إعداد- عدنان عضيمة:
دأب خبراء الاقتصاد والمستثمرون أن يتداولوا حكمة قديمة تقول: ''عندما تتكلم الأسواق فأصغ إليها''، وإذا كان صحيحاً أن الزمن لا يعود إلى الوراء، وقوانين التطور لا يمكن أن تنعكس، فإن لكل قاعدة استثناءً، وهناك العديد من الأمثلة والقرائن الحيّة على صحة هذا الطرح، فمن كان يتخيل مثلاً أن يعاد تشغيل ''تروماي باريس'' بعد مضي 75 سنة على إيقافه؟·
حدث هذا منتصف الشهر الجاري في احتفال مهيب حضره عمدة لندن ورهط من كبار أصحاب القرار الفرنسيين، وربما يدلّ المستوى العالي لرتب المشاركين في إطلاق هذا الحدث الاقتصادي والسياحي على ضخامة الخطة المعدّة في أوروبا كلها، ومعها أميركا وكندا للتخلي عن كل أنواع العربات المدفوعة بغير الطاقة الكهربائية، ولا شك أن الواقع الذي يسود الأسواق هو الذي دفع أصحاب القرار إلى اتخاذ هذه الخطوة التراجعية، وخاصة بعد أن استقرت أسعار المشتقات النفطية على مستواها المرتفع· وبالطبع لا يمكن لمثل هذه التحوّلات الكبرى التي تطرأ على عالم المواصلات والنقل العام أن تكون بمنأى عن أقلام كبار المحللين الاقتصاديين في صحيفة الـ''فاينانشيال تايمز''؛ وفيما كانت باريس تحتفل بإعادة (ثقافة التروماي النظيف)، كان المحلل الاقتصادي في الصحيفة أندرو وورد ينقّب في ملفات ومشاريع مشابهة على الضفة الأخرى من الأطلسي خاصة في الولايات المتحدة، وأشار وورد إلى أن الدوافع الأساسية وراء هذا التوجه تبدو تامّة الوضوح عند الأميركيين وغيرهم؛ وتعود إلى ثلاثة أسباب رئيسة هي: ارتفاع أسعار النفط، وتصاعد المخاوف من تداعيات التلوث البيئي، وتفاقم مشكلة الازدحام المروري في مدن العالم الكبرى·
وبالنسبة للخبير أوليفر هوك المدير التنفيذي لقسم وسائل المواصلات التابع لفرع شركة (سيمنز) الألمانية في الولايات المتحدة، تعد هذه الأخبار طيبة بسبب الشهرة العالمية لهذه الشركة في تطوير تكنولوجيا عربات الترام والقطارات الخفيفة وبناء السكك الحديدية، ولا يخفي هوك انبهاره وسروره البالغَين من التزايد السريع في الطلب على هذه الصناعة، حيث يقول: نشهد الآن طفرة حقيقية في حجم الاستثمارات في قطاع النقل العام بالقطارات الخفيفة· ويشير التقرير إلى إحصائية دقيقة أنجزتها الرابطة الأميركية للنقل العام تفيد بأن عدد مرات ركوب وسائل النقل العام في الولايات المتحدة ازداد بمعدل 4,25% خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي ·2005
ومن بين كافة أنواع الوسائل المستخدمة في النقل العام في الولايات المتحدة، سجلت القطارات الخفيفة أعلى نسبة من حيث تزايد الإقبال بلغت 11,2% خلال العام الجاري بالمقارنة مع العام الماضي، وسجلت أعلى زيادة في الإقبال على هذه الوسائل في كل من سان خوزيه ومينابوليس وسان دييجو بلغت 17%· وتترافق مع هذا التوجّه ظاهرة غريبة تشبه ظاهرة المدّ والجزر في البحار؛ فعندما ترتفع أسعار النفط، يتراجع الإقبال على القطارات الخفيفة؛ وعندما تنخفض يعود هذا المؤشّر للارتفاع، ومع كل هذا، فإن الخبراء لا يشكون في أن مستقبلاً باهراً في انتظار هذه الوسائل الفعّالة والنظيفة·
وتنقل الـ''فاينانشيال تايمز'' عن مصادر ''سيمنز'' إشارتها إلى أنها أصبحت الآن تمثل أضخم ممون بعربات القطارات الخفيفة في أميركا الشمالية من خلال تقديم منتجاتها لـ14 مدينة من أصل 24 من التي تبنّت استخدام هذه الأنظمة؛ وهي تقدم واحدة من أصل كل ثلاث عربات خفيفة للنقل على السكك الحديدية في الولايات المتحدة وكندا، ومن بين المدن الجديدة التي دخلت لتوّها على خطّ إطلاق عربات القطار الخفيفة كل من دنفير وبورتلاند في الولايات المتحدة، وإدمنتون وكالجاري في كندا·
وتنافس ''سيمنز'' في هذا الاختصاص شركة كينكيشاريو اليابانية المتخصصة بتكنولوجيا القطارات والسكك الحديدية؛ وفازت مؤخراً بعقود إنشاء خطوط عربات القطار الخفيفة في كل من سياتل وبوسطن ودالاس في الولايات المتحدة·
وتعد خطوط القطارات الخفيفة وعربات الترام الكهربائية التي تخترق قلب المدن المزدحمة، فكرة جذّابة بالنسبة للقيّمين على البلديات والمسؤولين عن تنظيم المدن، لأن مشاريع إنشائها أقل تكلفة من بناء الأنفاق والطرق المعلّقة، كما أنها أكثر فعاليّة في نقل الركاب من الحافلات (الباصات)·
------
عدد اليوم
