السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التكيف المعقول»... بين فرنسا وكندا

15 سبتمبر 2013 22:54
بينما يستمر الخلاف حول النقاب في صياغة عناوين الأنباء في فرنسا، يستحق الأمر تفحّص ما يمكن لفرنسا أن تتعلمه من كندا، التي عملت على تسوية حرية الأديان مع الأمن الوطني وحقوق المرأة. لقد تم إيجاد القوانين التي تمنع النقاب، والذي يعرفونه بأنه الغطاء الذي يخفي جسم المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها، في مضمون يجعله مكافئاً لتهديد الأمن الوطني، وذلك بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. لقد قامت كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وكندا بتطوير حالة من القلق المتزايد حول أمنها الوطني، الأمر الذي أدى إلى قلق متزايد أيضاً حول المجموعة الدينية الأوسع التي يدّعي مفجرو الحادي عشر من سبتمبر أنهم جاؤوا منها. إلا أن الكثيرين يعتقدون أن مشاريع القوانين المذكورة حاولت تحجيم حريات المسلمين في العقيدة والدين. لكن الحرية في لبس النقاب يحميها الدستور الفرنسي في مقدمته، إذ تنص المادة الأولى على أن «فرنسا ستكون جمهورية لا يمكن تقسيمها، علمانية ديمقراطية واشتراكية. وسوف تضمن المساواة بين كافة المواطنين أمام القانون دون تمييز في الأصل أو العرق أو الدين. كما أنها سوف تحترم كافة المعتقدات». وبالمثل يقول البيان الكندي للحقوق والحريات في الدستور الكندي: «يملك كل فرد الحريات الأساسية التالية: (أ) حرية الضمير والدين، (ب) حرية الفكر والمعتقد والتعبير...». كيف يمكن لأية دولة إذن أن تساوي بين القيم الدينية لشعبها، وبين وضع قوانين بهدف منع تعابير دينية معينة؟ الأمر الذي ربما لا يفهمه البعض هو أن تنفيذ قانون ضد النقاب لا يمنع المرأة من لبسه، وإنما يعني فقط أنها لم تعد تتمكن من لبسه خارج المنزل، أي في الأماكن العامة وأثناء خروجها كما تشاء. إلا أن المنع يتعلق بموضوع أكثر اتساعاً، ألا وهو عزل النساء المسلمات. وسوف يؤدي الإنكار على المرأة حقها في التعبير عن حريتها في العقيدة والدين، إلى زيادة شعورها بالعزلة. هكذا إذن، ورغم أن الهدف المعلن لمشروع القانون الذي يمنع النقاب في فرنسا هو تشجيع المساواة في النوع الاجتماعي وتحقيق الأمن وتكريس قيم الجمهورية الفرنسية، إلا أن هذا المنع يحدّ في الواقع من التنوع ويمس الأسس التي قامت عليها الجمهورية. لدى كندا تاريخ طويل في استخدام «التكيّف المعقول» عندما يعود الأمر إلى كافة الممارسات الدينية والثقافية، مما يعني أنه يجب التكيف مع الأقليات، ضمن منهج معتدل بين ضرورات الأمن الوطني ومقتضيات الحرية الفردية. وانطلاقاً من قانون العمل لعام 1985، يحافظ «التكيف المعقول» على مرونة المعايير في مكان العمل أو في المجتمع، حتى يتسنى تجنّب الممارسات التمييزية. إن الهدف الأول للتكيّف المعقول هو الحفاظ على مجتمع ينعم بالأمن والسلام، وفي الوقت نفسه احترام واكتساب تفهّم أفضل لتنوعه. في مقاطعة الكبك الكندية على سبيل المثال، تسمح الحكومة الإقليمية للمرأة بلبس النقاب علناً، لكنها تطلب من هؤلاء النساء بعض التكيّف، مثل إظهار وجوههن على بطاقات تأمين الرعاية الصحية. وكلّما تمكّنا أكثر من فهم هذه الفروقات، تمكّنا بصورة أفضل من حماية السبب الرئيسي وراء الهجرة، ألا وهو العيش في مجتمع ديمقراطي يحترم حرية التعبير والدين. يجب أن يُنظَر في هذا المجتمع نفسه إلى المرأة المسلمة كفرد متساوٍ مع الآخر. ما كان يجب للحل في فرنسا أن يفرض قانوناً ضد لبس النقاب، وإنما البحث عن تكيّف معقول بين متطلبات الخدمة العامة وحريات المواطنين الدينية لإيجاد روابط اجتماعية قوية. قبل التوجه بسرعة إلى الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى في البرلمان الفرنسي) للموافقة على هذا المنع ومثله، يتوجب على صانعي القوانين أن يلتقوا أولا لمحاولة فهم مصادر هذه التقاليد، إضافة إلى مظاهر جديدة لها. ويمكن كذلك مشاورة هؤلاء الممثلين ومطالبتهم بتقديم حلول صادرة عنهم. سوف يتكيف هذا التوجه بالتأكيد بصورة أفضل مع المسلمين في المجتمع الديمقراطي. هدف هذا الحوار في نهاية المطاف هو ضمان الأمن والمساواة للجميع ومنع الحقد والنزاع من الظهور. إنه نوع من العقد الاجتماعي الجديد. إليسا رزق الله باحثة في كلية الحقوق بمونتريال ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©