الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوجة رجل مشغول

زوجة رجل مشغول
9 أكتوبر 2014 22:50
لم تتغير نظرة مجتمعاتنا الشرقية للطلاق والمطلقة، فالمرأة دائماً المتهمة، بعد هذا القرار الذي قد لا يكون لها أي ذنب فيه، ومهما كانت الظروف والأسباب، لا تسلم المطلقة من القيل والقال، تلاحقها الاتهامات، بل تجد نفسها في دائرة مغلقة، كل شيء ممنوع، كل حركة وسكنة بحساب، ولا تنجو بأي شكل من كلام الناس، يوجهونه مثل السهام المسمومة يلصقون بها صفات واتهامات وأحداثاً لم تقع، في النهاية تخرج صورتها مشوهة ممسوخة، بها كل النقائص والعيوب، وقد عانيت هذا كله بعد أن حملت هذا اللقب البغيض، وعدت «مطلقة» إلى بيت أبي وأنا لم أتجاوز السادسة والعشرين، لم يوجه أحد اللوم إلى مطلقي، خرج منها مثل الشعرة من العجين، كأنه ليس الطرف الثاني في هذه العلاقة، فكان مثل الملاك بلا عيوب أو ذنوب، وكنت مثل الشيطان تجمعت في شخصيتي كل العيوب والذنوب والنقائض. نون النسوة لم يكن هذا كله جديداً على مجتمعاتنا، ولكنه كان جديداً بالنسبة لي، خاصة بعدما دخلت التجربة وكنت واحدة من الضحايا، فليس من سمع كمن رأى، وأنا رأيت وعانيت وسمعت وعشت واكتويت بنيران الأفكار غير السوية والعقول المنحرفة، لم أجد كلمة منطقية، ولا مقولة عادلة، كأن الرجال لا يخطئون، والخطيئة هي نون النسوة، وما أقدمت على تلك الخطوة بخاطري ولا بإرادتي، وإنما وجدت نفسي فيها رغم أنفي، بعدما تحملت ما لا تطقه الجبال، ووصلت مع زوجي إلى طريق مسدود، وكان هو صاحب القرار الذي تحملت توابعه. البداية كانت تعارفاً خلال رحلة جامعية، كنت في السنة الثالثة بكلية نظرية، وهو يكبرني بعامين يدرس في كلية الطب، التقت أفكارنا، ونمت مشاعرنا بعد تكرار اللقاءات داخل أسوار الحرم الجامعي، نادراً ما نعبر عنها بالكلام، فهي وحدها كافية لتشرح ما في صدورنا، كنا حريصين على عدم التعثر في الدراسة، وعندما اقتربنا من التخرج، كان لا بد من وضع حد فاصل أو توضيح لمستقبلنا، وكان واضحاً وعرض أن يتقدم لأسرتي فور التخرج، وأعترف أنني كنت معجبة بتفكيره الجنوني، فهو مختلف في كل شيء ربما يكون هذا الاختلاف عن الآخرين من حولي هو ما شدني نحوه، حيث إن له أسلوبه الخاص في الملابس والمأكل والمشرب، في طريقة الجلوس والمشي، في الكلام والصمت، كان شاباً غير تقليدي بما تحويه الكلمة من معنى، وهذا الذي أعجبني وجذبني نحوه، هو نفسه كان مثار انتقاد من الآخرين من زملائنا ومعارفنا، لكن قناعتي كانت قوية، وكنت حاسمة أمري ولا مكان عندي للتردد، فهو في عيني متميز بهذه «الغرابة» في أسلوب حياته. أفكار جنونية حتى بعد أن تمت خطوبتنا، استمر هذا الإعجاب بذاك الأسلوب عندما رأيت اختياراته في قطع الأثاث والمفروشات والأدوات والأجهزة الكهربائية، كل ذلك جعلني استشعر أنني حقاً في بيت الأحلام، فما فائدة أن يكون كل شيء في حياتنا متشابهاً مثل غيرنا، فهذا وحده يدفع إلى الملل، كان حفل زواجنا هو الآخر غير تقليدي، فقد تم الزفاف في مركب صغير في المياه العميقة، يتأرجح فوق الأمواج، بينما المعازيم وأهلنا في مركب كبير تمت فيه كل الطقوس من الزفة إلى تناول الطعام، وتوجهنا إليهم بمركبنا الصغير الذي جاء وسط الظلام يشق البحر بأنواره المتلألئة وكل العيون تراقبنا وترصد سعادتنا، في الحقيقة خشيت وقتها من الحسد بالرغم من أنني لست من المتشككين ولا المتشائمين، لكن المشهد بالفعل كان أسطورياً. شهر العسل كان هو الآخر مفاجأة من أفكاره الجنونية، فقد سافرنا إلى بلاد غير معروفة ولا معتادة، وكان ذلك من بنات أفكاره، ولأنني قد منحته كل ثقتي فلم أتخوف من الاختيار، بل لم أسأل إلى أين ستكون وجهتنا، واكتشفت معه أماكن وبلداناً وعادات وتقاليد غريبة عما رأيت وسمعت وقرأت، ترفرف علينا السعادة ويسبقنا الأمل في حياة زوجية مفعمة بالمودة والرحمة والتفاهم مع هذا الرصيد من المشاعر المسبقة. كل ذلك ولم يبدأ زوجي حياته العملية كطبيب، وخلال الفترة السابقة لم يكن هناك مجال للحديث عن ذلك إلا قليلاً وبشكل عارض، لذلك فقد اتجه بكل قوته نحو تأثيث «العيادة» الخاصة به، بجانب عمله صباحاً في المستشفى، وكان يوم افتتاحها احتفالياً على غير المعتاد في مثل هذه الحالات، واصبح الجدول اليومي لزوجي يتكرر يومياً بالطريقة نفسها، فهو يستيقظ في الثامنة صباحاً، يرتدي ملابسه ويتناول أفطاره، ثم يتجه لعمله في الساعة التاسعة، ويظل في المستشفى حتى الساعة الرابعة، ويعود إلى المنزل في الخامسة، وقد اعتاد قبل وصوله أن يجري معي الاتصال الهاتفي الوحيد طوال اليوم لا ليطمئن عليّ، وإنما لأقوم بتجهيز الغداء، حيث إنه يخلد بعده إلى النوم، فيكون الاتصال حتى لا يضيع المزيد من الوقت في انتظار إعداد الطعام، ثم يستيقظ في السابعة، يبدل ملابسه ويستقل سيارته إلى «العيادة»، ويبقى فيها إلى ما بعد منتصف الليل. حجر عثرة في الأسابيع الأولى، كنت أظل ساهرة إلى أن يعود، وأنا أغالب النعاس حتى اعد له طعام العشاء، ولكن بعد أشهر لم أعد احتمل، فيغلبني النوم تارة وأتغلب عليه تارة، أو يسرقني الحديث في الهاتف مع صديقاتي، وكانت هذه هي بداية المشاكل بيننا، والسؤال الذي يطرح نفسه كيف اقضي يومي وأنا وحيدة، بالطبع مع انشغال زوجي المستمر، ولا وقت ليّ عنده لم أرد أن أكون حجر عثرة في طريق طموحه أو عرقلة أحلامه، كنت أقدر ما يبذله من جهد خلال الليل والنهار، فألزمت نفسي بأن أكون دافعاً له في طريقه، وإذا قيل إنه وراء كل رجل عظيم امرأة، فأود أن أكون الجندي المجهول في نجاحه وتقدمه. هذا الزوج المشغول لم يفتقد يوماً شيئاً مما يريد ولا من احتياجاته الضرورية، وفي نفس الوقت لست جماداً ولا قطعة أثاث تركها ليأتي فيجدها بلا حراك في نفس مكانها، أصبح من الطبيعي إذا أتحدث مع أمي وأخواتي وصديقاتي، ربما نكون نثرثر كثيراً، وفي الغالب نتحدث فيما لا يفيد خاصة أنني اقبع في البيت بلا عمل، ولم ابحث عن وظيفة لأن زوجي ومنذ أن تعارفنا وهو يرفض أن أعمل، وحينما قالها لي بأنه يريدني أن لا انشغل بأي شيء غيره وعدته بذلك، ولم أرد أن أخالف الوعد، خاصة أنني لست في حاجة إلى العمل، لكن بعد أن أنتهي من شؤون بيتي أكون وحيدة بين الملل والانتظار، ليس أمامي إلا أن أتحدث في الهاتف أو أشاهد التلفاز الذي مللت من كل ما يقدمه، حتى الأفلام شاهدتها عشرات المرات، وهي نفسها التي يتم تكرارها فلم تعد هناك فائدة للتلفاز إلا أن أسمع صوتاً في الشقة يؤنس وحدتي بلا تفاهم أو تواصل بيننا وقد وصل بي الأمر إلى أن أنام على صوته، ولو تم إغلاقه استيقظ على الفور. غيرة وانتقاد إلى هنا أين تكمن المشكلة؟. . الحقيقة أنها كانت كامنة وبدأت تظهر من جانب زوجي، الذي ينتقد تصرفاتي بشكل لم اعتده فيه من قبل، لم يقدر تضحياتي من أجله، وفوق هذا وذاك يريدني ألا أتحدث في الهاتف، والسبب انه يغار عليّ، بالطبع ضحكت ملء فمي من كلامه، فكيف يغار من صديقاتي وزميلات الدراسة ومن أمي وأخواتي، وهو يعلم علم اليقين أن كل من أتحدث معهن سيدات، وقلت له مازحة، يجب أن تخصص لي وقتاً، نتحدث نتحاور، نخرج نتنزه فمصمص شفتيه متعجبا من كلامي، وبما لا يعني الرفض او القبول، لكن يبدو أن ذلك فتح علينا باباً جديداً من المشاكل والخلافات كنا في غنى عنها، فبدلاً من الترفيه وتجديد الأحوال الحياتية، وإنعاش علاقتنا التي أصبحت متجمدة، جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن. خصص زوجي يوم إجازته الأسبوعية لنلتقي مع أقاربنا وأصدقائنا وجيراننا في مكان عام، في حديقة أو في أحد الأندية ومن الطبيعي أن يدور الحديث خلال اللقاء عن قضايا عامة، اجتماعية اقتصادية سياسية أو حول الأحداث من حولنا، نتبادل الآراء ونناقش، وكل ذلك مجرد كلام ولسنا معنيين بالحلول أو تحقيق المدينة الفاضلة، لكن هنا ظهر الوجه الآخر لزوجي، وجدت ما لم اعرفه من قبل، يسفه كل أرائي، ينتقد طريقة كلامي، لا يعجبه أسلوبي في الحوار، يحب أن يسيطر علي الجلسة، يريدني أن أجلس صامتة ولا أشارك بأي رأي، معتبراً أنني غير مثقفة، مع أن الحضور يتفقون معي كثيراً فيما اذهب إليه، يصدر لي أوامره أمامهم بأن «اخرس» وأكف عن الكلام، وصل الأمر إلى الإهانة، وعندما أعاتبه على ذلك يعتذر، لكنه يعود سيرته الأولى في كل لقاء. رد قاس لم أتحمل هذه الإهانات، وهو يعاملني كأنني نكرة، وصل به الحد إلى أنه يعاقبني أمام الغرباء مثل الأطفال الصغار، ولا يعاملني كزوجة، يجرح مشاعري أمام صديقاتي وزوجات زملائه، يتخذ القرارات ويحدد المواعيد من دون أن يسأل عن ظروف أو يشاركني الرأي، وتغاضيت عن ذلك، وأنا أحاول أن أقاوم وادفع المشاكل بعيداً عنا، وفي نفس الوقت يرفض أن اعتذر عن عدم الخروج حتى لا تحدث الخلافات، ولتجنب المزيد منها، فقد أصبح الشجار مقرراً بعد كل لقاء خارجي، ويتكرر اعتذاره، وتتكرر عودته إلى أخطائه نفسها، وعندما وصلت قدرتي إلى عدم الاحتمال، خرجت ثورتي، وارتفع صوتي بالاحتجاج، فكان الرد أقسى مما أتخيل أو أتوقع، كانت الصفعة السريعة على وجهي، تركت أصابعه علامات بعد الألم وقد تطاير الشرر من عيني، أذهلتني المفاجأة وألجمتني عن الكلام، لملمت ملابسي وعدت إلى بيت أبي وجاء ليصالحني ويعيدني إلى البيت، عدت معه لكن كل هذه المآسي تكررت عشرات المرات، فلم أجد أمامي إلا الطلاق الذي لوح به عندما رفضت العودة معه في المرة الأخيرة. لقد تحولت كل الصفات والتصرفات التي كنت معجبة بها فيه، إلى عيوب لم أعد أقبل أسلوبه الغريب، وحياته المعكوسة التي تختلف فعلاً عن كل من حولنا، كرهت كل ما كان يعجبني فيه ويشدني، اعترف مجداً أنني كنت أرى بقلبي لا بعيني وعقلي، وبعد عام من الطلاق، لم يتغير فيه شيء، ويريد أن أعود إليه، مازال مشغولا، ومازالت حياته على منوالها، تعهداته التي ينقضها يكرر الوعد بالالتزام بها، ولم أعد واثقة فيه. أرى أن أتحمل قسوة الطلاق، ولا أعود إلى زوج مشغول.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©