الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

طريق العراق الجديد ليس مفروشاً بالورود

20 ديسمبر 2006 01:41
د· رسول محمد رسول: حتى اللحظة ما زال المشهد العراقي الجديد يكشف عن حراكه في كل الاتجاهات، لكن العنف الدموي ما زال العلامة الأكثر بينة فيه· هناك جماعات ترفض مشروع العراق الجديد مقابل جماعات تناضل من أجل تكريسه اعتقاداً منها أنه استحقاق تاريخي يجب أن يكون ويوجد· وكلا الجماعتين أو المجموعتين في تصادم أيديولوجي طاحن، فهناك أيديولوجية العُنف والكراهية والتطرُّف مقابل أيديولوجية الحرية والديمقراطية، ولكلا الأيديولوجيتين مواقعية محلية وإقليمية ودولية، ومواقعية تموينية / مالية، وأخرى مواقعية إعلامية / ترويجية· إلا أن المسعى الأمريكي لم تخذله كل صور التصادم الجارية رحاها بالعراق، فهو ماض في تقديم الدعم إلى مشروعه الديمقراطي في العراق ممثلا بحكومة نوري المالكي، ولعل التقرير الذي أعدته (مجموعة دراسات العراق) يعد ثمرة من ثمار ذلك المسعى، لكن نصائح وتوصيات التقرير قُوبلت برفض عراقي رئاسي على الصعيد النظري، وترحيب حكومي على الصعيد الميداني· في السادس من كانون الأول / ديسمبر الجاري أعلنت (مجموعة دراسات العراق) عن نتائج عملها الذي وصفته بأنه دؤوب استمر قرابة ثلاثة شهور لدراسة الوضع العراقي والخروج بنتائج نصائحية موجهة للإدارة الأمريكية التي بدت متورطة في نظر العديد من التيارات داخل الإدارة الأمريكية مقابل التفاؤل الذي يبشر به الرئيس بوش أمام الملأ في حين أن جنوده يتصاعد عدد قتلاهم يوما إثر يوم كما أن أبناء الشعب العراقي باتوا يُقتَّلون عشرةً عشرة في كل لحظة في ظل تصارع المليشيات الأصولية المتطرفة فيما بينها التي باتت تصدِّرُ عنفها بعد أي موقف سياسي بل بعد أي تصريح سياسي من الجهة الفلانية أو غيرها يتم تجديده بلا نتائج إيجابية· الامتعاض الرئاسي على نحو هادئ، رحَّبت حكومة المالكي بنتائج تقرير بيكر ـ هاملتون، وعلى نحو دراماتيكي رفضت الرئاسة العراقية، ممثلة بالرئيس جلال الطالباني، تلك النتائج اعتراضاً على النصيحة أو التوصية رقم (19) والتي جاء فيها: (يجب أن تتحرَّك الحكومة العراقية لتحقيق تقدُّم ملموس)· كذلك على التوصية رقم (21) والتي جاء فيها ما نصُّه: (في حال لم تحقِّق الحكومة العراقية تقدماً ملموساً على طريق المصالحة الوطنية، وتحقيق الأمن، وتثبيت الحُكم، ينبغي على الولايات المتحدة أن تخفض الدعم السياسي أو العسكري أو الاقتصادي لها)!! فضلاً على التوصية رقم (27) والتي بدت الأكثر استفزازاً للرئاسة العراقية حيث جاء فيها: (تتطلَّب المصالحة الوطنية إعادة البعثيين والقوميين العرب إلى الحياة الوطنية، مع رموز نظام صدام حسين· وعلى الولايات المتحدة أن تشجِّع عودة العراقيين المؤهلين من السُنَّة أو الشِّيعة أو القوميين أو البعثيين السابقين أو الأكراد إلى الحكومة)· يبدو، حسب امتعاض الرئيس العراقي جلال الطالباني، أن هذه التوصيات لا تتعلق فقط بمصير حكومة المالكي، إنما بمصير نظام الحكم الحالي بالعراق الجديد برمته، خصوصاً وأن أصواتاً ما زالت تتعالى على نحو صارخ بضرورة اللجوء إلى أنموذج حكم انتقالي أو إنقاذي والذي يُعبَّر عنه بـ (حكومة إنقاذ وطني) أو (حكومة انتقالية)، وما أشبه من الأطروحات التي يسعى إلى تكريسها أغلب المعارضون للعملية الديمقراطية في العراق الجديد· إلا أن مخاوف الرئاسة العراقية لا تبدو في محلها؛ فالرئيس الأمريكي أسهب في تصريحاته لدعم حكومة المالكي سواء في لقائهما التاريخي بعمّان نهاية الشهر الماضي، أم بعد صدور تقرير بيكر- هاملتون في السادس من الشهر الجاري، وبالتالي لا يمكن أن تبني الرئاسة العراقية رفضها على مجرَّد توصية مقترحة لن تأخذ طريقها إلى التنفيذ في ظل إصرار الرئيس بوش على مواصلة دعمه مشروع التغيير الجذري الشامل في العراق· حذَّر التقرير من سقوط العراق في الفوضى، والواقع أن العراق غارقٌ فيها حدَّ الاستدماء، لكن أهل التقرير يعتقدون إمكانية اندلاع حرب أهلية شاملة في ضوء إصرار بعض الجماعات السنيَّة العراقية على مواصلة تدمير المشروع الديمقراطي في العراق مقابل إصرار بعض الجماعات الشيعيَّة على النهج ذاته ليس لتدمير العملية الديمقراطية إنما للثأر لضحاياهم الذين يموتون جماعات بأعمال عنف دموية تنفذها جماعات محسوبة على الجانب السُّني في العراق والمنطقة· ولما كان الدعم للإرهاب في العراق يرتبط، كما هو التصور المعتاد، بدول المنطقة العربية والإسلامية، فإن التقرير حبَّذ استنفار كل الطاقات الإقليمية من أجل لجم هذا الدعم· ولذلك اقترحت اللجنة إجراء حملة دبلوماسية شاملة استخدم التقرير تعابير مختلفة لها مثل: (هجوم دبلوماسي شامل)، و(الحملة الدبلوماسية)، و(الدبلوماسية الجديدة)، وجاء في الفقرة (2) ما نصه عن دور هذه الحملة أو الهجمة: (دعم وحدة العراق وسلامة أراضيه، ووقف التدخلات وأعمال زعزعة الاستقرار من جانب جيران العراق، وتأمين الحدود)· كما دعا التقرير في الفقرة (3) إلى ما أسماه بـ (المجموعة الدولية لدعم العراق)، وبالتالي إلى تفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، وفي الفقرة (7) اقترح التقرير مشاركة مكتب الأمين العام للأمم المتحدة في عملها· الاستجابة الميدانية رغم الامتعاض الرئاسي، فإنَّ الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، قدَّمت استجابات مهمة بدت أقرب إلى روح التقرير عملياً منها إلى رفضه أو النأي عنه نظرياً؛ بل هناك استجابات عبَّرت عنها رموز سياسية مشاركة في الحكومة، فقد دعا عمّار الحكيم، رئيس مؤسسة شهيد المحراب في العراق، إلى تشكيل (منظومة أمن إقليمية)، وجاء هذا المقترح بينما كان عبد العزيز الحكيم، رئيس كتلة الائتلاف الموحَّد، في لقاءٍ الرئيس الأمريكي جورج بوش هو الأول من نوعه في البيت الأبيض لزعيم إسلامي شيعي من الطراز الذي يتسم به الحكيم· وتبع ذلك لقاء الرئيس بوش طارق الهاشمي، نائب الرئيس العراقي، ممثلاً عن الكتل السنية العراقية المشاركة في نظام الحكم بالعراق· وفي تلك الأجواء أقبلت الجمهورية السورية، وبعد أكثر من ربع قرن من القطيعة، على افتتاح سفارة لها في بغداد مقابل افتتاح سفارة عراقية في دمشق، كان هذا تحول كبير على صعيد العلاقات بين البلدين، خصوصاً وأن دمشق أبدت حرصاً على التعاون مع حكومة المالكي عندما زودت الأجهزة الامنية السورية رفيعة المستوى معلومات دقيقة عن جماعات مسلحة ترتبط بتنظيم (أنصار السنَّة)، وهو تنظيم متطرِّف ينشط بالعراق منذ عام ،2001 ويمارس أبشع أنواع العنف الدموي في محافظات العراق كافة، كما أن هناك أكثر من مجال سيكون لدمشق الأثر البالغ في الكشف عنها تلك التي تتعلق بالملف الأمني· ولو أردنا أن نبقى في دول الجوار العراقي، سنجد أن الأردن خطا خطوة أخرى ذات أهمية كبيرة على صعيد الملف الأمني، فقد توجَّه وفد أمني رفيع المستوى شارك فيه أهم القيادات الأمنية العراقية الراهنة، إلى عمَّان للقاء القيادات الأمنية هناك، وأثمر اللقاء عن توقيع اتفاقية أمنية مشتركة بين جمهورية العراق والمملكة الأردنية ستكون ذات شأن في تبادل المعلومات في أقل تقدير· وفي سياق ذلك من المتوقع أن تحذو المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، الحذو ذاته مع حكومة المالكي، رغم أن وسائل الإعلام الغربية تنقل عن مسؤولين سعوديين بعض التصريحات التي من شأنها تأزيم العلاقات بين العراق والسعودية، لكن المؤمل أن تلجأ الرياض إلى حسم هذا الموضوع مع الحكومة العراقية، لأن المصلحة الإقليمية لا تتطلَّب في الوقت الراهن أي تصعيد من هذا النوع لأن ذلك لا يخدم المرحلة· على صعيد آخر، كان التقرير قد دعا دول الاتحاد الأوروبي إلى استئناف علاقات دوله مع العراق الجديد، وكان أول الغيث زيارة رئيس الوزراء البلغاري إلى بغداد في الأسبوع الماضي، وتم الاتفاق في الزيارة على تفعيل العلاقات التجارية والعسكرية والعلمية والثقافية، وهي خطوة ستكون مقدمة لخطوات أوروبية قادمة· إلا أن كل ذلك التفاؤل ما زال يتفتت على صخرة العُنف الدموي الذي يكرُّس صوره يومياً أنصار أيديولوجية العُنف والكراهية والتطرُّف، فلقد زادت عمليات العُنف الناتجة عن تفخيخ السيارات وتفجيرها بين المدنيين العراقيين بعد الإعلان عن التقرير، وتصاعدت مرة أخرى موجات التهجير على الهوية والمذهب، وراح أنصار تلك الأيديولوجية يبحثون عن مظلات إقليمية ودولية للقضاء على توصيات مجموعة دراسة العراق، وهذا شأنها في أية مبادرات أخرى، لفتح الطريق نحو الحرية هو غالباً ليس معبداً بالورود، وذلك هو الأمل·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©