الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

عودة الانتعاش لصناعة الفولاذ العالمية

9 ديسمبر 2006 01:03
إعداد - محمد عبدالرحيم: يبدو أن السباق الطويل والمضني للاستحواذ على شركة آرسيلور في لوكسيمبورج لم يسفر عن إحدى أكبر الصفقات في أوائل القرن الحادي والعشرين فحسب بل جاء أيضاً ليسلط الضوء على العودة المؤزرة لصناعة الفولاذ إلى الساحة العالمية· وكانت صناعة الفولاذ في نهاية القرن التاسع عشر قد احتلت لأول مرة حيزاً كبيراً من الاهتمام عندما تضافرت جهود صناعتي المال والفولاذ ممثلة في مصرف جيه· بي· مورجان وقطب الصناعة اندرو كارنيج في تأسيس شركة ''يو إس ستيل'' الأكبر في العالم في انتاج الفولاذ آنذاك· ومنذ ذلك الوقت وباستثناء السنوات القليلة الأخيرة ظلت صناعة الفولاذ تشهد تراجعاً مستمراً على حساب الصناعات الأخرى والتي تعتمد على التكنولوجيات الجديدة· ولكن وفي خلال فترة الخمسة أعوام الماضية بدأ هذا القطاع يستمتع بزخم غير مسبوق مدعوماً بالارتفاع الهائل في الطلب على المعدن من الصين وسلسلة من عمليات الاندماج والاستحواذ في أوساط شركات الفولاذ بحيث وضعت القطاع على مسار الربحية والاهتمام المستدام· وذكرت صحيفة الفاينانشيال تايمز أن الشخص الذي له الفضل أكثر من غيره في دفع الصناعة إلى تسلق هذه المرتبة الجديدة - التي تمثلت في ارتفاع أسعار الفولاذ إلى ثلاثة أضعافه منذ أواخر العام 2001 وتنامي أرباح مصنعي الفولاذ بشكل عام - هو لاكشمي ميتال أحد رجال الأعمال الهنود الذي أصبح ضمن قائمة أغنى الرجال في العالم· 1·1 مليار طن حجم الإنتاج العام الماضي بقيمة 800 مليار دولار فقد تمكن ميتال - رئيس مجلس إدارة شركة ميتال ستيل في هولندا - من التفوق في إبرام سلسلة من عمليات الاستحواذ منذ العام 2000 مما جعل شركته الشركة المنتجة الأكبر في العالم من ناحية الحجم وبإنتاج إجمالي بلغ 60 مليون طن في العام الماضي· على أن جهود ميتال في التوسع تردد صداها في الشركات الأخرى في القطاع بمن فيها شركتا ''ان كيه كيه'' و''كاواساكي'' اليابانيتان اللتان اندمجتا لتشكلا شركة ''جيه اف ئي'' العملاقة بينما تبعت ذلك شركتا ''يو اس ستيل'' وشركة ''نوكور'' الأكبر في الولايات المتحدة انتاجاً للفولاذ في السير في مسيرة الاستحواذ· أما في روسيا فقد اندمجت كبريات شركات الفولاذ في الدولة مثل شركة ايفراس وسيفرستال ونوفوليبتسك مع بعضها البعض بعد أن كانت مجرد شركات صغيرة الحجم مملوكة للدولة· بل أن هذه الشركات الروسية المنتجة للفولاذ قد عبرت عن رغبتها واهتمامها أيضاً بالانضمام إلى أنشطة الاندماجات في الساحة العالمية· وبلا شك فإن الفكرة من وراء جميع هذه الخطوات تتمحور في أن الشركات الأكبر حجماً سوف تصبح لديها قدرة أكبر من تلك الأصغر حجماً في توسعة انتاجها ليواكب الطلب المتسارع والحفاظ على الأسعار والأرباح في مستويات عالية وكذلك فإن الأعمال التجارية الأكبر حجماً سوف تصبح في وضع أفضل فيما يتعلق بالإنفاق في التكاليف الثابتة - الخاصة بالبحث والتطوير، وسوف تتمتع أيضاً بفرصة أفضل في توفير خدمة أكثر جودة للزبائن العالميين تماماً كما يحدث في صناعة السيارات· وإلى ذلك فقد ظل الفولاذ لسنوات عديدة يمثل عنصراً هاماً في جعل الاقتصاد العالمي ينبض بالحياة على الرغم من أن أرباحه في معظم هذه الأوقات كانت أقل من التوقعات· فقد بلغ حجم الإنتاج العالمي في العام الماضي 1,1 مليار طن بقيمة بحوالي 800 مليار دولار· ويعتبر الفولاذ المعدن الذي ينتهي به المطاف في سلسلة متعددة من الصناعات ابتداءً من علب الأطعمة والمشروبات وحتى صناعة البناء والتشييد· ولكن وبالنسبة للمستثمرين وحتى وقت قريب فهنالك أحد العناصر الهامة التي يفتقدونها والمتمثل في وجود شركات أكبر حجماً من ذلك بحيث تصبح قادرة على العمل في كامل الساحة العالمية وتوفر اسناداً للسوق يكفي لممارسة النفوذ فيما يتعلق بالإبقاء على الأسعار مرتفعة· ولكن وحسب المؤشرات الخاصة بالسنوات القليلة الماضية فإن عمليات الاندماج أصبحت في كامل نشاطها حيث يتنبأ جون ليختنستين خبير المعادن في مجموعة اكسينتشر للاستشارات أن نمط الشركات التي ترتبط مع بعضها البعض آخذ في الاستمرار حيث يقول: ''أعتقد أنه بحلول العام 2010 سوف تصبح هنالك خمس شركات كبرى في صناعة الفولاذ تسيطر على 30 في المئة من السوق تنتج في المتوسط حوالي 80 مليون طن في العام وهو الأمر الذي سيمثل تغيراً هائلاً بالمقارنة عما كان عليه الوضع في عام 2000 عندما كانت أكبر خمس شركات تستحوذ على 14 في المئة فقط من السوق''· المقاولات والسكك الحديدية ترفعان الطلب اقتربت الهند من الدخول في مرحلة حرجه في الأسابيع القليلة القادمة حيث ستصبح الدولة لأول مرة في تاريخها مستورداً بالكامل للفولاذ· إذ من المتوقع أن يشهد الطلب نمواً بمعدل 10 في المئة في هذا العام في الوقت الذي سيتأخر فيه وصول الإمدادات المحلية الجديدة فترة لا تقل عن أربع سنوات· وفي الدولة التي تتمتع بوفرة هائلة في الحديد الخام - العنصر الأهم في انتاج الفولاذ - فإن هذا الخلل يعود بشكل رئيسي إلى سوء التخطيط· لذا فإن واردات الفولاذ للدولة ربما تصل إلى 7 ملايين طن سنوياً بحوالي خمس الاستهلاك السنوي للهند الذي يبلغ 35 مليون طن قبل أن تبدأ الأزمة في الانفراج مع وصول السعة المحلية الجديدة ابتداءً من العام ،2010 وتحتاج الهند لإضافة سعة مقدارها 20 مليون طن بحلول العام 2010 حتى تتمكن من مقابلة الطلب الحالي في الوقت الذي انهمكت فيه كبريات الشركات المحلية المنتجة ابتداءً من شركة تاتاستيل الأكبر من نوعها في القطاع الخاص إلى شركة سيل سءةج الحكومية العملاقة في اطلاق مشاريع التوسعة الكبرى، وفي ظل الاحتياطيات الهائلة التي تتمتع بها الهند في الفحم والحديد الخام فقد كشفت شركة بوسكو من كوريا الجنوبية وشركة ميتال ستيل عن التزامها لتنفيذ مشاريع للتوسعة في الدولة ضمن الاتجاه السائد في كبريات المجموعات الدولية من أجل تحقيق التكامل العالمي في انتاج الفولاذ· ويأتي معظم الطلب الهندي على الفولاذ من قطاعي البناء والتشييد والسكك الحديدية حيث يغطي قطاع البناء كل شيء ابتداءً من البنية التحتية إلى بناء المنازل بحيث يشكل 11 في المئة من إجمالي الناتج المحلي كما من المتوقع أن يشهد نمواً بمعدل 1,8 في المئة سنوياً حتى العام ·2009 أما السكك الحديدية التي تعتبر ثاني أكبر شبكة في العالم فسوف تشهد طلباً مماثلاً على الفولاذ بسبب استمرارها في تحديث المسارات الحديدية وادخال قاطرات جديدة في هذه المسارات، لذا فإن سلطات السكك الحديدية التي تستهلك حوالي 3,5 في المئة من اجمالي انتاج الفولاذ في الدولة بات من المتوقع أن تزيد طلبيات شرائها من منتجات الفولاذ بمعدل 7,3 في المئة في فترة السنوات الأربع المقبلة· مرحلة جديدة تنبأت شركة وورلد ستيل دايناميكس في الأشهر الماضية أن أسعار الألواح الجاهزة المصدرة يمكن أن ترتفع بسهولة إلى 700 دولار للطن من مستوى يقل من 600 دولار في منتصف الربيع مما يؤشر بقدوم فترة أخرى من النمو في الأرباح في الصناعة· وبالإضافة لذلك فقد تنبأت الشركة أيضاً بأن بعض كبريات الشركات المنتجة للفولاذ في الصين سوف تسعى عما قريب للمشاركة في أنشطة الاندماجات العالمية في ضوء التوسعة الهائلة التي تشهدها الدولة في صناعة الفولاذ· وتعتقد شركة الاستشارات أن فرص تدخل الحكومة الصينية للحيلولة دون اندماج الشركات الصينية الكبرى مثل شركة ''باوستيل'' وآنبين'' وشركة ''وأهان'' قليلة ومحدودة نسبياً· وكما ورد في التقرير الذي أفرجت عنه الشركة مؤخراً ''أن شركات الفولاذ الصينية الرائدة من المرجح أن تدخل في عمليات اندماج واستحواذ عالمية في غضون السنوات القليلة القادمة''· التنين الصيني أما العامل الأكبر الآخر الذي أدى إلى ازدهار الصناعة إلى هذا المستوى فقد تمثل في الطلب الهائل من الصين والذي جعل استهلاك الفولاذ العالمي يزداد بمتوسط 6 في المئة في كل عام في الفترة ما بين عامي 2000 و2005 مقارنة بمتوسط سنوي لا يزيد على 1,9 في المئة في نمو الطلب على الفولاذ في الفترة ما بين 1970 وعام ،2000 ووفقاً لاحصائيات شركة ''وورلد ستيل دايناميكس'' الأميركية للاستشارات فإن الطلب العالمي للفولاذ في الفترة ما بين الآن والعام 2015 من المرجح أن يشهد نمواً بمعدل 3,5 في المئة سنوياً مع توسع الاحتياجات الصينية بمعدل 4 إلى 5 في المئة في كل عام بينما تزداد هذه الاحتياجات في باقي أنحاء العالم بمعدل 3 في المئة سنوياً· وفي الوقت الذي تسهم فيه الصين حالياً بما يقارب ثلث الإنتاج والاستهلاك العالمي للفولاذ فهنالك مخاوف من أن تتحول هذه الدولة إلى أكبر دولة مصدرة للمعدن بحيث تغرق الأسواق بالفولاذ الرخيص بشكل يؤدي إلى ضغط وتقليص الأسعار في المناطق الأخرى· الخردة تشهد المزيد من الانتعاش أصبحت إعادة استخدام سكراب الفولاذ ''الخردة'' تشكل سوقاً كبيرة الحجم كما أن حظوظها باتت تشهد نوعاً من التثمين وبشكل يجعلها لا تقل أهمية عن باقي المنتجات في سوق الفولاذ· ويكفي أن تشييد مبنى يو اس اس في نيويورك في العام المقبل سوف يتضمن 24 طناً من سكراب الفولاذ المتبقي من مركز التجارة العالمي الذي انهار في الحادي عشر من سبتمبر· وإلى ذلك فإن حجم سوق سكراب الفولاذ يبلغ 460 مليون طن سنوياً منها 85 مليون طن يتم شحنها عبر البحار· وتأتي تركيا في مقدمة قائمة المصدرين الأكبر في العالم حيث تصدر 15 مليون طن من سكراب الفولاذ في كل عام الا أن معظم السكراب ظل يأتي من العالم الصناعي حيث تتصدر أوروبا وأميركا الشمالية قائمة أكبر المزودين تليهما اليابان· وهذه الصناعة تديرها في أغلب الأحيان عائلات تجارية الا أن عمليات الاندماج التي جرت في هذا القطاع في السنوات الأخيرة أدت إلى ظهور العديد من الشركات الكبيرة الحجم مثل مجموعة سيمز في استراليا، وعلى خلاف ما يشهده سوق الفولاذ الرئيسي ومعظم أسواق السلع الأخرى فإن الصين ليست السبب الرئيسي للطلب على سكراب الفولاذ بسبب انها تركز على خام الحديد والأعمال التجارية الخاصة بصهره من أجل انتاج الفولاذ· والغريب أن ارتفاع أسعار السكراب في السنوات الأخيرة أجبر بعض منتجي الفولاذ على فرض رسوم وضرائب إضافية على منتجاتها من الفولاذ· وحالياً فإن أسعار سكراب الفولاذ بلغت 450 دولاراً للطن في نوفمبر من عام 2004 أي أعلى من مستوياتها في بداية ذلك العام في مؤشر لتنامي ارتفاع الأسعار في المستقبل· وبلا شك فإن الأسعار الحالية تعتبر عالية جداً بالمقارنة مع حقبة التسعينيات عندما كانت الأسعار تناضل للارتفاع فوق مستوى 100 دولار للطن عندما أدى انهيار الاتحاد السوفييتي لتدفقات هائلة في أسواق سكراب المعادن· أما الآن ففي ظل سعى روسيا والدول المستقلة المجاورة الأخرى للحصول على العملة الصعبة فقد تم بيع الدبابات السوفييتية في شكل سكراب كما تم تفكيك مصانع الفولاذ القديمة وبيعها أيضاً كسكراب· زلازل باكستان في ظل استهلاك سنوي لا يزيد على 5 ملايين طن فإن صناعة الفولاذ في باكستان تبدو متخلفة بكثير وراء العمالقة الآسيويين مثل الصين والهند واليابان· ولكن معظم المحللين يعتقدون بأن ارتفاع الطلب على المعدن من المتوقع أن يأتي بمعيه الخطط الطموحة الرامية لزيادة ميزانية التنمية الوطنية· وتقريباً فإن نصف الإنفاق على التنمية والتطوير البالغ إجمالية 415 مليار روبية (6,9 مليار دولار) في السنة المالية الجديدة قد تم رصده لمشاريع البنية التحتية الجديدة التي ستعمل بدورها على زيادة الطلب على مواد الإنشاءات بما فيها الفولاذ· وهنالك مصادر أخرى لهذا الطلب المتنامي بمن فيها صناعة السيارات الباكستانية التي من المقرر أن تنتج 250 ألف سيارة في هذا العام أي ثلاثة أضعاف المستوى قبل ثلاثة أو أربعة أعوام من الآن· وعلى الأقل فإن باكستان استوردت 3 ملايين طن من الفولاذ في العام الماضي معظمها من أوكرانيا والهند وإيران· وكشف تقرير تم إعداده للحكومة في العام الماضي أن الطلب السنوي على الفولاذ يمكن أن يرتفع إلى مستوى 10 ملايين طن بحلول العام 2010 حيث من المتوقع أن يأتي معظم هذا الطلب من إعادة الإعمار المخطط له في المناطق الشمالية للدولة التي عانت الأمرين من التدمير الذي أحدثه الزلزال في شهر أكتوبر الماضي وراح ضحيته أكثر من 73 ألف شخص· وهنالك العديد من أعمال الانشاءات الضرورية الأخرى بما فيها الجسور التي تربط المناطق الجبلية بالمدن·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©