الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشهد من الحرب الأهلية اللبنانية

مشهد من الحرب الأهلية اللبنانية
15 ديسمبر 2010 19:36
صدرت هذه القصّة في طبعتها الأولى 2009 عن دار “كتابنا للنّشر” في لبنان، متّخذة مادّة الحرب الأهليّة اللبنانيّة في مرحلتها الأولى (1975 ـ 1976) مصدرا للحدث الكثيف الدّالّ. طبيعة الكتاب كما حدّدها المؤلّف صقر أبي فاضل، تتحدّث عن “قصّة مذبحة في مقالع المتن الأعلى” من جبل لبنان، حيث احتدم الصّراع الطّائفيّ مشوبا بالخطف على الهويّة، والتّنكيل الجسديّ، وقطع الطّرق، وتجاوز الحدود الخلقيّة التي تصمد أحيانا في النّزاعات السّياسيّة. كان المؤلّف صقر أبي فاضل مسؤولا في وزارة الهاتف آنذاك، وقد عمّت الفوضى، وتحلّلت الضوابط القانونيّة والخلقيّة، وانعدم حبل الأمن، فحاول في مدينة عاليه أن يتابع عمله الى أن أجبر على مغادرتها نحو بلدات ومواقع أكثر أمنا: الشّبّانيّة، الأشرفيّة.. في هذه الأوقات سيطر المسلّحون على الطّرقات بحواجز ملثّمة، تستغلّ الفجوات الأمنيّة بعد دخول قوّات الرّدع العربيّة الى لبنان (معظمها سوريّة). لم يتخلّ صقر عن نداء المسؤوليّة، فكان يرافق كبار مسؤولي وزارة الهاتف لتفقّد الأضرار، ومعاينة المكاتب والخطوط في القرى والبلدات الجبليّة، تمهيدا للاصلاح واستئناف العمل. وعلى الطّريق رأى “حواجز قوّات الرّدع، تتخلّلها حواجز لمسلّحين بثياب مرقّطة، ملثّمين بجوارب نسائيّة، وهم ينهرون القلّة من المارّة” والقرى والمدن “على حال من البؤس والخراب والفراغ، خالية من معظم أهاليها، يخيّم الدّمار على معظم مبانيها الخاصّة والعامّة... وكأنّ جنكيزخان مرّ من هنا” فصار لسان حاله يقول بعد مغادرة بلدة الشّبّانيّة: ما أسخف ما يتغنّى به الانسان من فضائل أمام الفظاعات والتّجنّيات التي اقترفها عبر الأجيال، والتي تفضح الهمجيّة الكامنة في ذاته “انّه مزيج من الشّعور بالقرف” حتى اليأس، ممّا قد يعانيه الانسان من تناقضات، وتباينات قائمة بين المثاليات الطّوباويّة والوقائع الحسّيّة المريرة”. وابتداء من الفصل السّادس وصولا الى التّاسع، يروي المؤلّف كيف اختطفه أحد المسلّحين، وهو عائد الى بلدته، واقتاده الى مقالع وكسّارات مقفرة نائية لا يقصدها أحد... وهناك خضع للتّفتيش والسّلب والتّحقيق، تمهيدا لتصفيته جسديّا... لم تنفع كلّ التوسّلات التي أطلقها لتعديل رأي المسلّح الخاطف نحو قوله: “اسألوا عنّي ليس لي عداوة مع أحد، أنا خادم لكلّ فرد منكم. اسألوا عنّي كلّ المشايخ الأكارم، ورجال الدّين، ووجوه العائلات والقيادات وهم يخبرونكم. أنا اداريّ في وزارة الهاتف، مسؤول عن هذه المنطقة. أنا صقر أبي فاضل، روم أرثوذكس، من بيت مري، وبين بلدتنا والمنطقة هذه بالذّات أواصر قربى، وزيجات متبادلة...” لم يكترث له المسلّح، وكان ينهره بغضب طلبا منه السّكوت. وكان مقدّرا أن يكون المؤلّف الضّحيّة الأولى لمجزرة يعدّ لها المسلّحون، وبينما كان يتقلّب على جمر التّرقّب والانتظار، وصلت سيّارتان الى المكان في داخل كلّ منهما أربعة مخطوفين، توقّفتا، فصاح أحد الخاطفين: “ترجّلوا، وهاتوا كلّ ما تحملون من مال وحليّ وأوراق”. في السّيّارة الأولى شيخ أعمى وامرأة، ورجلان، عوملوا بقسوة وفظاظة، قبل اعدامهم، وفي الثّانية دوّى صوت غاضب قائلا: “من أنت؟ من تكون؟ من أيّ دين؟ والى أيّة طائفة أو فئة أو منطقة تنتمي؟” بقيت الأسئلة تتردّد الى أن سمع الكاتب قعقعة سلاح وشتائم، ثمّ ساد الصّمت المريب، بعد سماع وابل من طلقات الرّصاص. أدرك الكاتب أنّ نهايته تقترب، فقفز الى هوّة قريبة، يطلب النّجاة بأيّ ثمن، وعلى بركة اللّه، تدحرج على أكوام من الحجارة، حتّى استقرّ في حفرة عميقة، اتّقى بها الطّلقات النّاريّة التي لاحقته من جانب المسلّحين، وقد دفعه خوفه باتّجاه الطريق العامّ فكتبت له حياة جديدة، بعد أن أنقذته سيّارة تابعة لقوّات الرّدع... بينما قضى المخطوفون الآخرون رميا بالرّصاص في مذبحة شنيعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©