الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل تخرج القصيدة من السرد؟

هل تخرج القصيدة من السرد؟
13 سبتمبر 2012
تناول دارسو الأدب العربي موضوع السرد في الكتابات الإبداعية التراثية والحديثة بشكل لافت. ثم ظهرت كتابات عديدة ركزت على مصطلح السرد في الرواية، بعد أن راج الحديث عن أنّ هذا العصر هو عصر الرواية لا الشعر... ويجيء كتاب الدكتور عبدالرحيم مراشدة “الخطاب السردي والشعر العربي” الصادر عن عالم الكتب الحديث في إربد بالأردن ليسلط الضوء على هذا اللون من الخطاب الأدبي. خصص الفصل الأول للحديث عن “مفهوم السرد، السرد القصصي والشعر، ملحق قصيدة خفاف”، حيث ذكر المؤلف أنّ السرد في اللغة يعني التتابع وإجادة السياق، ومع تطور البعدين المعجمي والدلالي تحول المفهوم إلى الحديث عن التجليات المتصلة بالحدث الحكائي، ولهذا يمكن القول منذ البداية: إنّ الحكاية ولدت مع الإنسان، والحكاية عندما تتخذ طابعاً وظيفياً، وتنطوي على مفهومات معينة يقصد إليها المتكلم أو المؤلف، وتضمر في الوقت نفسه وجهة نظر مؤسسة الخطاب، تصبح سرداً... وتناول السرد القصصي موضحاً لمكونات القصّ وعناصره الأساسية وأثرها في التداخل مع جنس الشعر، وأثرها كذلك، على الأبعاد الدلالية الموجودة في النص، موضحاً بالتفصيل لها مثل: الحدث، المكان، الزمن الافتراضي التخييلي والواقعي، تعدد الأصوات وفعل الحكاية، وختم المؤلف الفصل بقصيدة خفاف بن نضلة المنسوبة إلى الشاعر تأبط شراً. بدأ مراشدة حديثه في الفصل الثاني الذي عنونه بـ” السردية القصصية والشعر الحديث” عن سردية النص/ نص السرد، متسائلاً: هل يخرج من السرد قصيدة؟ إلى أيّ مدى يمكن اعتبار السردية من مكونات النصّ الشعري؟ وللإجابة عن هذا السؤال ذهب إلى المعاجم اللغوية لكي ترشده إلى مفاتيح لهذه المسألة. ومن خلال تتبعه للمعاجم وجد أنّ فعل السرد وعنصره الجوهري هو النص الذي ينطوي على خبر، أو حدث يقع في زمان ومكان ويتم تقديمه من سارد معين، ويمكن أن ينطوي على أبعاد عميقة يمكن أن تصل إلى حدّ الترميز، ومن هنا يمكن الكلام على الشفرة والدلالة العميقة والبسيطة.... ثم أشار إلى “السردية القصصية وقصدية أنفاس عيد الفصح”، وذلك من خلال قصيدة للشاعر مصطفى وهبي التل (عرار) “أنفاس عيد الفصح” حيث تنتمي معظم أشعاره إلى نمط الشعر العمودي التقليدي، حيث وجد أن القصيدة قد نحت منحى اللوحات التي يمكن أن نجدها في القصيدة العربية القديمة، على مستوى الشكل، وإن اختلفت عنها في بعض المضمونات المُثارة فيها، وهي قصيدة مُصرّعة على بحر الرَمَل. كما تناول المؤلف في هذا الفصل الشعري والتناص، والسرد القصصي وقصيدة النثر، شعرية السرد القصصي وأشعار الأسد، البنية السردية اللغوية المعاصرة، البنية السردية الحاضنة لصور فنية، سردية القصيدة قصيدة السرد، ملحق قصائد موضوع الدراسة، مستشهداً في كل قضية بالشواهد الشعرية لعدد من الشعراء العرب. وخصص المؤلف “السردية وحركية القصّ في “أرى ما أريد” لمحمود درويش مادة للفصل الثالث من كتابه، تناول في البداية لشعرية اللغة السردية، حيث يرى أنّ: للغة نكهة خاصة ومتميزة عند درويش، الشاعر، وهو من خلال اللغة الشعرية يقيم عالماً مختلفاً، بحيث يجسّد له هذا العالم خصوصية لافتة. وأضاف: إنّ الدارس الحالي، على الأقل، يجد نفسه مأسوراً أو مأخوذاً بعالم اللغة عند درويش، ففيها السهل وفيها الممتنع، إنّ هذه الكيفيات التعبيرية عنده، هي التي عوّل عليها الدارسون، على الأغلب، كأساس لدراساتهم النقدية... كما تناول في الفصل لـشعرية القص/ النص، والسردية وبنية الصورة الفنية. وأوضح مؤلف الكتاب في “السرد القصصي وشعرية اللغة في ديوان (عرار)، للفصل الرابع أولاً لمفهوم اللغة/ السرد، حيث أن للغة الشعرية سمات لا تشير إلاّ إليها، وتخـتلف قليلاً أو كثيراً حسـب منشئ النص، ولغة الشـعر تختلف بالضـرورة عن لغة النثر، وحتى عن مختلف الأجناس الأدبــية والإبداعية الأخـرى، وإن تداخـلت معها، وعرض بعدهـا متسـائلاً: لماذا اللغة؟ ثم توقف أولاً عند مستويات اللغة وسردية القص الشعري، الذي عرض فيها لمستويات اللغة الشعبية الفصيحة، قائلاً: لقد أفاد عرار، بوصفه شاعراً، من معطيات اللغة العامية والبسيطة المتداولة، لكنه لم يجعل منها ركناً متسلطاً على نصه الشعري. وأضاف الرواشدة: نحن لا ندعو إلى تسلط لغة العامية، في النصوص الإبداعية، لكن إلى إمكانية توظيفها، فكثيراً ما يظن أنّ الشعر بعيد كل البُعد عن الوجود البشري العادي، لكنّ ذهن كل إنسان هو معرض حاشد للذكريات والأحاسيس، واستنهاض الشاعر لمثل هذه المعطيات تثير التفاعل بين النص والجمهور، وينتج لذّة النصّ. وتحدث عن التركيب اللغوي المستند للمعجم اللغوي القديم ثانياً، و لشعرية السرد والأيديولوجيا ثالثاً، ورابعاً سردية القصّ وبنية القصيدة الشعرية الحديثة. واختتم عبدالرحيم مرواشدة كتابه بالفصل الخامس “السرد القصصي وشعرية العتبات في شعر عبد الله رضوان”، تضمن مدخل، والنص المقدمات/ العتبات الموازية، الذي يؤكد أنّه لم يعد يخفى على النقاد والباحثين أنّ الأستهلال والمطالع تشكل عتبة مهمة للدخول إلى مكنونات النصّ، وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد بل يمكن ان يتعداه إلى أن تصبح العتبة بما فيها من تكثيفات قصدية، أو غير قصدية، بمثابة المهيمنة، التي تنفتح على كثير من المرجعيات والحزم الدلالية... مستشهدا بابن رشيق القيرواني صاحب الُعمدة الذي كان يلتفت بشكل واضح لإشكالية المطالع والعتبات وأثرها في النصّ. كذلك عرض للعتبات والسرد، حيث أنّ شعرية السرد تضفي نكهة خاصة على العمل الشعري، والشعرية غالباً ما تندس في معظم الأجناس الأدبية، ويستشعرها المتلقي. ثم أنّ توظيف العتبات النصية، إضافة لصور التوظيف التقليدية عبر الاستهلالات والمقدمات، تضفي بُعداً جدّياً يضاف للتجريبات الممكنة في النصّ الأدبي، ومن هنا بدأت السرديات الحديثة، تحتفي، وتُعلي من شأن النصوص الموازية والعتبات... وأما التعالق والنص وسردية القصيدة، فهو مسك ختام مباحث الفصل الأخير للكتاب، وذلك أنّ العلاقة بين فعل النصّ ومكوناته علاقة وشيجة إذا ما أحسن المبدع استثمارها عبر نصوصه، فالمقدمات والنصوص الموازية، والعنوانات وما يحيط بالنص يمكن أن يسجل إضاءات مهمة على النصّ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©