخل من كتب، وبحث من بحث من العلماء والكتاب والشعراء وعشاق هذه الشجرة المباركة. وتبارت وتنافست المؤسسات العلمية والأدبية في نشر العديد عن النخلة من غث وسمين لما لها من انتشار وتقدير لدى العامة وأصحاب الشأن. وتطابقت الكثير من الكتب والدراسات عن النخلة وبشكل مكرر أحياناً ومزعج أحياناً أخرى، لذا نقدم اليوم كتاباً يشكل تاريخاً حقيقياً للنخلة عند العرب بتفاصيل وأحاديث وكتابة مغرية ومثرية، وللكتاب قصة طويلة (العثور عليه وتحقيقه وطبعه) تبين النقص الكبير في الكتب القديمة المدونة والمفقودة إما بالعثور عليها أو الكتابة عنها. الكتاب الجامع كتاب النخل لأبي حاتم السجستاني الجشمي (المتوفى في البصرة 250 هجرية) واختلف في نسبه ما بين إقليم سجستان وسجستانه، وهي إحدى قرى البصرة. وللسجستاني مؤلفات في مواضيع كثيرة منها: كتاب الطير والفصاحة والأضداد والسيوف والرماح والكثير من الإصدارات في مختلف المواضيع الدينية واللغوية والإخبارية تقدر بـ 38 كتاباً. وكتاب السجستاني يختلف عن كتاب النخل للأصمعي وإن أخذ منه الكثير، وأضاف كثيراً على ما ذكره الأصمعي حتى قيل إن كتاب النخل للأصمعي كتبه السجستاني وقيل العكس، كما أخذ السجستاني من كتاب النبات لأبي زيد والكثير من أهل الشعر والرجز وذلك لغزارة العلم وتنوعه عند السجستاني. حقق الكتاب وعلق عليه وقدم له الدكتور إبراهيم السامرائي، وطبعته عام 1985 دار اللواء بالمملكة العربية السعودية. والكتاب كما يقول المقدم طبع في باليرما بصقلية الإيطالية عام 1873 على يد المستشرق الإيطالي (لاغومينا) في 36 صفحة كبيرة مع المقدمة ومعجم صغير للناشر بالألفاظ الفنية للكتاب الموجود في معهد اللغات العربية في صقلية. دقائق حياة النخلة يتحدث الكتاب بالتفصيل الدقيق والممحص عن مجمل دقائق حياة النخلة، من حياة ومفردات ومنافع وقصص وأحاديث لم تكتب أو تذكر في معظم الكتابات عن النخلة، وبعلمية مصدرية نادرة وبحث دقيق مضن، يبدأها بالحديث النبوي «حدثنا شيبان بن فروخ الأبلي الآجري قال: حدثنا مسرور بن مسعود الشيباني قال: حدثني الأوزاعي عن عروة بن رويم عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم، وليس شيء من الشجر أكرم علي الله – جل وعز – من شجرة نزلت تحتها مريم»، وفي تحقيق طويل لأحاديث من عاشروا الرسول وأخذوا منه الكثير الكثير ما لم يذكر. ويذكر السجستاني مناطق النخيل وانتشاره، جزيرة العرب والمشرق والمغرب بأفريقيا وفارس وأكثره في العراق والغور وبيسان وطبرية من بلاد الشام وبلاد اليمن حتى عمان والبحرين والقطيف ومكة والمدينة. ومما يروى عن هارون الرشيد أنه قال: «نظرنا فإذا كل ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغان ثمن نخيل البصرة». وصف التكوين يستخدم المؤلف توصيفاً جاداً وفصيحاً في حديثة عن الكثير من النخلة، ومنها تكونها وفيه يقول: «النقيرة النقرة التي في ظهر النواة ومنها تنبت النخلة، من حبة صغيرة مدورة تكون في ذلك الموقع، فإذا بزغت منها ونجمت فهي نجمة وناجمة، ثم هي شوكة، ثم تصير الشوكة خوصة، وهي الخناصة في لغة طيء، والجمع الخناص، ثم تغبر أياماً ثم تطلع مع الخوصة خوصة أخرى، فإذا صارت ثلاث خوصات فهي الفرش، ثم يتتابع الخوص حتى يكثر، ثم يعرض فيدعى السفيف، وذلك قبل أن يعسب». واللغة دقيقة كما هي المعلومة، وهذا لا يوجد اليوم في أي توصيف دقيق لتكون النخلة، وفي غرس الفسيل وتكونه إلى أن يصبح نخلة يذكر السجستاني أن من أسمائها (الغريس، وذلك حين يكون خزازة أو خزة، وهي عود واحد في أصل أمها حىتى تصير علي ثلاثة أعسبة أو أربعة، ثم هي القلعة، ثم هي الجثيثة، والجمع الجثيث، وذلك أول ما تقلع عن أمها). والكتاب يتعرض في العرب وأنسابها وعلاقاتها بالنخلة من أسماء وتعريفات وأشعار كثيرة لكل جزء أو حتى جزيء من النخلة في المناطق العربية ويخص بها شبه الجزيرة العربية والعراق، ومثالا الرطب والبسر فيه تسميات وتشبيهات وأشعار، فالرطبة اللينة وسريعة المرارة في الحلق تسمى رطبة مسبغلة أما الرطب اللين فيسمى الثعد وفيه يقول الشاعر: لشتان ما بيني وبين رعائها إذا صرصر العصفور في الرطب الثعد أسماء ودلالات أما السعف وتسمياته فهو (العواهن) عند الحجازيين، و(الحوافي) عند أهل نجد والسعفة العريضة تسمى (كرنافة) والعريضة اليابسة فهي (الكربة والدابوقة)، أما الفاسد من التمر فيسمى (فغا وجمعها فغاي)، كما يسمى (الهبيدا)، و(الجريم) هو سقاط التمر وقشوره والعذق يسمى (الكبس) ورأس النخلة هو (القلة) والخوص هو (الأبلمة والطفية) عند الأوس والخزرج، وهي ألفاظ وأسماء لم نذكر منها سوى النزر اليسير، كما القصائد والأرجاز والآيات والأحاديث وقصص البادية ونزاعات النخل والبساتين، كما ذكر الطيب والأصيل وأنواع الفحول والكثير، وزيادة في التفسير والشرح، وضع المؤلف معجما صغيرا بألفاظ النخيل وما يتصل بها نختار منها بعضا من الغريب وغير المطروق والمعروف اليوم. أزر: (والمؤتزرة) للنخلة الصغيرة التي تجاوزت حد (اللينة). بربند: وهو من الفرسية الدرية، والبربند وهو البروند باستعمال الأكرة في البصرة وهو (المرقاء) الذي يصعد به على النخلة. جعرر: (والجعارير) القصار من النخل، والواحدة جعرور. جمس: (والجمس) الرطب، والواحدة جمسة وهي التي دخلها الأرطاب. دعع: (والدعاع) المتفرق من النخل. رمخ: (والرمخ من البلح) وهو أخضر بعد. شيش: وقالوا في الفسيلة إذا تشعبت فهي شيشاء. ضبب: ويقول أهل نجران واليمامة وغيرهم لطلع النخيل (الضباب). عرر: (والمعرار) النخلة الضعيفة ذات التمر الفاسد. يستمد كتاب النخلة أهميته من أسبقيته التاريخية، فضلاً عن ميزاته التوثيقية ونهجه العلمي، فهو من أقدم المؤلفات في هذا الموضوع، وفيه كثير من النقول عن العلماء المشهورين، وكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة في تفضيل النخل. وينفرد الكتاب بإيراده الكثير من الأخبار عن مواطن وجود النخل، ومن اللافت للانتباه أن المؤلف يؤكد أن النخل لا ينبت إلا في بلاد الإسلام والمسلمين، وذلك لقداسة هذه البلاد وعلو شأنها. ويرى باحثون ومختصون أن المؤلف ينفرد بهذه المعلومة عن غيره، إذ لم يهتم أحد من اللغويين بالإشارة إلى ما أشار إليه أبو حاتم في كتابه. وفي الكتاب أيضاً يتطرق المؤلف إلى نوى التمر وأوصافه وأجزائه ومنافعه وطريقة زرعه وزمنه، علاوة على حديثه عن النخلة ومراحل حياتها المختلفة، ولا ينسى أن يذكر قسماً من الأخبار عن الأراضي التي تنبت النخل. وبسبب هذا وغيره، عدّ الكتاب مرجعاً لعدد من العلماء الذين وضعوا كتبهم بعده، مثل أبو محمد الأنباري في شرح المفضليات، وابن سيده في المخص، والفيومي في المصباح المنير، وغيرهم. كتاب النخيل وثيقة لم تعط حقها في البحث والدراسة والمراجعة لدى قراء النخل، كما لم يتم لها أن تطبع وتوزع بشكل جيد بما فيها من أثر تاريخي وتراثي عربي للنخلة وأدبياتها في الوطن العربي، وهذه المقدمة ليست سوى قراءة مبسطة وتعريفية للكتاب دون الدخول في معارضة أو موافقة ما ذكر فيه، كون اللغة والمفردات والتعاريف المذكورة انقرض معظمها أو كاد من القاموس النخيلي وبحاجة حقيقية لإعادتها لكتاب وقراء العربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©