الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المهمة الأفغانية... والحصيلة الأميركية

15 سبتمبر 2013 22:53
فيما تستعد الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان، لم تكتسِ الأخبار القادمة من هناك الطابع الاستعجالي الذي تستحقه، وظل النقاش العام خافتاً نوعاً ما وبعيداً عن تقييم حصيلة الانخراط الأميركي في أطول حرب تخوضها واشنطن في تاريخها المعاصر، وهو ما يولد الانطباع لدى عدد من المراقبين بأن المسؤولين يحاولون تحويل التجربة الأفغانية إلى مخزن التاريخ دون النظر إليها بتمعن فيما يشبه الرغبة الجارفة للتخلص منها وتركها نهباً للزمن والنسيان. ولكن قبل القيام بهذه العملية لابد أولاً من فتح الملفات وشرح ما جرى في حرب مكلفة شارفت على الانتهاء دون أن تحقق ما كان متوقعاً منها. فقد كان الهدف الأميركي المعلن من التدخل في أفغانستان هو الوصول بذلك البلد إلى بر الأمان والاستقرار، وأن ينعم بقدر معقول من الازدهار، ويتعاون مع أميركا في حربها ضد «القاعدة» والتنظيمات التابعة لها. ولكن هذا الهدف الجدير بالمتابعة ظل في خانة الرغبات، ولم يترجم إلى استراتيجية فعالة على أرض الواقع. والأمر ليس لأن أغلب الحروب تنتهي بنوع من الفوضى وتخرج عن السيطرة في حالات كثيرة، بل لأن ما رسمته أميركا من أهداف لا يعكس النتيجة النهائية لتدخلها في أفغانستان. فبعد إحدى عشرة سنة في تلك البلاد، وبعد التخلص من حكم «طالبان»، مازال المسؤولون الأميركيون غير قادرين على الخروج من كابول والانتقال إلى مناطق أخرى دون التعرض للخطر. كما أن الحكومة الأفغانية تكاد تنحصر في العاصمة دون القدرة على بسط السيطرة على باقي المحافظات، وأكثر من ذلك أنها لا تستند إلى اقتصاد قادر على دعمها وضمان استمرارها بعد الانسحاب الأميركي. وكل تلك المقولات المتفائلة عن تولي الأفغان المسؤوليات الأمنية ونهوضهم بأعباء إدارة البلاد لا يمكنها أبداً أن تستبدل التقييمات الرصينة للوضع الأفغاني الراهن، التي ترجح أن تبقى الدولة الأفغانية على مدار السنوات القادمة متحكماً فيها سواء من قبل أعداء الداخل، أو البلدان المجاورة. وإذا ما قيض لها النهوض فستكون بعيدة كل البعد عن نموذج الحليف الأميركي المفترض، أو قد تجد نفسها مجدداً وسط حرب أهلية مدمرة.والحقيقة أن جزءاً كبيراً من هذا الواقع، أو ما تنتظره البلاد بعد خروج أميركا، راجع إلى تعقيدات مرتبطة بأفغانستان نفسها، دون أن ننسى بطبيعة الحال الدور الأميركي في مفاقمة المشاكل بسبب تعدد الأهداف وتنوعها تبعاً للعمليات والبرامج في الميدان، فقد توسعت الاستراتيجية الأميركية خلال وجودنا في أفغانستان لتشمل عدداً كبيراً من المهام التي ربما تكون مستحيلة. فنظراً للشعور الأميركي الطاغي في دوائر السياسة الخارجية بوجود رابط بين هجمات 11 سبتمبر وإهمال أميركا لأفغانستان بعد اندحار الاتحاد السوفييتي تنوعت المهام لتشمل بناء الدولة والتدخل الإنساني والردع، بالإضافة إلى اعتبارات الموقع الجيواستراتيجي. والحال أن كلاً من هذه الدواعي يتطلب استراتيجية خروج مختلفة لا أحد منها يعكس بالضرورة استعجالنا الحالي في المغادرة. والغريب أنه حتى بعد قتلنا لمهندس الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة، بن لادن، وقضائنا على عدد من معاونيه والمرتبطين به، ثم سحقنا لنظام «طالبان» الذي رفض تسليمه، ما زال العقاب في نظرنا قاصراً وغير كافٍ، ما يعني ربما أن ما تبحث عنه أميركا هو الانتقام وليس العقاب. وفي جميع الأحوال لا يمكن القول أيضاً إن أميركا ستخرج خالية الوفاض، فهناك عدد من الأمور الإيجابية التي تحققت طيلة السنوات الماضية، أولها الحكومة الممثلة للشعب في كابول، وانتعاش الحياة الاقتصادية، وتأمين التعليم لجيل كامل من الأفغان، بمن فيهم الفتيات. والأهم من ذلك أن أفغانستان بعد استرجاع سيادتها كاملة ستقرر بنفسها مصيرها ومستقبلها. ولكن محاولتنا توفير أجواء إيجابية تساعد الحكومة الأفغانية على تولي المسؤولية من خلال إقناع الأفغان بجدواها، واجهت مقاومة شعبية لعدم استفادة مجمل السكان من المساعدات الأميركية التي ظلت محصورة في النخب والمقربين من الحكومة ما أفقدها الكثير من المصداقية. وفي غياب حكومة مركزية قوية ذات شرعية راسخة يلجأ الأفغان عادة إلى الانتماءات العشائرية والإثنية باعتبارها الأنساق الأكثر قدرة على الاستمرار أكثر من الإدارة المركزية. كما أن احتمال عودة «طالبان»، أو متشددين آخرين عبر المفاوضات، أو حتى صناديق الاقتراع، لا يشجع الأفغان على الوثوق بحكومتهم. أما فيما يتعلق بهدف الردع الذي توخته أميركا منذ بداية تجربتها الأفغانية وجعلته في صلب مبرراتها لخوض الحرب، فكان دائماً من الصعب الإجابة عن سؤال: كيف يمكن لأميركا من خلال قتالها أعداء في أفغانستان أن تمنع رجالاً من تفجير قنابل يدوية الصنع في طناجر للضغط بمدينة مثل بوسطن، علماً بأنه نموذج يتكرر في أماكن أخرى من العالم من مالي إلى سوريا، ولذا فقد يكون من الأجدى لأميركا إذا هي أرادت تأمين حدودها مراقبة المتشددين في الداخل وتفكيك الشبكات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة في الخارج دون الحاجة لتدخلات عسكرية طويلة الأمد. وأخيراً ومن وجهة نظر جيواستراتيجية هناك حقيقة مهمة تقول إن التواجد في أفغانستان وتأمين موقع متميز يعتمد أساساً على الوسائل اللوجستية التي توفرها باكستان، وبمعنى آخر تبقى أفغانستان كموقع متقدم وموطئ استراتيجي في لعبة الأمم مكلفة وغير مضمونة. داني باراديسو موظف سابق في وزارة الخارجية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©