الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«قبر تحت رأسي»: سرد الأقماط والأكفان

«قبر تحت رأسي»: سرد الأقماط والأكفان
10 أكتوبر 2014 00:22
عصام أبو القاسم (الشارقة) تضم المجموعة القصصية الأولى للإماراتية الشابة لولوه المنصوري التي جاءت تحت عنوان «قبر تحت رأسي» أربع عشرة قصة، ولكنها تبدو مجتمعة كما لو أنها قصة واحدة وكتبت في أربعة عشر مشهداً. فهي متداخلة ومتصلة، موضوعاً ولغةً وتركيباً، ومشدودة إلى بعضها عبر حبل سري، مضفور بسيرة الأقماط والأكفان والاغشية والقبور والتربة والديدان، وأحوال الأبدان بين الاستواء والانحلال والاكتناز والضمور! تعتمد الكاتبة فضاء مكانياً واحداً في جميع نصوصها، هو مدينة رأس الخيمة التي تتميز بجغرافية متنوعة بين الوديان والجبال والخضرة والخليج، وتستعيدها المنصوري في اسمها القديم «جلنار»، كما لو أنها تريد بذلك التعاقد مع القارئ على زمن ماض لحكاياها؟ هذا المكان يظهر أكثر من أي شيء آخر في هذه المجموعة القصصية التي توجت بجائزة الشارقة للإبداع العربي في وقت سابق. ولعل السبب في هذه المركزية المكانية يرجع إلى اعتماد المنصوري تقنية «الوصف» أكثر من الحكي، وإلحاحها على عرض المرئيات من حولها بخاصة مع ما يميزها في الذاكرة الجمعية من سحر وغموض وغرابة، بدلاً من سردها ومحاورتها! على إن هذه الوصفية لا تبدو محايدة بل هي في أحيان كثيرة مخترقة بالتعليقات المتحيزة. في الأسلوب أيضاً يظهر ميل الكاتبة إلى التنويع في حلولها التقنية، طلباً للحيوية النصية أو تفادياً لثقل الإيقاع. فهي تمرر منظوراتها عبر لغة هي مزيج من الشعر والسرد، ومع غياب «الحوار» يحضر «التداعي الذاتي» في مواضع عدة، ويبدو ذلك متسقاً واستخدام الكاتبة «ضمير المتكلم» أو «ضمير التجربة»، الذي يضفي حساً شخصياً على ما تعكسه نصوص المجموعة من أشياء وأماكن ومظاهر، سواء في ما تستحضره من الماضي أو ما تشير إليه في الحاضر، وصفاً دائما وليس سرداً! غلالة شفيفة من القتامة والسوادية والكآبة تغطي أجواء المجموعة الواقعة في 83 صفحة والتي تبدو مهجسة بمقاربة أحوال الموتى أكثر من أي شيء آخر، سواء فيما هم في قبورهم تحت الأرض أو فوقها. وهو ما يظهر حتى في بعض عناوين النصوص التي تضمها المجموعة: «قبر تحت رأسي» و«تحت حجرتي ينام 115 ميتاً» و«قبورنا بلا أسماء» وسواها. وعلى هذا السياق في نصوص المجموعة، يبدو كما لو أن القاصة تريد التأكيد على أن ملكية هذه الأرض التي تفجرت بالبترول والذهب وسواها من الكنوز بعد أن صهرت تلك الأجساد التي دُفنت تحتها وتغذت بها، تعود إلى المقبورين تحتها أو ذويهم وليس إلى سواهم. في النص الموسوم «قبر تحت رأسي» يطلب غانم/ القزم كل «تعويض عن ذرة تراب أجلست فيه بيتي على خلايا حبل أمه السري المطمور مع أجنتها الميتة». وفي قصة بعنوان «تحت حجرتي ينام 115 ميتاً» يتحول الموتى إلى ديدان محتجة على البشر الذي سكنوا أعلى قبورها. ويرد على لسان الراوية «تخبرنا جدتي عن جدتها التي كانت تنقل الأخبار حرفياً عن والدها الذي حفظ التاريخ عن عمه باحتراف أن بلدتنا تنام تحت بلدة أخرى» فهي بلدة تنهض على قبور جماعية لأجساد آدمية تحولت إلى ديدان. وتؤسس الكاتبة علاقتها مع سيرة الموتى/ أصحاب الأرض، انطلاقاً من نقطة أولى هي «لحظة الميلاد»، حيث تنشغل في ثلاثة أو أربعة نصوص ضمن المجموعة بوقائع الولادة أو بالمواليد الجدد، الحاملين لسيرة الأجداد وسرائرهم وأسرارهم، وهنا تطبع المنصوري لغتها وتحددها بما يشبه وصفة تعبيرية عن رحلة الجسد الآدمي ما بين نقطتي الميلاد والموت، ما بين الطلاوة والاضمحلال وذلك عبر الكلام عن وضعيات وأشكال وحالات جسدية عديدة، تفعم سطور المجموعة بكلمات وجمل مثل: أظافر الأطفال، الأضراس اللبنية، الخلايا، والأقماط، والأكفان والجسيمات، والأصابع، الختان، إلخ.. يمكن القول مجدداً، إن المنصوري التي حازت أخيراً جائزة دبي للثقافة في القصة القصيرة عن مجموعتها «القرية التي تنام في جيبي»، كتبت قصة واحدة في هذا المجموعة، نَفَساً وإيقاعاً وموضوعاً، ولكن في أربع عشرة مرة، وهي قصة انتقال هذا المكان الموسوم «رأس الخيمة» من الماضي البعيد إلى الحاضر المفتوح على المستقبل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©