السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نور تركماني: قصيدة النثر محتالة!

نور تركماني: قصيدة النثر محتالة!
23 يناير 2013 20:24
المشكلة ليست في الثقافة العربية، بل في المثقف العربي الذي ابتعد عن تاريخه وحضارته، وحاول هدمهما خدمة للغرب الاستعماري الذي ينشط لتمزيقنا والهيمنة على مقدراتنا. بهذه الفكرة، بدأت الشاعرة نور تركماني حديثها لـ «لاتحاد الثقافي»، وقالت: «ما أطمح إليه من إقامة صالون ثقافي منتظم في بيتي هو الخروج عن الشللية، وتصحيح المشهد الثقافي بالأردن من خلال مشاركة جميع الأطياف في النقاشات الأدبية وحلقات الاستماع لقصائد الشعر بهدف ممارسة عملية نقدية تضيء النص وتضيف له وتبين نقاط قوته وضعفه دون (زعل) أو مجاملة». ومن وجهة نظر تركماني، فإن النقاد هم خريجو جامعات غربية أو مفتونون بالأدب الغربي فكيف نحاكم نصاً عربياً بنظرية قادمة من الخارج متجاوزين أن لكل أدب خصوصية؟ توفيق عابد ترى نور تركماني أن «الشاعر الحقيقي لا يهجر الشعر إلى جنس أدبي آخر، فالقصيدة للشاعر تمثل سر وجوده وأكسجينه.. والشاعر هو حارس الحلم فكيف ينسحب من الميدان سعيا وراء شهرة أكثر ربما توفرها الرواية؟». أما مرشدها في مضمار القصيدة، فهو إحساسها الذي تبثه للورق مؤكدة أنها لا تؤمن بجنسوية الأدب، لكن ربما للمرأة أسلوبها في التعبير عن واقعها وهمومها ومشاعرها. ضحكات القصيدة ودموعها ? يقال إن القصيدة تكبر مع قائلها وقارئها وناقدها.. تشاركه حبه وخيبته.. ماذا ترين؟ ?القصيدة عبارة عن لوحة تحمل ملامح كاتبها، فيأتي القارئ ويضيف للوحة إطاراً من خلال ذائقته الخاصة وملامسة القصيدة لمشاعره، ويأتي قارئ آخر، ويضع لها إطاراً جديداً، أما الناقد فإنه يسلط على هذه اللوحة إضاءة محددة أو متعددة تؤدي لإيضاح وجلاء ما لا يدركه القارئ العادي بهذه اللوحة. أما موضوع أن تشاركه حبه وخيبته، فهذا أمر طبيعي فالقصيدة مرآة الشاعر، فإن ضحك سمعنا ضحكتها تتراقص بين الحروف، وإن حزن رأينا دموعها تسيل على الورق. ? يقال إن الشعر ينحسر لصالح الرواية خاصة مع تحول شعراء كثيرين لكتابة الرواية، كيف ترين؟ ? الشاعر الحقيقي لا يمكن أن يهجر الشعر، فالشعر للشاعر يمثل سر وجوده وأكسجينه الذي يتنفس، ثم من هم الشعراء الذين هجروا الشعر للرواية؟ وإن كانت هناك حالة أو عدة حالات فلا تعتبر ظاهرة، ففي هذا السؤال تعميم لحالة خاصة. النزوع نحو كتابة الرواية هو رغبة من الكاتب بالوصول إلى أكبر شريحة من الناس. وفي كل فترة كان هناك سيطرة لجنس أدبي على ما سواه، فقد مر وقت سيطرت فيه قصيدة التفعيلة على ما سواها ونجد الآن طغيان الرواية، وربما تكون الرواية هي الطريق الأقصر للانتشار ولنيل الجوائز. وعي بطرياركي ? في عصر الثورات والديجيتال والوجبات السريعة وشباب الفيس بوك، ما مهمة الشاعر؟ ? مهمة الأدب بشكل عام أن يعيد تشكيل الوعي الفردي والوعي الجمعي، وهذا لا يتغير مع التغيرات الطارئة. الوعي المتجذر في العقل العربي هو وعي زائف بالضرورة مبني على بطرياركية أبوية سلطوية مستبدة. ومن المؤكد أن العصر الرقمي كسر حاجزي الزمان والمكان وألغى الحدود ومهمة الشاعر أن يستغل هذا الانفتاح على العالم الأرحب وأن يعيد إنتاج الوعي الحقيقي في البناء الاجتماعي وأن يتماهى مع الواقع الجديد وألا ينفصل عن قضايا أمته، وأن يكون بوصلتها الصادقة. ? لكل شاعر نموذج.. كشاعرة تنتمين لجيل الشباب.. من هو مرشدك في مضمار القصيدة ولماذا؟ ? للتوضيح لست من جيل الشباب - عمراً- ولو أنني أتمنى لو كنت كذلك. أما - شعراً- فأنا لم أصل إلى جيل الشباب بعد؛ لأني ما زلت طفلة في طور المراهقة. ومن ناحية أخرى كنت وسأبقى مأخوذة بالسهروردي وابن عربي وابن الفارض والحلاج وجبران خليل جبران ومن الشاعرات نازك الملائكة وفدوى طوقان ولميعة عباس عمارة. أما مرشدي في مضمار القصيدة، فهو إحساسي الذي أبثه للورق دون تدخل في شكله العام. ? أنت مهتمة بالأدب النسوي فما رأيك بوجهة النظر القائلة بأن الأدب النسوي بحاجة لإعادة نظر واكتشاف؟ ? المرأة الأديبة ظلمت على مر العصور ولم تنل حظها من الشهرة، كما الأديب الرجل لاعتبارات اجتماعية ودينية وسياسية، لكنني أعتقد أن نهايات القرن العشرين وبدايات هذا القرن قد فتحت أبواباً للمرأة تستطيع من خلالها الولوج إلى كل الأجناس الأدبية دون خشية من بطش أو تسلط الرجل سواء كان زوجاً أو أخاً أو ابناً بسبب الانفتاح الذي شهدناه على الآخر. ? يقال بأن قصيدة النثر تسمية محتالة، ما رأيك؟ ? عندما تشم العطر لا يعود مهما من أي زهرٍ تم اعتصاره؛ المهم هنا إن كان يفتنك العطر أم لا! لذلك لا يهم شكل القصيدة بقدر ما يهم مضمونها والبنية الفنية لها. هذه إحدى التسميات ولا أختلف معك على التسميات، وبالمناسبة تروق لي تسمية «محتالة». ? أنت مسكونة بنون النسوة واهتمامك ينصب على الأدب النسوي، ماذا عن الرجل؟ ? الحقيقة لا أؤمن بجنسوية الأدب فالقصيدة قصيدة سواء كتبها شاعر أو شاعرة والقصة والرواية وكل ضروب الأدب الأخرى.ربما للمرأة أسلوبها بالتعبير عن واقعها وهمومها ومشاعره لكن لا نستطيع أن نطلق توصيف أدب نسوي عليه فكما نرى أديبات مبدعات وأديبات فاشلات هناك أدباء مبدعون وأدباء فاشلون والمقياس الحقيقي هو المادة الأدبية. قناة لصوت المثقف ? ربما تكونين أول مثقفة تجعل من بيتها صالوناً أدبياً منتظماً، البعض يرى أنك تقلدين أخريات ما تعليقك، وما دور الصالون في إثراء المشهد الثقافي بالأردن؟ ?? فكرة الصالون لم تكن وليدة اليوم ولا البارحة وإنما عمرها سنين من الزمن، ففي طفولتي حين كنت أقرأ عن مي زيادة كنت مأخوذة جداً بتجربتها الأدبية واستهوتني فكرة الصالون وربما من هذا الإعجاب أو التأثر نشأت الفكرة لدي ورغبت بتحقيقها. في البداية، أردت تنفيذ هذه الفكرة من خلال التعاون مع منتديات وجهات ثقافية متنوعة، إلا أني عدلت عن هذا الاتجاه حين اكتشفت وجود الكثير من العراقيل، فقررت أن أقيم هذا الصالون في بيتي فهو يمثل لدي رغبة وحلم في إيجاد دورٍ فاعلٍ وخلاّق للمرأة، ليكون حلقة وصل بين أدباء يجمعهم الهم الثقافي بشكل عام والأدب بشكل خاص. ما يحققه الصالون الأدبي كثير جداً، فبالنسبة لي الصالون يجعلني على تواصل مع الأدباء في تبادل الأفكار وتبني القضايا الأدبية من خلال النقاشات التي تتم، نُسمع ونستمع للشعر الذي نعشق، ونحتفي بتجارب إبداعية شعرية متميزة أثْرت وأثّرت المشهد الثقافي العربي، وبدل أن نفكر بأصوات متفرقة ارتأيت أن نجعل لصوتنا قناة واحدة - وإن لم تكن الوحيدة - وأن يكون بؤرة إشعاع وتنوير للأدب والفكر والثقافة، ويكون رافداً حقيقياً للمشهد الثقافي الأردني بشكل خاص والعربي بشكل عام. أما ما أطمح إلى تقديمه للساحة من خلال الصالون الأدبي، فهو بشكل أساسي الخروج عن الشللية. وأعتقد أن الصالونات الأدبية تؤثر في تصحيح مسار المشهد الثقافي من خلال احتوائها جميع الأطياف، وكلما زاد عدد هذه الصالونات كلما استطعنا إثراء الأدب. وأخيراً، أقول أن فكرة الصالون ليست حكراً على أحدٍ بذاته ولا على زمن محدد. نظريات مستوردة ? بعض النقاد يحاكمون النص الأدبي بنظريات غربية، برأيك هل تستقيم المحاكمة؟ ? الحقيقة أن العولمة ليست فعلاً اقتصادياً فحسب بل لقد كان لها بالغ الأثر على الأدب بشكل عام، ومعظم النقاد هم خريجو جامعات غربية أو مفتونون بالأدب الغربي وما وصل إليه من حداثة، لكن هذا لا يعني أنني أوافق على هذا التقييم وهذه الطريقة النقدية فلكل أدب خصوصية يجب أن يتم التعامل معه من خلالها. ? لك اهتمام بالتراث الفلسطيني، ترى ماذا قدمت لهذا التراث الذي يتعرض للسرقة؟ ? أعمل من خلال مجموعة من المتطوعين في المخيمات الفلسطينية على إعادة ما تم طمسه من تراثنا بفعل الاحتلال والتشتت بإعادة تأهيل وتدريب المرأة الفلسطينية للقيام بدورها في المحافظة على هذا التراث وتربية الأجيال القادمة على خصوصية الشكل الفلسطيني العام. ولا أرى أن التراث ينحصر في الملابس والأزياء فالأدب الفلسطيني تراث والقصيدة الفلسطينية تراث وشجرة الزيتون تراث وبحر يافا تراث وجفرا تراث كل هذا مجتمعاً يشكل الفلسطيني منذ كانت فلسطين. ? توصف الثقافة العربية بأنها غير منتجة «تأخذ ولا تعطي» من وجهة نظرك لماذا؟ ? المشكلة ليست في الثقافة العربية بل في المثقف العربي الذي ابتعد عن تاريخه وحضارته بل حاول هدمهما خدمة للغرب الاستعماري الذي قطع أوصالنا وحرفنا عن الطريق الذي سار عليه أجدادنا وهناك أيضاً تعمد من الآخر لتهميش دورنا وأثرنا في الحضارة. ? هناك قول مأثور لغاندي: «الشاعر هو الحارس الذي يحذرنا من اقتراب أعداء»، إلى أي حد ينطبق هذا القول على شعرائنا؟ ? أستطيع القول إنه من خلال استشراف الشاعر للمستقبل. وزرقاء اليمامة هي أول من قال إني أرى شجراً من خلفه بشرٌ لأمرٍ ما اجتمع الأشجار والبشر، فكان ذلك هو التحذير الأول لما يراه الشاعر بعين حدسه وسيبقى الشاعر حارس الحلم يرى ما لا يراه الآخرون. وأن يكثر الشعراء والميل لكتابة الشعر فهذا دليل صحة وهذا نشهده بوضوح في أوساط الشباب، وما نحتاج إليه فعلاً مدارس نقدية ذات رؤى واضحة تقيّم هذا النتاج الأدبي وتوجه هؤلاء الشباب للارتقاء بموهبتهم وصقلها. والرمزية جميلة لأن الشاعر بحاجة لمساحات لغوية بعيدة عن المألوف.. والرمزية تمنحه المديات للتخييل إذا أحسن توظيفها في القصيدة أما الإيغال في الرمزية من باب التغريب والحداثة والتقليد الأعمى، فلا يستهويني كشاعرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©