الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فن الدفاع عن الذات

فن الدفاع عن الذات
29 يناير 2014 21:46
شكل مركز زايد للتراث والتاريخ في مدينة العين، والذي أصبح اسمه لاحقا «مركز زايد للدراسات والبحوث» ومقره أبوظبي، عبر مسيرته منذ إنشائه عام 1999، ولا يزال، نموذجاً فريداً للمؤسسات الوطنية المعنية بتراث وتاريخ الدّولة، ومنجزاتها الحضارية المختلفة، التي حققها أبناء هذه الأرض عبر المراحل التاريخية المختلفة، لكن ومن منظور آخر، يمكن اعتباره من أهم المؤسسات التي تشتغل على تشجيع الكتاب والباحثين على البحث والكتابة ورصد تاريخ وهوية المنطقة. فالمركز من خلال إصداراته القيمة التي زادت على مائة وخمسين عنواناً ما بين كتب محققة، وكتب في الأدب واللغة والثقافة، وأخرى في التاريخ والحضارة والدواوين الشعرية، وكتب متخصصة في تاريخ الإمارات وتراثها، وهو بذلك يعيد إلى ذاكرتنا الجمعية أحد شعارات ثقافة العصر الذهبي في الستينيات: (الدّولة ناشراً)، وكان شعاراً جديداً في تاريخ الدول في ذلك الوقت، فقد ظلّ النّشر صناعة فردية حتى القرن العشرين يقوم بها من عرفوا باسم (الوراقين) إما للاستثمار، وإما للدعوة والجهاد من أجل عقيدة، ولذا فإن تاريخ النشر في الماضي اقترن دائما بنشاط شخصيات مغامرة أو شخصيات مثالية تخلص في سبيل الفكر، ثم عاصرنا التطور، وظهور فن النشر وصناعة الكتاب، تحت مظلة المؤسسات، ومنها «مركز زايد للدراسات والبحوث»، وهذا الكتاب من منشوراته بعنوان «مدخل إلى التراث المعماري والعسكري في دولة الإمارات العربية المتحدة» في الفترة الممتدة من القرن السابع عشر، إلى نهاية القرن التاسع عشر، لمؤلفه الدكتور أحمد رجب محمد علي، المدرّس بكلية الآثار بجامعة القاهرة، حيث شهدت المنطقة أحداثا سياسية وعسكرية مهمة، تركت آثارا واضحة في أساليب وطرز العمارة التقليدية لتلك الفترة. أهمية الخليج يستهل المؤلف كتابه بالإشارة إلى أنّه قبل أكثر من نصف قرن مضى، كتب السير ارنولد. ت. ويلسون: «ما من بحر متداخل في اليابسة كان ولا يزال موضع اهتمام كبير للجيولوجي وعالم الآثار والمؤرخ الجغرافي ورجل الدولة ولدارس الاستراتيجية، أكثر من المياه الداخلية التي تعرف بالخليج العربي، ولعل هذا راجع إلى موقعه الجغرافي في قلب العالم القديم، وتعتبر منطقة الإمارات جزءا مهما من الخليج العربي، ولها نشاط ملحوظ منذ عصور قديمة تدلّ عليه الآثار والوثائق والشواهد الأدبية والنشاط الاجتماعي والحراك الاقتصادي، وقد تعرّضت المنطقة لكثير من الأحداث التاريخية، والظروف التي كان لها تأثير واضح في الطراز المعماري لإنشاء المباني العسكرية، ونشأ على أرضها عدد من التحالفات القبلية والمشيخات التي لعبت دورا كبيرا في صناعة تاريخها الحديث، كما كان للبريطانيين أثر في تاريخ المنطقة، نظرا لدورانها ضمن دائرة النفوذ البريطاني (ص، 10). وفي نمطيته التوثيقية للشواهد العسكرية في الدولة، يحقق لنا الكتاب هدفا عظيما: حفظ التراث العسكري وتقديمه للجيل الجديد بطريقة علمية مبسطة مبتكرة، مدعّمة بالصور والرسومات التوضيحية، والمساقط، وجميعها موضوعة برفقة المعالم المعمارية والأسلحة، ليسهل على القارئ مطالعة المعلم مع صورة مباشرة دون الحاجة إلى مطالعة الملاحق في آخر الكتاب. ولهذا السبب فالكتاب، بحسب المؤلف، «ليس كتاب تأريخ يعتمد على الوثيقة والنصوص المدوّنة، بقدر ما هو دراسة تعتمد على«المنهج الآثاري» في تسجيل المعلومات وتوثيقها وتسجيلها وتحليلها، نظراً لأن عدداً من المباني والعمائر والأسلحة لا تحتوي على تاريخ إنشاء أو صناعة» (ص، 11). عمائر وأسلحة يقوم هذا الكتاب المرجع على قسمين، الأول: العمائر الحربية، والأسلحة التقليدية والنارية. أما العمائر الحربية، فتعدّ من أهم الآثار العائدة إلى الفترة الزمنية الممتدة من القرن السابع عشر، إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وهذه العمائر ثلاثة أنواع: أولاً: القلاع الكبيرة، وهي تسع: قلعة الشيخ سلطان بن زايد بالعين، قلعة الجاهلي، مزيد، الفهيدي، الشارقة، أم القيوين، البثنة، الفجيرة، حصن عجمان. ثانياً: المربعات، وهي: مربعة الفلية، العانكة، الحيل. ثالثاً، الأبراج، وهي: برج البدية، الجزيرة الحمراء، فلج المعلا، اللزيمة، وبخوت. أما القسم الثاني من الكتاب، فيتناول الأسلحة التقليدية والنّارية، ويشتمل تفصيلا: الأسلحة التقليدية المعروفة مثل: السيوف، الرماح، السكاكين، الخناجر بأنواعها، السهام، الفؤوس والتروس. أما الأسلحة النارية، فاختص الكتاب بمجموعة منها: المسدسات، البنادق، المدافع، وهذه الأسلحة ليس بالضرورة مما صنعه الأهالي، بل تشتمل على ما صنعوه، وما استخدموه، وما تبقى منها في متاحف الدولة. نموذج فريد للطراز الحربي في تركيزه على القلاع الكبيرة، توقف المؤلف مليا عند (قلعة الشيخ سلطان بن زايد) بمدينة العين، مورداً معلومات موثقة عن سيرة الشيخ سلطان الذي حكم إمارة أبوظبي منذ عام (1922 – 1926)، وهو والد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد «طيب الله ثراه»، وقد بنى هذه القلعة في عام 1907م، في مساحة مربعة تقريباً، طول ضلعها نحو 35 متراً، ولها مدخل واحد في الضلع الجنوبي، وثلاثة أبراج دائرية. والمدخل الوحيد للقلعة بارز، وهو عبارة عن فتحة معقودة، بعقد مثلث، تعلوها ثلاث فتحات لرمي السهام، وأربع فتحات للبنادق، ثم شرّافات مثلثة، أما الأبراج الثلاثة فهي أسطوانية، وفي كل برج طابقان مزدوجان بفتحات المزاغل، وفتحات البنادق، وممر بارز عن سمت الجدران، حتى يتحرك عليه الجنود للحراسة والدفاع عن القلعة. يبدو الطراز المعماري بديعاً، إذ يقوم على هندسة أنيقة وواعية لحاجة الإنسان والبيئة، وهوية المكان، فيوجد بداخل القلعة فناء كبير تتوسطه بئر ماء، وبها قاعات وغرف ومداخل الأبراج، وقد شيدت القلعة بمادة «الصاروج» وهي مادة بناء تقليدية على درجة كبيرة من الأهمية في طراز المعمار التقليدي، قوامها الجص الذي يحرق أولاً في قمين خاص، ثم يدقّ، ثم ينخّل، وقد يخلط أيضاً بالطين وروث الحيوانات، وتغطى به أسقف المنازل لمقاومة فعل التعرية والمطر، وتعتبر هذه القلعة التي تم ترميمها حديثاً من أفضل النماذج التي تعبّر عن القلاع الحربية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. قلعة الجاهلي يشير المؤلف إلى قلعة الجاهلي بمدينة العين، وقد بناها الشيخ زايد بن خليفة (زايد الأول) عام 1898 م، حيث تولى الحكم خلال الفترة من 1855 – 1909، وهي أيضا تتبع نظام المعمار التقليدي، وطراز ذلك الوقت من حيث كونها مربعة الشكل، طول ضلعها 35 متراً، في زواياها الأربع أبراج ثلاثة منها دائرية، وبرج مستطيل في الزاوية الشمالية الغربية، ويتوسط جدارها الجنوبي مدخل القلعة، وهو مدخل بارز، وفي منتصف كل ضلع من الأضلاع الثلاثة الأخرى، يوجد جزء بارز يشبه المدخل، يتميز معمار القلعة بالمساحة التي أمامها وتبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة مبنى القلعة، فمن الجهتين الشرقية والجنوبية يوجد فضاء كبير يعادل ثلاثة أضعاف مساحتها، وهو محاط بسور، وقد استخدمت ساحة القلعة للخيول والجمال، وللساحة بوابة ضخمة في الضلع الجنوبي، على جانبيها برجان دائريان. ما يلفت انتباهك في هذا البناء محتويات داخله، يقول المؤلف: «تصل إلى داخل القلعة من خلال فتحة الباب الموجودة في منتصف الضلع الجنوبي، يتوسط القلعة فناء مكشوف مبلط بالحجر، تفتح عليه القاعات المختلفة في أشكالها ومساحاتها بفتحات بعضها معقود بعقود نصف دائرية، وبعضها على أحجية من الخشب المزخرف في زخارف هندسية مختلفة، وتعلو واجهات القاعات المطلة على الصحن شرافات مثلثة وفتحات للبنادق ومزاريب من جذوع النخل لتسريب مياه الأمطار حتى لا تتجمع على أسقف القاعات، وقد بنيت القلعة من مادة الصاروج وجذوع النخل كأسقف والجص. (ص- 26). المربعات أو الحصون المربعة في لغة أهل الإمارات، تعني الحصن أو البرج أو المجلس مربع الشكل أو المستطيل، وقد أورد الفيروزبادي في معجمه عند تفسيره لمعنى كلمة مربعة تقريبا نفس المعنى المستخدم حاليا، حيث ذكر أن المربعة هي المجلس أو مكان الجلوس أو المقعد، ويذكر الدكتور عبد الستار العزاوي، الخبير التراثي في كتابه «المربعات دراسة تاريخية»: أن المربعة معماريا معناها البناء المربع مهما كانت أهدافه، وإن كانت غالبا تكوّن وحدات معمارية ذات طابع عسكري، وقد اصطلح أهل الإمارات على تسمية البناء العسكري المربع أو المستطيل باسم (المربعة)، وهي عادة عبارة عن وحدات عسكرية أو منازل للحكام أو نقاط مراقبة مزودة بوسائل دفاعية كالمزاغل وفتحات البنادق. نختار من نماذج المربعات التي تناولها الكتاب مربعة (العانكة) في مدينة العين. يذكر المؤلف أنها توجد في قرية العانكة على بعد 55 كم غرب مدينة العين، وقد بناها الشيخ سعيد بن طحنون آل نهيان، حاكم أبوظبي (1845 – 1855م). وكانت هذه المربعة تتحكم في الممر المؤدي إلى واحة العين من الجهة الجنوبية. هي مبنى مستطيل الشكل، يمتد من الشرق إلى الغرب بطول نحو 20 متراً، ومن الشمال إلى الجنوب بطول نحو عشرة أمتار، وهي من طابقين وسطح له سور، ويبلغ ارتفاع واجهاتها نحو 12 متراً، ويوجد مدخلها في منتصف واجهتها الجنوبية، وتفتح في واجهتها نوافذ عليها أسياخ حديدية، ومزاغل وفتحات للبنادق، ويتوّج واجهاتها شرافات مثلثة الشكل، أما من الداخل فطابقها الأول عبارة عن ردهة على جانبيها قاعتان، وفي زاوية الردهة الشمالية الغربية سلّم يؤدي إلى الطابق الثاني، وهو أيضا يتكوّن من قاعة وسطى على جانبيها قاعتان مستطيلتان، أما سطح المربعة فيحيط به سور، به صفوف من فتحات البنادق. تعتبر هذه المربعة من النماذج المعمارية القليلة لهذا الطراز العسكري، حيث تشتمل على فناء وبوابة خارجية، كما أنها تتمتع بسور ضخم يلف بناءها كاملا، وبهندسة يبدو فيها الجانب الدفاعي والحماية والمراقبة واضحاً. الأبراج في منطقة الإمارات، كانت نقاط حماية ومراقبة سواء على شواطئ الخليج أو على بدايات الطرق الداخلية الصحراوية الواصلة بين المدن، وجميع الأبراج (ما بين قرن 17 – 19 م) أسطوانية الشكل، ونتحدث هنا عن برج الجزيرة الحمراء في إمارة رأس الخيمة: برج الجزيرة الحمراء يوجد هذا البرج عند المدخل الشرقي للجزيرة الحمراء، إحدى جزر إمارة رأس الخيمة، بناه حسن بن أحمد، أحد الأعيان زمن المرحوم الشيخ سالم بن سلطان القاسمي سنة 1875، وكانت وظيفة هذا البرج حماية الجزيرة الحمراء من الأعداء، حيث يستخدم كنقطة للمراقبة وأيضا للدفاع. الطراز المعماري للبرج يشير إلى أنه بني بهندسة تقليدية على شكل دائرة، قطرها نحو ستة أمتار. ويبلغ ارتفاعه نحو اثني عشر متراً، ويتكون من طابقين وسطح، ويقل قطر البرج كلما اتجهنا إلى أعلى حيث يبلغ قطر سطحه نحو أربعة أمتار فقط. يذكر المؤلف أن مدخل البرج يوجد في الجهة الشمالية منه، ويؤدي إلى الطابق الأرضي: «يوجد في الجهة الشرقية منه على يسار الداخل من مدخل البرج درج يؤدي إلى الطابق الثاني، الذي يفتح على الخارج بأربع نوافذ، وعدد من المزاغل، فوقها فتحات للبنادق، وفي الجهة الشرقية من الطابق الثاني درج يؤدي إلى سطح البرج والذي يستخدم كمستوى دفاعي علوي، يحيط بالبرج سور به نوافذ وأربع سقاطات لها مظلة، ويعلو أسوار البرج صف من الشرافات المثلثة. (ص 91). في القسم الثاني والأخير من الكتاب الذي يتحدث عن الأسلحة التقليدية والنارية في منطقة الإمارات، يشير الباحث إلى أن «تاريخ العسكرية في منطقة الإمارات عميق للغاية، واستخدام الإنسان الذي سكن هذه المنطقة للسلاح قديم جداً، إذ أمدتنا الشواهد الأثرية التي عثر عليها في مناطق مختلفة من أنحاء الدولة على ذلك، ففي منطقة الهيلي بالعين والقصيص بدبي، عثر على العديد من الأسلحة من السكاكين والخناجر ورؤوس الرماح، دفنت منفردة في بعض الأحيان، ودفنت مع أصحابها في أحيان أخرى، ولعل ذلك طقس معين من طقوس الدفن في تلك الفترة، إلا أنه على أية حال يدل على أن الإنسان الذي سكن هذه المنطقة في العصر البرونزي 2500 ق. م، قد استخدم الرماح والخناجر والسكاكين البرونزية، بل وشدّها على وسطه بحزام أغلب الظن أنه كان من الجلد، لذلك تآكل ولم يعد له أثر، وبقي الخنجر أو السكين على جانب الهيكل العظمي وكأنه ما زال مشدوداً على خصر صاحبه». (ص 105). وفي ختام هذا الباب تحدث المؤلف عن السيوف، الرماح، سكاكين الرمي (الخناجر المستقيمة الصغيرة، التروس، الفؤوس، المسدسات ذات الطلقة الواحدة، وذات الساقية (الماسورة) والمسدسات ذات المواسير المتعددة الأفقية، وعن بنادق الأسوار والأبراج وطلقاتها، والمدافع، وقال: «تعد المدافع من أهم الأسلحة التي استخدمت في منطقة الإمارات، حيث شهدت هذه المنطقة أطماعاً كثيرة، من المستعمرين البرتغاليين والإنجليز، وبالتالي شهدت أنواعاً كثيرة من المدافع التي ضربت الشواطئ والقلاع والحصون، وهدمت الأبراج والأسوار، ولعل من أهم المعارك التي استخدمت فيها المدافع معركة سنة 1820، وفيها عزمت بريطانيا على ضرب رأس الخيمة بالمدافع ووجهت إليها العديد من السفن الحربية، التي تحمل عشرات المدافع ومنها تذكر الوثائق البريطانية: السفينة عدن وتحمل 50 مدفعا، السفينة فينستال وتحمل 10 مدافع». (ص 138). أخيراً، هذا كتاب قيم، ومرجع توثيقي، كتب بطريقة منهجية وبحث علمي دقيق، سواء من حيث المراجع أو الهوامش، أو من حيث مستوى اللغة والمفردات، في إطار يحفظ هذا الإرث المهم من تراث الإمارات وتاريخها الحضاري.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©