الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

هل تستطيع صورة صحفية تغيير التاريخ؟!

هل تستطيع صورة صحفية تغيير التاريخ؟!
17 سبتمبر 2015 02:51
أحمد مصطفى العملة هل تستطيع صورة صحفية تغيير التاريخ؟!..سؤال طرحه، ببراءة وجسارة، في صالات التحرير وأروقة السلطة حول العالم، الطفل السوري عيلان كردي، عندما طرحت الأمواج جسده الغض الغريق على شاطئ تركي قبل أيام. وللأسف كان السؤال مكرراً. فقد سبق أن طرحه ضحايا كثيرون، منذ أول صور صادمة نشرتها الصحافة في تاريخها. وكانت لقطات لجوعى في الهند نشرتها الصحف البريطانية في تسعينيات القرن الـ 19. لكن من بين آلاف الضحايا عبر التاريخ الحديث والعالم، حفرت صور الأطفال على وجه الخصوص، وتحديداً وجوههم، وهم في حالة رعب وألم ووهن، حفرت لنفسها مكاناً بارزاً في ذاكرة الصحافة والبشرية، ولعبت دوراً مهماً في تغيير طبيعة إدراك العالم لقضايا في لحظات حاسمة، زاغ فيها البصر واختلت الرؤى. خذ عندك مثلاً بعض النماذج.. اللقطة المرعبة للطفل الجائع الذي يقف بالكاد على قدميه في أحد ملاجئ الأيتام في بيافرا عام 1969، وصورة الطفلة الفيتنامية كيم فوك - 9 أعوام وهي تهرب مع أطفال آخرين، عارية، فزعة، متألمة من حروق أصابت جسدها النحيل، من قصف بالنابالم خلال حرب فيتنام عام 1972، والطفلة الهندية الصغيرة بنظرتها المرعبة في الفراغ وجسدها مطمور تحت التراب فيما يمسد والدها وجهها ، وهو يلقي عليها النظرة الأخيرة بعد كارثة تسرب غاز بهوبال عام 1984، والطفل الفلسطيني محمد الدرة، عندما كان يحاول فزعا الاحتماء بوالده عند جدار، قبل أن يسقط برصاص الجنود الإسرائيليين عام 2000، وصورة الفتاة الأفغانية شربات جولا التي ظهرت على غلاف ناشيونال جيوجرافيك عام 1984، كعنوان للبؤس والضياع. كل هذه الصور هزت العالم بالفعل كما لم تفعل آلاف المقالات والتقارير. لأن الأطفال فضحوا ببراءتهم وحشية العنف وبشاعته، وقسوة الفقر والتخلف، وبدت عيونهم الذاهلة كصرخة مدوية في وجه العالم المتغافل أو المتآمر. لكن غفوة عيلان الأبدية على الشاطئ، فعلت ما هو أكثر. لقد طرحت إشكاليات مهنية وأخلاقية متعددة الأوجه على رجال الصحافة والسياسة والرأي العام، ووضعتهم أمام اختبارات معقدة. في غرف الأخبار بوسائل الإعلام الغربية، ثار الجدل بين فريقين بشأن نشر الصورة. الأول كان مع النشر للتنبيه إلى خطورة قضية اللاجئين، والفريق الثاني كان مع عدم النشر خشية إثارة فزع القراء أو حتى لا يبدو الأمر كما لو كانوا يتاجرون بصور إنسانية لتحقيق ربح. الصحافة الأميركية، وهي في العادة، تحجم عن نشر صور العنف خاصة عندما يكون محلياً، كما يقول ديفيد فولكنفليك في موقع (إن بي ار)، عمدت إلى التركيز على حياة عيلان وآمال عائلته بدلا من نشر صوره. وفي الفريق نفسه، رفضت الجارديان نشر الصور لأنها «محبطة جدا.. ولن تؤدي إلا إلى تشتيت تركيز القراء بعيداً عن القصة»!، حسبما قالت جين مارتينسون رئيس قسم الميديا في الصحيفة البريطانية الشهيرة. وقد اكتفت «الجارديان» بنشر صورة الجندي التركي وهو يحمل جثمان الصغير الذي بدا غير واضح. وفعلت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية الأمر نفسه في صفحة داخلية، واكتفت التايمز البريطانية على صدر صفحتها الأولى بنشر صورة لعائلة سورية في محطة قطارات ببودابست. تقول كيم ميرفي مساعد مدير التحرير للشؤون الدولية في صحيفة لوس أنجلوس تايمز «عندما تكون لدينا صور تظهر فيها أكوام من الجثث ومن على مسافة قريبة أو أشلاء بشرية، لا، نحن لا ننشر ذلك. نحن نبيع الكلام». لكن صحيفة بيلد الألمانية وصحفا أخرى قررت نشر صور عيلان، واضطرت صحف مثل الاندبندنت البريطانية إلى أن تبرر لقرائها إقدامها على نشر الصور، قائلة إنها تستهدف بذلك دق جرس إنذار لتنبيه العالم الى خطورة قضية اللاجئين. واختارت صحف أخرى تغطية وجه عيلان. وتعكس التبريرات أو تغطية الوجه صعوبة قرار النشر من أساسه، فالصحافة الغربية تفضل دوما التغطية المتحفظة للعنف التي تعني «أننا لا ننشر أبدا جثث موتانا خارج الكفن»، حسبما يقول أيان جاك في صحيفة الجارديان. ومع ذلك، تبقى فكرة تغطية وجوه عيلان واللاجئين الغرقى «بمثابة خطوة على طريق التعامل معهم باعتبارهم بشرا مثلنا»، على حد تعبير الكاتب البريطاني. لكن الجديد حقا في تغطية وسائل الإعلام الغربية، هو أنهفي واحدة من المرات النادرة، اهتمت الصحافة والإعلام في الغرب بأن يكون ثمة اسماء وهويات محددة لضحايا غير غربيين تنشر صورهم في الصفحات الأولى. فأولئك الذين كانوا يموتون في كوارث ومآسٍ خارج أوروبا واميركا الشمالية «لم تكن الصحف الغربية تهتم في الأغلب بتحديد هوياتهم ما لم يكونوا من أوروبا او من أميركا الشمالية»، كما كتب أيان جاك في الجارديان. كانت الميديا الغربية «تستسهل نشر صور الضحايا غير الغربييين كجثث مجهولة الهويات لقي أصحابها حتفهم غرقا في فيضان أو قتلى خلال حرب، ولم تكن تشعر أبدا بضرورة تحديد هوية وأسماء مثل هؤلاء الضحايا» بحسب قوله. غير أن الفضل في حالة عيلان وعائلته (شقيقه غالب، وأمه ريحانة)، ربما يرجع إلى أن المصورة والوكالة من تركيا، فهما اللذان نشرا الأسماء. وعلى الأرجح، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في حسم قرار النشر من عدمه. فالصور انتشرت كالنار في الهشيم بمجرد ظهورها على الفيس بوك وتويتر، فلم تترك مجالا للبعض كي يتردد، كما أن انتشارها هذا في وقت وجيز للغاية مثل ضغطا كبيرا على الصحف بشكل عام، وعلىالسياسيين الذين يملكون الإجابة عن السؤال المطروح .. هل تستطيع صورة صحفية تغيير التاريخ.؟! .. amustafa2@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©