الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدين والفلسفة ووهم التعارض

22 فبراير 2008 23:39
هناك وهم كبير لدى كثير من الناس بأن الفلسفة تتعارض مع الدين، وهو قول يقوم على غير ذي أساس، لأن الفلسفة هي نشاط عقلي يسعى لإدراك الكون الذي نعيش فيه، وتحليل العلاقة بيننا وبين هذا الكون، والدين بدوره يقوم بتفسير هذا الكون، كما يحدد كيفية تعاطينا مع الحقائق الموجودة فيه، سواء كانت مادية أم روحية· لذلك، أعتقد أن هناك علاقة وثيقة بين الفلسفة والدين، برغم الشطحات الفكرية لبعض الفلاسفة، التي أدت بهم إلى طريق الإلحاد، لأننا لو نظرنا إلى تاريخ الفلسفة لوجدنا أن كثيراً من الفلاسفة، غربيين كانوا أم شرقيين، لديهم إرث ديني ومعرفة دينية قوية، وعلى أساس تلك المعرفة الدينية انطلقوا في مناهجهم الفلسفية المختلفة محاولين سبر أغوار الكون، وإيجاد تفسيرات منطقية لعلاقتنا به تتماشى مع طرائق وأساليب التفكير الإنساني· ومن هؤلاء الفلاسفة، جوتفريد هيجل (1770-1831) الذي يعد واحداً من أهم فلاسفة العصور الحديثة، ومن مؤسسي حركة الفلسفة المثالية في ألمانيا· وهيجل في الأصل كان ذا نشأة دينية، وطالباً درس في الكلية البروتستانتية بمدينة فورتيمبرج في ألمانيا، وقد سعى من خلال عمله الفلسفى إلى تحليل العلاقة بين الوعي أو المفاهيم الموجودة في العقل البشري، والمادة أو الحقائق الكونية التي يتم إدراكها من خلال الحواس، من أجل الوصول إلى المعرفة الكاملة· وانتهى به المطاف في منهجه الفلسفي إلى ضرورة سيادة الأخلاق، واصطبغت كل كتاباته بالطابع الديني، وحاول التوفيق بين عقيدته الدينية وبين النظريات الفلسفية المجرَّدة في مسعاه لتفسير حقائق الوجود· وهنا وفي مشرقنا العربي، نجد أن المفكر والفيلسوف المصري الدكتور زكي نجيب محمود (1905-1993) الذي وضع أكثر من أربعين كتاباً في مختلف ميادين الفكر والفلسفة والأدب والمعرفة، فضلاً عن عمله في تدريس الفلسفة في أكثر من جامعة أميركية، وجدناه يمر في طريقه الفلسفي بمراحل فكرية ثلاث، أولها يتعلق بالفكر التنويري الذي أراد نشره في مصر في بدايات القرن العشرين، ثم المرحلة الثانية والتي بدأت مع عودته من أوروبا حاملاً شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة لندن عام ،1947 حيث عاد متأثراً بالمجتمع الغربي والثقافة الغربية، فدعا إلى الأخذ بالحضارة الغربية وما بها من تقدم وعدم الإكتراث بالتراث العربي، وأخذ في الدعوة إلى فلسفة الوضعية المنطقية وضرورة اخضاع كل الأمور للعقل والمنطق· المرحلة الثالثة وهي التي تعنينا، وفيها عاد زكي نجيب محمود إلى جذوره وتراثه العربي، فعمل على الربط بين الروح والمادة، وبين الحدْس والعقل، مستنداً في دعوته على ضرورة الاستفادة من التراث بكل ما يحتويه من قيم دينية وروحية، وكذلك إبداعات علماء المسلمين الأوائل، والتي مهدت الطريق للتقدم الصناعي والحضاري الهائل الحاصل في الغرب، ودعا إلى تجديد الفكر العربي، وجعل الدين ركيزة لكل مناحي الحياة، علمية كانت أو عملية، فالدين يحثنا على ضرورة التفكر في الكون وعمارته، والفلسفة غرضها الأساسي هو محاولة كشف أسرار الكون وتحليل العلاقات القائمة به بين مكوناته· ومن هنا، وتبعاً لكل ما انتهجه كل من ''هيجل'' و''زكي نجيب محمود'' في الربط بين مناهجهم الفلسفية والدين، نستطيع القول بأنه لا تعارض مطلقاً بين كل من الفلسفة والدين، طالما لم تحد الفلسفة عن الأسس الدينية القائمة في المجتمعات· أحمد عوض سعداوي Ahmed_alsadawye@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©