النفط هو شريان حياة النظام الاقتصادي العالمي· لكن الجميع يعرف ان النفط لن يستمر الى ما لا نهاية، ولا بد من البحث عن بدائل اخرى، وفي هذا الاطار يجب الا ننظر الى ارتفاعات الاسعار على أنها مسألة كارثية، ذلك لأنها في حقيقة الامر ربما تقدم الدافع المطلوب للمنتجين والمستهلكين على حد سواء·
وأعلنت أوبك الاسبوع الماضي انها ستخفض انتاجها نصف مليون برميل يوميا بداية من فبراير المقبل، وذلك في ثاني تحرك من نوعه بعدما قلصت انتاجها 1,2 مليون برميل يوميا في أكتوبر الماضي· وتبرر أوبك التي تسيطر على 43 % من انتاج النفط العالمي، هذه الخطوات بأنها تجيء ردا على تنامي المخزونات في الدول المتقدمة وزيادة الطاقة الانتاجية الاضافية، وبالتالي فهي تخشى من احتمال اصابة الاسواق بتخمة تؤدي الى انهيار الاسعار·
لكن السبب الحقيقي وراء هذه التحركات ربما يكون اعتقاد أوبك بأن الاقتصاد العالمي يستطيع أن يتحمل سعرا أعلى وأعلى للنفط· والمؤشرات تظهر أن الارتفاعات القياسية للاسعار لم تستطع حتى الآن في إخراج الاقتصاد عن وتيرة نموه·
وكلنا يتذكر انه قبل ثلاثة أعوام فقط، كانت أوبك تحاول ابقاء سعر النفط داخل نطاق بين 22 و28 دولارا للبرميل، ولكن مع ارتفاع الخام ليتجاوز 60 دولارا أغلب فترات العام الحالي، فإنها ربما تكون تتطلع الآن لابقاء السعر فوق مستوى 60 دولارا·
ومنتجو النفط ليسوا وحدهم الذين فشلوا في تقدير قوة حجم الطلب العالمي على الخام ومدى اعتماد الاقتصاد الدولي عليه· صحيح أن جانبا من هذه الزيادة يحدث لاسباب موسمية وبالتالي فهو زيادة مؤقتة لكن المؤكد أن العالم شهد أيضا زيادة دائمة بسبب وتيرة النمو المتسارعة في الاسواق الناشئة الحساسة إزاء الطاقة وخاصة الصين والهند· أضف الى ذلك أن تراجع قيمة العملة الاميركية والذي بدأ عام 2002 يعني ان الغرب يحتاج لمزيد من الدولارات لشراء البرميل الواحد·
وهذا التقلب في الأسعار وليس في مستوياتها هو الذي يثير أجواء القلق وعدم اليقين، ويمنع المنتجين من اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة الاجل كما انه يدفع المستهلكين للشراء بهلع· ولنفترض أن السوق يتعامل بهدوء مع مستوى ثابت للاسعار فإنه عندها لن يشعر بقلق، والحقيقة ان ارتفاع الاسعار هو أمر ايجابي لأنه يحقق للمنتجين المكاسب التي تحفزهم لتحسين البنى الاساسية لمشاريع النفط كما أنها في الوقت نفسه تشجع المستهلكين على البحث عن بدائل اخرى للطاقة·
كما تستفيد جماعات حماية البيئة لأن ارتفاع أسعار الوقود يفتح الباب أمام رفع الضرائب الكربونية وبالتالي زيادة الموارد المطلوبة لحماية الأرض من الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الارض· اذن فمشكلتنا ليست في ارتفاع الاسعار التي قد تؤدي الى نتائج ايجابية·· المشكلة الحقيقية تكمن في تقلب الاسعار وعدم وضوح الرؤية بشأن مستقبلها· وتخفيضات أوبك الاخيرة لا تساعد إطلاقا على حدوث هذا الاستقرار·
افتتاحية ''فاينانشال تايمز''
عدد اليوم
