إفلاس مصارف ودول تثقل كاهلها الديون: هذه ليست عناوين صحف راهنة، بل أحداث تعود إلى عصر النهضة في فلورنسا، التي كانت عاصمة أوروبا مصرفياً ومالياً. وتستضيف عاصمة منطقة توسكانة الإيطالية اعتباراً من السبت وحتى 22 يناير المقبل، معرضاً بعنوان “مال وجمال”، يروي ولادة النظام المصرفي الحديث وجذور اقتصادنا في ظل أحد أكثر المراحل الفنية إنتاجاً في أوروبا.
فعبر تحف فنية لوبتيتشلي وهانز ميملينغ يقدم المعرض في قصر ستروتزي، مفاتيح لقراءة الحاضر، لا سيما على صعيد مخاطر السوق والتناقض بين القيم الاقتصادية والروحية.
ويقول الكاتب البريطاني تيم باركس، مفوض المعرض: “في القرن الرابع عشر أفلست مصارف فلورنسا الثلاثة الكبرى عندما تعذر على ملك انجلترا (إدوارد الثالث) الوفاء بمستحقات ديونه.
تعذر على انجلترا الدفع فانهارت هذه المصارف!”. ويضيف “إذا ثمة رابط مع الوضع الراهن، إلا أن ما يثير اهتمامي هي الطريقة التي حاولت فيها الكنيسة منع أي شكل من أشكال القروض مع فائدة، لأنها كانت تعتبر هذه الوسائل المالية المعقدة مناقضة لمشيئة الرب ولا يمكن إلا أن تكون مصدر فوضى اجتماعية”.
ولدعم أقواله، يشير تيم باركس إلى لوحة لمارينوس فان ريميرسفالدي بعنوان “المرابون” وتمثل رجلًا وامرأة “وهما شخصان عاديان تحولا إلى مهووسين بالمال، مثل زوجين يسيطر عليهما هاجس تسديد مستحقات القرض فيتوقفان عن ممارسة الحب!” ويتابع ببسمة سخرة “في مرحلة ما، شكل هذا النوع من الهوس بالمال أمراً جديداً وغريباً لكن الأمر لم يعد كذلك الآن”.
زيـارة المعـرض مقسمـة إلـى ثماني محطات، منها الربا والتجارة الدولية، ومسارها يفسر الآليات الاقتصادية التي سمحت لسكان فلورنسا بالهيمنة على المبادلات التجارية وتمويل كنوز النهضة الفنية. وتقول مؤرخة الفنون لودفيكا سيبريجوندي إن “فلورنسا كان لها موقع مركزي في النظام الأوروبي وذلك منذ إطلاق أول فلورين ذهبي عام 1252 (الذي استمر حتى 1859!)”.
وتوضح “الكثير من المفردات المصرفية اليوم تأتي من اللغة الإيطالية. في تلك الفترة كانت الإيطالية لغة الأوساط المصرفية على غرار الانجليزية راهناً”.
وتحول عندها المصرفيون الإيطاليون إلى رعاة فنون، مثل بينيدتو دي بيجيلو بورتيناري، الذي خصه هانز ميملينج بلوحة بورتريه رائعة. ويطالع الزائر لوحة كتب عليها في مستهل المعرض “لا نهضة من دون مصرفيين”.
عدد اليوم
