الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خبراء يُشككون في نظرية «أفضل المدرسين هم خريجو أفضل الجامعات»

خبراء يُشككون في نظرية «أفضل المدرسين هم خريجو أفضل الجامعات»
17 سبتمبر 2011 21:46
من القضايا القليلة التي يتفق عليها خبراء التربية والتعليم أفضلية انتقاء أفضل خريجي الثانوية العامة والكليات إلى مهنة التدريس بجميع مراحله. ولعل المعيار الشائع الذي يُستخدَم لوصف هؤلاء الخريجين بأنهم «الأفضل» هو رصيدهم في الثانوية أو الكلية ومناقبهم وأداؤهم. وفي الكثير من الأحيان، يدعو خبراء واستشاريو مناهج التدريس إلى الاقتصار على استقطاب المدرسين من الخريجين الثلاثة الأوائل، باعتباره معياراً قياسياً يعكس قوة أداء الطلبة المحتلين لهذه المراكز في عدد من البلدان والدول المشهود لمناهجها التدريسية بالنجاح والكفاءة والجودة مثل فنلندا. يُنظر إلى اجتذاب أفضل المرشحين الجُدُد وتحسين جودة أداء المدرسين الممارسين كأبرز أولويات تدبير الشأن التعليمي والتربوي. ولا يتعلق الأمر هنا بلوائح تنظيم العملية التعليمية بالمؤسسات التعليمية ومناهجها، بل بهدف تطمح لتحقيقه كل مؤسسة تبتغي الاستمرار في الحفاظ على جودة مخرجات خريجيها وكوادرها أو الارتقاء بمستواها في سوق تعليمي مُعولَم تستعر ناره التنافسية يوماً بعد آخر. لكن التحدي الكبير والسؤال الملح في هذا الإطار هو كيف يمكن جعل «التدريس» مهنةً جذابةً للخريجين الأوائل والمتميزين؟ وهو سؤال لا يقل أهميةً وأولويةً عن التساؤل الذي يُلازم دوماً الفاعلين التربويين ومهندسي الحقل التعليمي بشأن أفضل الطرق وأنجعها لتحسين أداء المدرسين العاملين مسبقاً في مجال التدريس، مع ضخ دماء جديدة فعالة تزيد قلب المؤسسة التعليمية حياةً وحيويةً، وتزيد منتسبيها تألقاً وإبداعاً. الثلاثة الأوائل يقول استشاريون تربويون إن الإجابة عن مثل هذه التساؤلات تستلزم بالأساس تكوين فكرة ما عن الناس الذين يجري استقطابهم ومتابعتهم، ومعرفة هؤلاء المرشحين «الأفضل والأكفأ»، بالإضافة إلى محاولة معرفة ما الذي يُريدونه هم. ولا يُخفي بعض الخبراء التربويين نظرتهم المريبة إلى معيار «الثلاثة الأوائل» باعتباره- في نظرهم- لا يمكن أن يكون دائماً مرآةً عاكسةً للمرشح المثالي المرغوب فيه لتكوين وتربية وتدريس الأجيال الناشئة من التلاميذ والطلبة بالطرق البيداغوجية المنشودة. ولذلك فإن من يُشككون في طلاقة فعالية منطق «الثلاثة الأوائل» يعتبرون أن هذا المعيار قد يكون مُضللاً، وقد يصرفهم عن الانشغال بمناقشة أولويات تدبير الشأن التعليمي الحقيقية المتمثلة في وضع لوائح متطورة لاستقطاب المرشحين لمهنة التدريس وتحبيبهم في هذه المهنة. ولم يثبُت أن خريجي المؤسسات التعليمية الكبرى والتي تتصدر قائمة أفضل وأحسن عشر مدارس أو جامعات في دولة ما وطنياً أو إقليمياً أو حتى دولياً، لم يثبُت أنهم مدرسون خارقون أو أن فعاليتهم وكفاءتهم التدريسية أعلى بكثير من نظرائهم من المؤسسات التعليمية العادية والتي قد يكون منها ما يحتل مراكز متأخرة. ويبقى الدليل الشائع اعتماده هو مخرجات الطالب، خاصةً منها تلك المتعلقة بتحليل مدى وجود علاقة بين صفاته القابلة للقياس أثناء فترة تكوينه وتدريبه وبين معدله التراكمي العام وفعالية أدائه القائمة على النتيجة التي حصل عليها في الاختبار وحين يدخل إلى قاعة الدرس. وعلى سبيل المثال، يجد غالبية الملاحظين أن ربط التدريب ما قبل التخرج بالأداء المستقبلي حجةً ضعيفةً وغير مسنودة بأدلة قاطعة. ونفس الأمر ينطبق على نتائج تحليل ما إذا كان المرشحون المنحدرون من مؤسسات تعليمية منتقاة هم الأفضل والأقدر على دفع التلاميذ والطلبة إلى تحصيل دراسي أفضل والحصول على علامات أعلى في الاختبارات من جهة، وبين المعدل التراكمي العام وعلامات القيمة المضافة للطالب المدرس من جهة ثانية. مقاربة توليفية أظهر تحليلان أن علامات اختبارات بعض المرشحين تتكهن فعلاً بشأن فعاليتهم، بينما تكون علامات مرشحين آخرين لا تُنبئ بتاتاً بنوع فعاليتهم. وهنا تظهر الحاجة إلى أهمية اعتماد مقاربة توليفية قائمة على مبدأ يجمع بين مقاييس مختلفة تشمل المحتوى المعرفي للطالب المرشح، وقدرته الإدراكية، وملامح شخصيته، وهي مقاييس أثبتت التجارب أنها أكثر قوةً وموثوقيةً وصدقيةً من حيث القدرة على التنبؤ بحال عضو هيئة التدريس المستقبلي، ويعتمدها النظام الأميركي في استقطاب المرشحين لولوج مدارس ومعاهد تكوين المعلمين والمدرسين. ويجدُر التذكير بأن هناك تنافُساً وتجاذُباً من نوع خاص حول فاعلية اختبارات اجتياز مباريات ولوج مؤسسات تكوين المدرسين بين البرامج المعتمدة على مستوى المعايير المتبعة وقوة الحجج والأدلة، من بينها برنامج «التدريس لأميركا». ويرى عدد من خبراء التربية والتعليم الأميركيين أن المدرسين الذين ولجوا مؤسسات تكوين المدرسين عبر هذا البرنامج هم أكثر فعاليةً من نظرائهم وأقرانهم من حيث مكاسبهم العلمية في الرياضيات، لكن ليس في اختبارات القراءة والتلاوة. استقطاب الأفضل على الرغم من وجود خصائص في الدراسات التي تتناول مدى فعالية مناهج اختبارات مباريات ولوج معاهد ومؤسسات تكوين المدرسين، فإن الخُلاصة العامة هي أنه من الصعب جداً التنبؤ بفعالية المدرس بناءً على صفاته وميزاته القابلة للقياس خلال فترة تكوينه وتدريبه على التدريس. وحتى عندما تكون هناك حالات كذلك، فهي محصورة وغير منتظمة ومحسوبة على رؤوس الأصابع. إلا أنه يجب علينا أن نكون حذرين بشأن تعريف «أفضل المرشحين»، فحصر هذه الفئة بشكل تبسيطي وتسطيحي في الخريجين الثلاثة الأوائل يُفضي بنا إلى نتائج غير محمودة ولا دقيقة. والميزات التي قد تُستخدَم لتعريف هذه المجموعة لا يبدو أنها ذات صلة حقيقية بـ»الفعالية». أضف إلى ذلك أن أكثر المُدرسين فعاليةً وكفاءةً وأداءً لا تنطبق عليهم بالضرورة هذه القوالب التقليدية المنمطة. فإذا تناولنا النموذج الأميركي على سبيل المثال، واستخدمنا عدسات «الخريجين الثلاثة الأوائل»، فقد يخطر بالبال أن أفضل طريقة لاجتذاب «أفضل» المرشحين لميدان التدريس هو جعل المهنة تُشبه بدرجة كبيرة مؤسسات التعليم الخاصة التي يلجها الكثير من الخريجين بفضل اتصافها بنسب أقل من المخاطرة وضمانها مكاسب مادية أكبر وامتيازات أكثر تُتيح للعاملين بها حركيةً أكبر. ويبدو أن هذه هي الفرضية العامة التي تقود نقاش التعليم بالولايات المتحدة. لكنها تتلقى على الرغم من ذلك دعماً فاتراً ولا يجد له سنداً في الأدلة التجريبية والقياسية. ورغم ذلك، فغير معروف في الوقت الحالي عدد الخريجين الأوائل الذين تستقطبهم المؤسسات التعليمية عالية المخاطر، والبيئات التي تقدم حوافز مادية مغرية. الموجود والمأمول بصفة عامة، وبالنظر إلى وجود دليل ضعيف بشأن القُدرة على التنبؤ بفاعلية المدرس ككل، فإنه من غير الحكيم ولا السديد أن نفترض مسبقاً أن أفضل المرشحين لديهم مجموعة خاصة من الشروط والاختيارات حول ظروف العمل وقيمة التعويضات التي يُفترض أن يتقاضوها مقابل عملهم، أو أن لوائح الموارد البشرية المطبقة في المؤسسات التعليمية التي يلتحقون بها هي التي تدفع الناس الطيبين والأكفاء للالتحاق بمهنة التدريس. وربما تكون المؤسسات التعليمية العالية المخاطر والتعويضات المالية في الآن ذاته جاذبةً أكثر بالنسبة للخريجين الثلاثة الأوائل، كما قد يكون العكس هو الصحيح بالنسبة للبعض الآخر. لكن يبقى من المعقول جداً أن يكون المرشحون الأكثر فاعليةً وكفاءةً أكثر انجذاباً إلى بيئات العمل الأفضل سواءً من حيث اللوائح والهيكلة والمناهج والعبء التدريسي وجو العمل، أو من حيث الامتيازات والتعويضات المالية. ولذلك فإنه عند دعم الجهود المبذولة لاستقطاب مرشحين عاليي الكفاءة لمجال التدريس، فيجب التفكير بجدية وعناية في كيفية تصنيفهم والقيام بما يُشجعهم ويُحفزهم على الانضمام إلى الهيئة التدريسية، بل وجعلهم يشعرون بالفخر لانتمائهم وانتسابهم إلى مؤسسات تعليمية، بدل النظر إليها بدونية كما هو الحال في بعض البلدان والمجتمعات. هشام أحناش عن «واشنطن بوست»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©