فرنسا تقر «قانون إبادة الأرمن» وتركيا تهدد بعقوبات

تفجرت أزمة دبلوماسية بين فرنسا وتركيا مساء الاثنين، بعدما أقر البرلمان الفرنسي مشروع قانون تجريم إنكار إبادة الأرمن. وأعلنت تركيا أمس عزمها اتخاذ إجراءات عقابية تصاعدية ضد فرنسا، التي دعا وزير خارجيتها آلان جوبيه إلى الهدوء لأهمية العلاقات الثنائية بين البلدين. فيما اعتبرت أرمينيا إقرار القانون مبادرة تاريخية. وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان أمس في البرلمان إن “المشروع الذي اعتمد في فرنسا تمييزي وعنصري”. وأكد أن تركيا ستفرض عقوبات على فرنسا خطوة بخطوة.. تدريجياً وبدون إمكانية للتراجع”. وتابع “سنعلن خطتنا للعمل وفقا لتطورات في الملف”، مشيراً إلى أن “تركيا لا تزال تلزم الصبر”. وأعرب أردوجان الذي اعتمد لهجة أكثر اعتدالًا مما كان متوقعا إزاء باريس عن أمله في أن “تصحح فرنسا خطاها”، معتبراً أن هذا القانون “باطل ولاغ” بالنسبة إلى تركيا. وكانت وسائل الإعلام التركية ذكرت مساء الاثنين أن أردوجان تابع عن كثب مع معاونيه المناقشات في مجلس الشيوخ الفرنسي ووضع اللمسات الأخيرة على الإجراءات العقابية التي ستقرها حكومته إذا تم تبني مشروع القانون. وكانت وزارة الخارجية التركية أدانت بشدة تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي على مشروع القانون عقب الموافقة عليه مباشرة، ووصفته بأنه مثال على الطيش واللامبالاة. وقالت الوزارة في بيان إن “تركيا لن تتردد في أن تطبق سريعاً ما تراه صائباً من الإجراءات” ضد فرنسا. وكان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوجلو قال قبل ساعات من تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي إن بلاده “لم تعد تركيا 2001 حين اعترف البرلمان الفرنسي بإبادة الأرمن. وألغى داود أوجلو زيارة الى بروكسل الاثنين للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين. وفي مؤشر على الاستياء التركي أعلن رئيس بلدية أنقرة مالك جوكتشيك العضو في الحزب الحاكم أن البلدية ستزيل أسماء شوارع لتي أطلقت عليها أسماء فرنسية. وأضاف أن البلدية ستقيم قرب السفارة الفرنسية نصبا تكريميا للضحايا الجزائريين للاستعمار الفرنسي. وانضم حزب المعارضة الرئيسي لمواقف أردوجان، وهو أمر نادر على الساحة السياسية التركية. وكتب كمال كيليجدار أوجلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، في رسالة إلى المرشح الاشتراكي للانتخابات الرئاسية الفرنسية فرنسوا هولاند “لا يمكن للأتراك أن يصدقوا أن بلاد فولتير ودودرو تتجاهل حرية التعبير بقانون ستكون هي الهدف الأول له. كفى نفاقا، إنه قانون معاد للأتراك”. كذلك ندد حزب المعارضة القومي، القوة السياسية الثالثة في البلاد، بنص القانون. كما نددت كل الصحف التركية أمس بالقرار الفرنسي، سواء العلمانية أو المحافظة. وإزاء ردود الفعل التركية الغاضبة، دعا وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أمس إلى “التهدئة لأن هناك العديد من الشركات الفرنسية في تركيا ولدينا علاقات تجارية واقتصادية في غاية الأهمية”. وقال جوبيه لشبكة كانال بلوس التلفزيونية الفرنسية “نحن بحاجة إلى تركيا وتركيا بحاجة إلينا ولهذا أعتقد أن الواقعية ستغلب على العاطفة”. وأضاف أنه “بعد تخطي هذه المواقف المبالغ فيها بعض الشيء، فأنا مقتنع بأننا سنستعيد علاقاتنا البناءة” مع أنقرة. وتابع “أنا أمد اليد وآمل بأن تقابل بالمثل”. وأضاف أنه يعتبر بصفته وزيرا للخارجية أن هذا القانون “غير مناسب”، وجاء في “وقت سيء”، ورفض التعليق عليه. وتبنى البرلمان الفرنسي مساء الاثنين مشروع القانون ينص على معاقبة إنكار إبادة الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى. وينص على عقوبة السجن لمدة سنة وغرامة 45 ألف يورو لمن ينكر إبادة الأرمن في الأناضول بين عامي 1915 و1917. وسيكون أمام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي 15 يوما لتوقيع النص ليصبح قانونا. وخلال هذه الفترة يمكنه أن يطلب من البرلمان إعادة النظر في مشروع القانون ككل أو جزء منه. ورغم أن قسماً من الأغلبية اليمينية ومجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه اليسار تحفظوا على النص الذي يدعمه الرئيس نيكولا ساركوزي، إلا أنه تم تبنيه. وصادق مجلس الشيوخ بغالبية 127 صوتا مقابل 86 على مشروع القانون الذي كانت تبنته الجمعية الوطنية في 22 ديسمبر. على الصعيد نفسه سيظل سفير تركيا لدى فرنسا تحسين بورجو أوجلو في باريس لمتابعة هذه المرحلة الأخيرة من المسار التشريعي لمشروع القانون. وقال متحدث باسم السفارة إن إقرار مشروع القانون سيؤدي إلى تخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى القائمين بالأعمال. وكانت تركيا جمدت العلاقات السياسية والعسكرية مع فرنسا بعد التصويت الأول على النص في مجلس النواب الفرنسي في 22 ديسمبر. واتهم أردوجان الاستعمار الفرنسي بارتكاب “إبادة” في الجزائر. من جانبه اعتبر وزير الخارجية الأرمني إدوارد نالبانديان أمس أن تصويت مجلس الشيوخ هو “مبادرة تاريخية ستساهم في منع ارتكاب جرائم أخرى ضد الإنسانية”. وقال في بيان “هذا اليوم سيكتب بحروف من ذهب ليس فقط في تاريخ الصداقة بين الشعبين الأرمني والفرنسي وإنما أيضاً في سجلات حماية حقوق الإنسان في العالم”. وكانت تركيا علقت في الشهر الماضي التعاون العسكرية والدبلوماسي مع فرنسا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي “الناتو”. وقد حذرت تركيا هذه المرة من إمكانية خفض مستوى العلاقات، وتدابير أخرى.